ارشيف من : 2005-2008

الحراك السياسي يدفع الى انفراجات وتقارب بين الفرقاء في العراق

الحراك السياسي يدفع الى انفراجات وتقارب بين الفرقاء في العراق

بغداد ـ عادل الجبوري
في مراسم تشييع رفات ثلاثمئة وخمسين كرديا من ضحايا عمليات الانفال(1987-1988) الذين تم العثور على رفاتهم في مقبرة جماعية بمنطقة تابعة لمحافظة الموصل، شن الزعيم الكردي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني هجوما على قوى واطراف عربية لم يسمها فقال "انها ما برحت مستعدة لتكرار تنفيذ حملات الانفال والابادة الجماعية ضد الكرد لو سنحت لها الفرصة المناسبة وكأنها لا تكتفي بما عاناه وتكبده الشعب الكردي من مظالم ومآس". وواضح ان البارزاني كان يرد على بعض مما جاء في بيان اصدرته مجموعة من القوى السياسية معظمها من خارج كتلة الائتلاف والتحالف الكردستاني تضمن اشارات الى مشكلة كركوك وتطبيق المادة 140 من الدستور، وقضية تغيير العلم العراقي الحالي مثلما يصر الاكراد على ذلك، والعقود النفطية.
والقوى السياسية العشر التي وقعت على ما اسمته بـ"المشروع الوطني" هي الكتلة الصدرية، وكتلة رساليون، وحزب الدعوة الاسلامية (تنظيم العراق)، ومجلس الحوار الوطني، والمستقلون من جبهة التوافق العراقية، والقائمة العراقية، والجبهة العراقية للحوار الوطني، والكتلة العربية المستقلة، والجبهة التركمانية، والحركة الايزيدية من اجل الاصلاح والتقدم، ومؤيد العبيدي من مكتب رئيس الوزراء السابق والقيادي في حزب الدعوة (المقر العام) ابراهيم الجعفري والنائب حنين قدو ممثل الشبك في الائتلاف الموحد.
واشارت تلك القوى في بيانها الذي تلاه النائب عن القائمة العراقية في البرلمان العراقي اسامة النجيفي يوم الاحد الماضي(13/1/2008) الى "ان الهدف من مشروعها هو الخروج عن المحاصصة الطائفية ودعم المصالحة الوطنية عن طريق بناء دولة المؤسسات والقانون بعيدا عن ظاهرة التحالفات الضيقة، ولدعم مشروع المصالحة الوطنية وتوسيع قاعدة المشاركة، والمحافظة على مصالح جميع مكونات الشعب العراقي في مدينة كركوك".
وقد رأى نواب من كتلة الائتلاف العراقي الموحد ان بيان الاطراف السياسية العشرة يساند جهود حكومة المالكي ويؤكد الوقوف الى جانبها في هذه المرحلة في القضايا التي تشعر بها هذه الاطراف انها قضايا وطنية عامة مثل قضية كركوك والعقود النفطية المبرمة من قبل حكومة اقليم كردستان، حيث ترى هذه الاطراف ان هذين الموضوعين لا يتعلقان بجهة او قومية، وانما هما من المسائل الوطنية التي لا بد وان تتم معالجتها بأفق وطني واسع. ولعل الواضح ان بيان المشروع الوطني للقوى السياسية المشار اليها جاء في سياق حراك سياسي استثنائي نوعا ما شهدته الساحة السياسية العراقية خلال الاسابيع القلائل الماضية، مثلت مذكرة التفاهم الموقعة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، والحزب الاسلامي العراقي في منتجع دوكان بشمال العراق قبل اكثر من اسبوعين، احد ابرز مؤشرات ذلك الحراك.
وقد جاء بعدها اللقاء الهام بين رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم، والامين العام للحزب الاسلامي العراقي طارق الهاشمي، يوم الاثنين الماضي بعد عودة الاخير من زيارة رسمية قام بها لدولة الكويت، أشار بعده الامين العام للحزب الاسلامي العراقي الى احتمال عودة وزراء جبهة التوافق العراقية الى الحكومة خلال وقت قريب. والاشارة الى امكانية عودة وزراء جبهة التوافق والقائمة العراقية ربما تقتضي قراءات اخرى مختلفة لتفاعلات المشهد السياسي وطبيعة الحراك فيه.
