ارشيف من : 2005-2008

في انتظار لجنة فينوغراد: سقوط أولمرت دون الحكومة؟

في انتظار لجنة فينوغراد: سقوط أولمرت دون الحكومة؟

يحيى دبوق
تنتظر إسرائيل تقرير لجنة فينوغراد، المعنية بدراسة فشل إسرائيل في حربها الاخيرة على لبنان، وتحديد المسؤولين عن هذا الفشل، إلى حد ان كل الحراك السياسي والعسكري في الكيان يرتبط به، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومع صدور التقرير، كما هو معلن في الثلاثين من الشهر الحالي، سيتحدد مصير رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، وعلى الارجح خروجه نهائيا من الحلبة السياسية الإسرائيلية، كآخر رمز من رموز ثالوث الحرب والعدوان على لبنان، إضافة إلى من سبقه للاستقالة، كل من وزير الحرب عامير بيرتس، ورئيس أركان الجيش الاسرائيلي السابق دان حالوتس.
في دائرة التحرك السياسي الاسرائيلي الداخلي، تمهيدا لتقرير فينوغراد، قدم رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، افيغدور ليبرمان، استقالته من الحكومة، معلنا انسحابها وأعضاء حزبه (11 عضو كنيست) من الائتلاف الحكومي، لتتراجع التغطية البرلمانية من 78 إلى 67. وتعتبر استقالة ليبرمان مقدمة لعدد من التحركات السياسية المقبلة في الساحة الإسرائيلية، تسبق أو تعقب تقرير فينوغراد، باتجاه إسقاط الحكومة أو إسقاط رئيسها.
مع انسحاب حزب إسرائيل بيتنا، اصبح لدى أولمرت ائتلاف من 67 عضو كنيست، من اصل 120 عضو كنيست، بمعنى ان الائتلاف قائم على سبعة اعضاء كنيست. وتتوزع شبكة الامان البرلمانية للحكومة بعد انسحاب ليبرمان، على الشكل التالي: 29 لكاديما، 19 لحزب العمل، 12 لحزب شاس الديني، و7 لحزب المتقاعدين.
يتوقع لثلاثة اعضاء كنيست من حزب المتقاعدين المؤتلف في الحكومة، ان ينسحبوا من الحزب وبالتالي من الائتلاف وتشكيل كتلة مستقلة أو الالتحاق بحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يعد العدة بدوره لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة، في حال توجهت تداعيات فينوغراد إلى اقرارها، وهو مطمئن للنتائج مسبقا، إذ تشير نتائج استطلاعات الرأي المتكررة في الكيان، الى ان رئاسة الحكومة ستكون من نصيبه وسيكون لليمين الاسرائيلي بشكل عام، فوز كاسح في الانتخابات، إن حصلت.
من جهته، اعلن حزب ميرتس اليساري (5 اعضاء كنيست)، برئاسة الوزير السابق يوسي بيلين، عن نيته تقديم دعم (ثقة) للحكومة من خارج الائتلاف كي يمنع اسقاطها والتوجه نحو انتخابات مبكرة، إذ يعلم بيلين، وكل اليسار الاسرائيلي، ان الاصوات ستصب في مصلحة اليمين، وستتسبب بخسارة كبيرة جدا لليسار، وإلى تغيير دراماتيكي في توزع الخريطة السياسية في الكنيست، بل ان احزابا ستمحى منها نهائيا (كحزب المتقاعدين).
من جهته، وكحركة استباقية، يعمل إيهود أولمرت على استمالة حزب يهودت هاتوراه الديني الاشكنازي (6 اعضاء كنيست) من خارج الائتلاف الحالي، لتأمين تغطية في الكنيست، وهذا الحزب الديني، شبيه بحزب شاس للمتدينين الشرقيين، الا انه اقل انتهازية واقل قدرة على تليين المواقف المبدئية التي يطلقها في سبيل مصلحته المالية المتأتية من اشتراكه في الحكومة، ويتوقع ان يطرح أولمرت على يهودت هاتوراه منصب نائب رئيس لجنة المالية في الكنيست، إذ ان هذا الحزب يحرم تولي منصب وزير في الحكومة، لانها بنظره دولة غير يهودية بحسب الشريعة التلمودية.
اما حزب شاس الديني، الذي يملك 12 عضو كنيست، فيهتم بالدرجة الأولى بأن يكون شريكا في أي ائتلاف كي يستحصل على عائدات مالية لمؤسساته التعليمية والاجتماعية، وهو ما دفعه اساسا للاشتراك في حكومة أولمرت أو اية حكومة أخرى، سواء كانت يسارية أو يمينية. وكان رئيس الحزب ايلي يشاي، الوزير في الحكومة، اعلن ان شاس سينسحب من الحكومة في حال اقدام أولمرت على مناقشة وضع القدس مع الفلسطينيين، وهو ما لن يعمد اليه أولمرت ما دام ان هناك خطرا من انسحاب شاس بموجبه.
يبقى حزب العمل (19 عضو كنيست)، واي موقف يتخذه الحزب، سيؤدي إلى تداعيات دراماتيكية للحكومة قد تؤدي إلى اسقاطها، الا ان العمل برئاسة باراك، يعلم كما يعلم حزب ميرتس اليساري، ان أي توجه لانتخابات مبكرة هو مجازفة قد تصب في مصلحة اليمين وتحديدا حزب الليكود، وبالتالي سيصعب على باراك، برغم مطالبة عدد من اعضاء حزبه، بالانسحاب من الحكومة باتجاه اسقاطها.
قد تغلب مصلحة الاحزاب الإسرائيلية المؤتلفة في الحكومة، ومن خارجها أيضا، عدم إسقاط الحكومة الحالية والتوجه لانتخابات مبكرة، بل ان تعمد هذه الاحزاب إلى إسقاط أولمرت تحديدا واستبداله بأحد اقطاب حزب كاديما، والاسم الأكثر تداولا لذلك هو وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، القادرة أكثر من غيرها على تسلم المنصب، الا ان المشكلة هي في آليات حزب كاديما الذي اسسه اريئيل شارون بعد ان كاد حزب الليكود ان يسقطه من رئاسته، أي انه منع في قانونه الأساسي إمكانية إسقاط رئيسه، وهو ما سيتمسك به أولمرت المعروف انه يملك "بلادة" سياسية خاصة وقدرة على امتصاص الضربات حتى اخر لحظة.
الواقع السياسي في إسرائيل قبل تقرير لجنة فينوغراد معقد جدا، والازمة المقبلة لا تشير إلى سيناريو واحد، برغم ان أكثر اللاعبين في الساحة السياسية الإسرائيلية يهمه، بشكل اساسي، ازاحة أولمرت عن رئاسة الحكومة من دون إسقاط الحكومة نفسها، والايام المقبلة كفيلة بكشف اتجاه المآلات، الا ان إيهود أولمرت، كآخر مركب من ثالوث الحرب على لبنان، على وشك السقوط بسبب هذه الحرب وفشلها.
الانتقاد/ 1250 ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18