ارشيف من : 2005-2008
بين مافيا الوزارة و"كارتل" المطاحن والأفران الكبرى: الرغيف.. حكاية "أزمة" تتجدد
على وقع الأزمة السياسية التي لا تزال تراوح مكانها يبدو وكأن على المواطن اللبناني أن يظل أسير الهواجس المعيشية والاقتصادية والاجتماعية إلى ما لا نهاية. وما حصل مطلع الأسبوع الحالي على صعيد أزمة الرغيف في الضاحية الجنوبية لم يكن إلا دليلاً واضحاً على خطورة هذا الواقع من جهة وعلى لا مبالاة وإهمال السلطة القائمة التي غالباً ما تكون حلولها المقترحة إما موقتة او خاضعة للمحسوبيات والمصالح الشخصية.
ليل الأحد ـ الاثنين الفائت شهدت الأفران في الضاحية الجنوبية زحمة خانقة وتهافتاً كبيراً على شراء ربطات الخبز، أما السبب فقرار اتخذته هذه الأفران بالإقفال لعدم تسلمها الطحين الكافي من المطاحن، فما الذي حصل تحديداً، وهل حلت الأزمة؟
يقول مصدر نقابي تابع القضية: "كان من المفروض كما جرت العادة أن تسلم مطحنة "باقليان" كمية طحين بحدود 4500 طن لأفران الضاحية التي لم تتسلم سوى نصف هذه الكمية، فما كان منها إلا أن اعترضت وأبلغت احتجاجها للمطحنة التي أكدت بدورها أنها لم تتسلم من وزارة الاقتصاد سوى نصف كميتها أيضاً"، لافتاً الى أن "باقليان توزع الطحين المخصص للخبز العربي بينما هناك مطاحن أخرى مملوكة من أشخاص مقربين من رئيس الحكومة اللادستورية فؤاد السنيورة حصلت على كميتها وربما أكثر برغم أنها توزع الطحين المخصص للحلويات وأنواع الخبز الأخرى".
ويشير المصدر الى أن "وزير الاقتصاد اعترض على قرار "باقليان" التي ردت المشكلة إليه لأنه هو من قرر تسليمها نصف كميتها من القمح".
وإزاء هذه المشكلة التي كادت تضع المواطن أمام خيارين "إما رفع سعر ربطة الخبز أو تخفيض وزنها" جرى اجتماع بين وزير الاقتصاد في الحكومة غير الدستورية وأصحاب المطاحن والأفران وصف بـ"المتشنج والصاخب" تقرر على إثره إعطاء مطحنة "باقليان" كامل كميتها والتعويض على أصحاب الأفران في الضاحية إضافة إلى تشكيل لجنة تضم شخصين عن الوزارة واثنين آخرين يمثلان أصحاب المطاحن واثنين يمثلان أصحاب الأفران والمخابز على أن تقوم هذه اللجنة بتوزيع كميات القمح والطحين بشكل عادل بواسطة كوبونات".
ويعلق المصدر على هذا القرار بأنه "تأجيل للحل" خصوصاً في ظل غياب جمعية حماية المستهلك عن اللجنة، مضيفاً "انه سواء كان سبب المشكلة خطأ وغباء في التوزيع أو غير ذلك" فإنها لا تزال قائمة ويمكن أن تتجدد في أي لحظة، مؤكداً "رفض رفع سعر ربطة الخبز، وعدم التلاعب بالوزن"، داعياً إلى قانون عادل ومنصف لمراقبة المطاحن والأفران.
ويقول النقابي أن "هناك ثلاث مافيات تتحكم بالطحين، تلك المحسوبة على الوزارة وكارتل المطاحن ومافيا بعض الأفران الكبيرة جداً التي تحاول استغلال هذه الأزمات لتوسيع نطاق توزيعها"، مضيفا "أن أعضاء اللجنة التي تقرر تشكيلها هم أسباب المشكلة والعناصر الرئيسية فيها".
ويطرح وصول سعر ربطة الخبز إلى 2000 ليرة لبنانية في بعض الأفران ليل الأحد ـ الاثنين الفائت سؤالاً أكبر عن الرقابة، وفي هذا الإطار يعلق رئيس جمعية حماية المستهلك د.زهير برو على اللجنة التي تقرر تشكيلها بالقول "مجدداً (جحا وأهل بيته) يقومون بالمزايدات والمناقصات على حساب الخزينة العامة"، مشيراً إلى "ان هذه اللجنة هي استمرار للسياسات نفسها القائمة على المحسوبيات"، مطالباً بـ"تشكيل لجنة فنية تضم إلى جانب الوزارة والمطاحن والأفران كلاً من الاتحاد العمالي العام وجمعية حماية المستهلك".
ويضيف برو: "المشكلة قد تتجدد في أي لحظة نتيجة عدة اعتبارات منها خضوع الأسعار في لبنان لسعر طن القمح عالمياً، والغموض وعدم الوضوح في المعايير التي يتم على أساسها تحديد الدعم الذي هو بدوره يبدو غير واضح"، مؤكداً "انه لا يوجد دولة في العالم تطعم شعبها أسبوعاً بأسبوع، بل تخطط لسنوات وسنوات".
وأبدى برو تخوفه من "استمرار الوضع الحكومي على ما هو عليه في ظل ما يمكن ان ينتج عنه من فوضى وفلتان في الأسعار"، مشيراً إلى أنه "في كل مرة تجلس فيها الحكومة مع القطاع الخاص غالباً ما يكون ثالثهما الفساد، فيما المواطن وحده من يدفع الثمن".
بالأمس القريب وإثر المعلومات عن احتمال إقفال عدد من الأفران وفقدان الرغيف، شهدت بعض مناطق الضاحية الجنوبية تحركات وتظاهرات عفوية وارتجالية للمواطنين خوفاً على لقمة عيشهم واحتجاجاً على إهمال المسؤولين ولا مبالاتهم.. غداً لا أحد يعرف ما الذي قد يجعل الشعب بأكمله يتحرك وينتفض من أجل تغيير هذا الواقع، هل هو رغيف الخبز؟ أم التقنين العشوائي للكهرباء؟ أم غلاء الأسعار؟ أم ارتفاع أسعار البنزين؟ أم ارتفاع تسعيرة النقل؟ كلها عناوين من شأنها، إذا ما استمرت بالتفاقم، إشعال فتيل المواجهة بين لحظة وأخرى.
ميساء شديد
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008