والتحرك السياسي في الاونة الاخيرة لمجلس رئاسة الجمهورية باتجاهات ومستويات متعددة ساهم في حلحلة بعض العقد، وتقريب وجهات النظر بين اطراف مختلفة حول قضايا حساسة ومصيرية، وكذا الحال مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي عقد مؤخرا لقاءات مع شخصيات سياسية تمثل بعض الكتل السياسية المنسحبة من الحكومة كجبهة التوافق العراقية والقائمة العراقية، وقد صدرت تصريحات ايجابية للغاية من بعض الشخصيات التي التقت المالكي مفادها دعم الحكومة واسناد العملية السياسية وبذل كل المساعي والجهود لانجاحها، وهذا ما بدا واضحا من تصريحات عضو القائمة العراقية السيد اياد جمال الدين، وعضو جبهة التوافق الشيخ خلف العليان، اضافة الى شخصيات سياسية وبرلمانية اخرى تحدثت بنفس الاتجاه والمنحى.
ليس هذا فحسب بل ان الاجتماعات واللقاءات التي عقدت في الاونة الاخيرة بين ممثلين عن الحكومة وشخصيات معارضة في العاصمة اللبنانية بيروت وقبلها في مدينة العقبة الاردنية، وما طرح فيها من موضوعات للبحث والنقاش قد تساهم في حلحلة الامور، واشاعة اجواء ومناخات اوسع للتفاهم والتقارب بشأن الثوابت الوطنية.
والمصادقة على قانون المساءلة والعدالة من قبل مجلس النواب العراقي مثلت هي الاخرى خطوة مهمة وحاسمة الى حد كبير في الدفع بالعملية السياسية الى الامام وازالة جزء غير قليل من الاحتقانات والتشنجات السياسية في المشهد السياسي العراقي.
ولا شك ان القراءة الاميركية لذلك الحراك السياسي قد تكون مختلفة ومتعارضة مع القراءة العراقية، لان الاجندات مختلفة، وهذا التفاوت والتباين قد يرتب نوعا من الاستحقاقات التي ينبغي اخذها في الحسبان، ولا يستعبد بعض المراقبين والمعنيين ان يكون هناك تحرك غير معلن من مراكز القرار والتوجيه الاميركي في بغداد متمثلة بالسفارة الاميركية يمكن ان يفضي الى خلط بعض الاوراق واحداث ارباك في بعض المفاصل والمنعطفات. 
بيد أن الامر المشجع هنا هو ان نجاح الحكومة العراقية في مواجهة الارهاب والقضاء على القسم الاكبر من اوكاره وقواعده ومخابئه وقياداته في العراق، وحصول تحسن كبير في مجمل الاوضاع الامنية في البلد، انعكست اثارها ومعطياتها على مختلف مناحي الحياة اليومية، وكان لهذا النجاح تأثير كبير في اعادة النظر ببعض المواقف السياسية لهذا الطرف او ذاك، فضلا عن ان معظم ـ ان لم يكن جميع القوى السياسية ـ ادركت وبحكم تجربة الاعوام الاربعة الماضية ان التركيز على نقاط الافتراق والاختلاف والاتجاه الى تأزيم الامور وتعقيدها لن يفضي إلى أية نتائج ايجابية وسيلحق بالأطراف التي تتبنى ذلك النهج المزيد من الخسائر ويرتب عليها استحقاقات باهظة، بينما ابداء المرونة والبحث في نقاط الالتقاء والتواصل والتركيز على الثوابت الوطنية التي يفترض ان تشكل قواسم مشتركة هو الخيار الافضل والاحسن والانجع، والذي يمكن من خلاله تحقيق مكاسب على الصعيد العام وعلى الصعيد الخاص في ذات الوقت.
الانتقاد/ 1250 ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18