ارشيف من : 2005-2008
جولة بوش: خيبات سياسية وعقود تسليحية
لم يصدر أي تقويم ايجابي لنتائج جولة جورج بوش الى المنطقة حتى الان وانعكاسها على مسار السياسة الخارجية الاميركية المتعثر في الشرق الاوسط. وهو وان كان خرج وفي جعبته بعض المكاسب المالية فإن التدقيق في جدول اعمال جولته المعلن يشير الى فشل كبير في تحقيق الاهداف.
فبوش وضع في رأس قائمته هدف دفع المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية نحو انجاز اتفاق نهائي يوقع قبل انتهاء ولايته نهاية هذه السنة. وهو وان غادر واعدا بالعودة في الربيع مجددا ومعلنا عن تفاؤله بانجاز اتفاق، متفردا بهذا التقويم الذي لم يشاركه فيه احد من حلفائه المعنيين: لا الاسرائيليون ولا الجانب الفلسطيني المشارك في المفاوضات، ولا حتى الجانب المصري الذي يؤدي دورا في هذا السياق. بل ان النتيجة الوحيدة التي ارساها بوش هي ضخ دم كبير من شأنه تسعير هذا الصراع وفتحه على احتمالات غير ما يريد. فهو اعطى غطاء رسميا للمجازر الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لتصفية مقاومته فحصدت آلة القتل الاسرائيلي 19 فلسطينيا في يوم واحد بقطاع غزة بينهم نجل القيادي في حماس محمود الزهار، الامر الذي استدعى اعلانا رسميا من حماس على لسان خالد مشعل بأنه لن يكون هناك اي تهدئة ولا اي تبادل اسرى مع اسرائيل بعد "المجزرة"، ما يعني ان الامور متجهة نحو تصعيد سيكون من نتائجه اعادة اللحمة الفلسطينية وبالتالي منع أي تفريط اضافي بالحقوق الفلسطينية في المفاوضات، ولا سيما ان خارطة الطريق الفعلية التي رسمها بوش للحل الفلسطيني لامست اخطر قضيتين وهما مصير اللاجئين الفلسطينيين حيث حسم موضوع توطينهم بدعوته اولا الى آلية دولية لدفع تعويضات مالية لهم، وثانيا عبر تمسكه باسرائيل دولة للشعب اليهودي، وثالثا عبر مسه بالحد الادنى من حدود الدولة التي يطالب بها المفاوضون الفلسطينيون، أي الاراضي المحتلة عام 1967، بدعوته الى تعديل هذه الحدود بما يسمح بضم كتل استيطانية في الضفة الغربية الى اسرائيل، في وقت يستمر الاستيطان بأكل المزيد من الاراضي الفلسطينية وفرضها كأمر واقع فيما تكتفي واشنطن باعتراضات لفظية. وعليه فإن ما جرى من وقائع ميدانية ومعطيات سياسية لا تحمل في طياتها أي احتمال تسوية لا في الفترة الزمنية المحددة هذا العام ولا في المستقبل.
عزل ايران
اما فيما يتعلق بالهدف الثاني والرئيس من الجولة والمتمثل بعزل ايران فإن خيبة بوش كانت اكبر. فهو وان كان واصل خطابه العدائي ضد الجمهورية الاسلامية ووصفها من الامارات العربية بـ"الراعي الاول للارهاب" وانها تشكل "تهديدا" للامن لان طهران "ترسل مئات ملايين الدولارات للمتطرفين حول العالم بينما تبقي شعبها في حالة فقر" و"تحاول ترهيب جيرانها بصواريخها وخطابها العدائي"، وقوله ان "الولايات المتحدة تعزز التزامها القديم في مجال الامن مع اصدقائها في الخليج وهي تجمع اصدقاء في العالم لمواجهة هذا الخطر قبل فوات الاوان"، فإن التصريحات الخليجية والعربية المعلنة ازاء هذا الخطاب كانت في مكان آخر، ففي محطته الاخيرة سمع من الرئيس المصري حسني مبارك رفضا لضرب ايران، وامام وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وقف نظيرها السعودي سعود الفيصل، ليقول ان المملكة "لا تضمر اي سوء لايران" التي تعتبر "دولة مهمة في المنطقة"، لا بل انه دعا الى "تجنب اي تصعيد في المنطقة وتحت كل الظروف لان التصعيد فيها ليس لمصلحة احد".
وقبل ان يغادر طار وزير الخارجية الكويتي محمد صباح السالم الصباح الى طهران بدعوى البحث في تسوية نزاع حدودي معها واعلن على الفور ان "بلادي تعرف من هو صديقها ومن هو عدوها وايران صديقتنا". حتى الامارات التي اطلق منها بوش هذا الخطاب العدائي والتي ترى فيها واشنطن بلدا مهما لسياستها الهادفة الى عزل ايران، واقامت في دبي واحدا من خمسة مكاتب لها في العالم تحت عنوان بناء "علاقات" مع "مواطنين ايرانيين عاديين"، فإن الامارات هي اكبر شريك تجاري لايران وتعتبر دبي مركز الاعمال الرئيسي لايران مع وجود اكثر من 10 الاف شركة ايرانية في هذه الامارة ومئات الاف الايرانيين فيها ومليارات الدولارات العائدة لهم والتي من شأنها ان تؤثر على مسار الاقتصاد الاماراتي.
واذا كان حلفاء واشنطن العرب يخشون تصاعد النفوذ الايراني الا انهم يخشون اكثر من ذلك نشوب مواجهة عسكرية ثانية في المنطقة بعد الحرب في العراق التي خدمت مصالح ايران حتى الان كما يرون. وبالتالي فإن عملية التهويل التي مارسها بوش بتصريحاته عبر استمراره بالتلويح بالخيار العسكري عندما نأى بنفسه عما سماه تقريرا "مستقلا" لوكالات المخابرات الاميركية حول التهديد النووي الايراني، وهي تتوصل الى نتائج مختلفة عما يمكن ان ارغب فيه او لا، مضيفاً بعد محادثاته مع الملك عبد الله بن عبد العزيز ان جميع الخيارات موضوعة على الطاولة، وانه اوضح للملك السعودي انه سيواصل اعتبار ايران بمثابة "خطر" بالرغم من تقرير المخابرات الاميركية الذي نشر الشهر الماضي وفيه ان ايران اوقفت برنامجها النووي العسكري عام 2003.
وهو امر سبق وقاله امام الجهة المعنية اكثر بتداعيات التقرير أي "اسرائيل" خلال محادثاته مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت.
السلاح والنفط
لكن الشيء الملموس الذي عاد به بوش من خلال استثماره عملية التهويل بالخطر الايراني هو عقود بمليارات الدولارات اذيع عنها رسمياً اثناء وجوده في الرياض، حيث اعلن المتحدث باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان ادارة الرئيس ابلغت الكونغرس الاثنين (14/1/2008) انها تعتزم بيع السعودية اسلحة بقيمة 120 مليون دولار، وهي صفقة تندرج في اطار عقود تسلح كبيرة تبلغ قيمتها عشرين مليار دولار مخصصة للسعودية ودول خليجية اخرى. وتتناول الصفقة بيع 900 قنبلة فائقة التطور توجه عبر الاقمار الصناعية، ولان "اسرائيل" الوحيدة في المنطقة التي تملك هذه الاسلحة المعروفة باسم "جوينت دايركت اتاك ميونيشن" والتي استخدمتها عام 2006 خلال حربها ضد حزب الله، فإن هذه الصفقة تثير قلق الحكومة الاسرائيلية والعديد من البرلمانيين الاميركيين الذين يخشون ان تستخدم هذه الاسلحة ضد "اسرائيل" او ان تقلص تفوقها التكنولوجي الحربي عن دول المنطقة العربية، فإن الولايات المتحدة كالعادة تطمأن اسرائيل عبر القيود المفروضة على هذه الاسلحة، وعبر تحديد وظيفتها وهي انها ضرورية لدول الخليج للتصدي لما يصفه بوش بـ"الخطر" الايراني.
مع الاشارة الى ان واشنطن سارعت لتهدئة هذه المخاوف بإعلانها العام الماضي عن مساعدات عسكرية لاسرائيل بمستوى ثلاثين مليار دولار على عشر سنوات بزيادة كبيرة جداً عن المساعدة التي كانت واشنطن تمنحها حتى الان للدولة العبرية.
وكان الكونغرس ابلغ في كانون الاول/ ديسمبر بخمسة عقود بيع اخرى في اطار "الحوار الامني في الخليج وذكر ماكورماك بان اثنين منها يتعلقان بالامارات العربية والمتحدة وثالثا للكويت، واثنين للسعودية، وهي بقيمة 11.5 مليار دولار".
واذا كانت الدول الخليجية المذكورة استعاضت عن ارضاء بوش بالخطاب السياسي عبر شراء اسلحة منه، بصفته مسوقا لصناعة السلاح الاميركي حيث يقوم بهذه العملية بتوفير فرص عمل كبيرة لمصانع السلاح، ويمتص الكتل النقدية المتراكمة خليجيا جراء ارتفاع اسعار النفط، فإن هذا الموضع كان هو الاخر واحدا من الاهداف الرئيسية غير المعلنة، حيث ان بوش ناقش هذا الامر مع قادة الدول الخليجية التي زارها اي الكويت والبحرين والامارات فضلا عن السعودية التي ذكرت التصريحات الاميركية انه سمع من ملكها "قلقه حيال ارتفاع الاسعار وما يمكن ان يترتب عنه من عواقب على الاقتصاد في العالم، لكن ترجمة هذا القلق والذي يقتضي زيادة للعرض قابلته منظمة اوبك اولاً عبر تأكيدها ان تموين السوق بالنفط كاف، مع ابداء الامين العام للمنظمة عبدالله البدري "استعداد" اوبك لزيادة انتاجها اذا كانت المعطيات الاساسية تبرر ذلك، لكنه لفت الى ان الارتفاع القوي الاخير في اسعار النفط "هو نتيجة توترات جيوسياسية مستمرة وتدني الدولار وقيود في نظام التكرير الاميركي" وعلى الاخص "الدور المتزايد الذي يلعبه المضاربون" وتحديدا منذ شهر ايلول/ سبتمبر، وبالتالي فإن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الاميركي ليس نتيجة اسعار النفط، وان كان اهم ما حصل عليه بوش من الرياض في هذا الشأن هو تفهمها للقلق الاميركي من ارتفاع اسعار النفط.
اما الديمقراطية التي عادة ما يتوج بها بوش خطابه تجاه الشرق الاوسط فقد كانت الغائب الاكبر حيث امتنع حتى النهاية عن مواجهة حلفائه في العالم العربي بشكل مباشر اذ لم يعرب صراحة عن انتقاداته لهم في مجال الحريات والديموقراطية، وهو وان اقر بتراجع الحريات في اماكن اخرى في المنطقة فإنه لم يحدد اي دولة بعينها حرصا منه على تجنب أي تأثير على مصالح بلاده.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ 1250 ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008