ارشيف من : 2005-2008

الإمام الخامنئي يستقبل البرادعي: ملف إيران سيكون اختباراً ونجاحاً كبيراً للوكالة

الإمام الخامنئي يستقبل البرادعي: ملف إيران سيكون اختباراً ونجاحاً كبيراً للوكالة

طهران ـ محمد محسن
"ان الحل الصحيح لمسألة ملف ايران النووي سيكون اختبارا مهما ونجاحا كبيرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية".. هكذا لخص قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي ارادة ايران السياسية الواضحة "بأن تبقى هذه الوكالة مركزا دوليا مستقلا, وكون القوى المتسلطة ترفض هذه الاستقلالية فإنها صبت غضبها على الوكالة التي شهدت على عدم انحراف مشروع ايران النووي".
اللقاء وهو الاول بين قائد الثورة ومدير الوكالة الدولية محمد البرادعي، يطوي مرحلة تجاذبات طويلة استطاعت فيها الوكالة "وشريكتها المهمة ايران" ـ حسب تعبير البرادعي ـ الوصول الى مستوى عال من الثقة والتعاون والشفافية التي مكنت مدير الوكالة من الصمود مقابل الضغوط الاميركية ـ الاسرائيلية، وإصدار  تقريره الشهير الذي تلته تهديدات اسرائيلية بالقتل وغضب اميركي سافر!
اما عن توقيت اللقاء وأهميته فإن  مصادر متابعة للملف اشارت "للانتقاد" الى ان البرادعي قد طلب اللقاء مع الامام الخامنئي عدة مرات ولم يلقَ جوابا ايجابيا, فما الذي تغير حاليا؟
يبدو ان الاجواء العالمية الملائمة التي خفت فيها لهجة التهديدات الاميركية "تحت ذريعة صدور تقرير المؤسسات الاستخبارية الـ16 في اميركا"، وما تلاها من جرأة وجدية وسرعة في ازالة الابهامات العالقة بين الوكالة وإيران على المستوى التقني والعملي, والثبات السياسي الذي اظهر صلابة لا يمكن التراجع عنها عند الايرانيين في مسألة تعليق ووقف التخصيب كخط احمر، وما جرى مؤخرا من تسليم روسي للوقود النووي لمحطة بوشهر, كل هذه العوامل يضاف اليها دعم مقبول من دول كبرى كالصين وروسيا منعت او أخرت اصدار قرارات من مجلس الامن، وتأييد الحق النووي السلمي من منظمات دولية كعدم الانحياز والدول الاسلامية, قد مكن العلاقة بين ايران والوكالة الدولية ان تنمو وتتسارع وتيرتها في مقابل اخفاق غربي مثلته دول (5 + 1)، وسلسلة اخفاقات خارجية وداخلية للادارة الاميركية المشرفة على نهاية عهد بوش وانتخابات جديدة.
 هذا اللقاء الرمزي والمهم حصل اذن وسط رضا متقابل بين الوكالة وإيران وفي اجواء بدء مرحلة جديدة طالما أكدتها القيادة الايرانية، وهي الارجاع الكامل للملف من التسييس الى مكانه الطبيعي في الوكالة.. وما دامت الوكالة تقوم بعملها وتشرف بشكل واسع على الانشطة النووية وتؤكد عدم وجود اي دليل على تسلح نووي مزعوم، فإن هذا اللقاء يتوج جهودا من العمل المستقل للوكالة والمخالف للتيار الاميركي, ويعبر عن تقدير وتشجيع للوكالة ولشخص البرادعي الذي يهمه بدوره ان يلتقي القائد "الذي رحب بالبرادعي وكرر أمامه موقف ايران المخالف شرعا لإنتاج واستخدام الاسلحة النووية.. وما دامت ايران تلتزم معاهدة "الان بي تي" بدقة فإنه لا يوجد اي مبرر لبقاء ملفها في مجلس الامن، في اشارة واضحة الى الوكالة بالسير نحو انهاء الملف "بأسرع ما يمكن".
هذه السرعة تتعلق من جهة بالتعاون السابق الذي أنهى اغلب الملفات الاشكالية, وبالموعد القادم في آذار/ مارس المقبل حين يقدم البرادعي تقريره الثالث الى حكام الوكالة. وفي هذا الاطار اكد مسؤولو وكالة الطاقة الايرانية ان ايران مستعدة للاجابة عن اسئلة الوكالة ورفع الابهامات الباقية خلال (4) اسابيع فقط وقبل الفترة المتفق عليها سابقا (عدة اشهر).
هذه الايجابية المتبادلة التي أزعجت الادارة الاميركية والرئيس بوش بالذات وأحرجته بحيث امتنع عن ذكر "خطر ايران النووي" في جولة الشرق اوسطية، هدفت الى احتواء ومحاصرة النفوذ الايراني.
هذا التزامن بين الزيارتين: زيارة البرادعي لإيران ـ بدون برنامج محدد ـ ولقاؤه أعلى مستويات القيادة في تأكيد لبداية نهاية تدويل وتسييس الملف النووي والعمل على انهائه سريعا بشكل مستقل وتقني وقانوني, في مقابل زيارة اعترف المراقبون الغربيون بفشلها المسبق للرئيس الاميركي المغادر للبيت الابيض محرضا العرب ضد ايران، وفارضا عليهم صفقات أسلحة وارتباكا واضحا، حيث انهم مقتنعون بحتمية التعاون والتنسيق مع ايران الاسلامية القوية كضامن للأمن والاستقرار والأخوة بين المسلمين.
الزيارة متعددة الابعاد ولكنها بلا شك تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها الاول: الاعتراف بحق ايران في انتاج الطاقة النووية وخلو مشروعها من اي شبهات تسلح.. وثانيا إعادة الاعتبار لمرجعية الوكالة التي عُزلت في ملفات أخرى كالنووي الإسرائيلي لتصبح آخر من يعلم! الأمر الذي طالما أكدته الدبلوماسية الإيرانية برفع الهيمنة الأميركية عن المؤسسات الدولية وعدم جعلها محلا لتصفيات الحسابات ومحاصرة الشعوب والدول الحرة. وبالطبع فإن البرادعي والوكالة يشتركان في هدف تقوية دور الوكالة ودور مديرها العربي المسلم الذي يحاول جاهدا اثبات قدراته على معالجة الازمات الحرجة، ويهمه في الوقت ذاته الحفاظ على تطبيق قوانين الوكالة التي طالما خرقتها الدول الكبرى ذات الترسانات النووية الهائلة.
انجازات الوكالة والتعاون الايجابي والبناء مع إيران "سيكون لهما تأثيرات ايجابية مهمة في كل منطقة الشرق الأوسط" كما يقول البرادعي, مضيفا: "إننا اليوم نبحث كيفية تطوير تعاون إيران مع الوكالة والالتزامات والتعهدات التي ستعطيها الوكالة لإيران مقابل تعاونها وشفافيتها. اليوم تسير المسألة النووية الإيرانية في طريقها الصحيح والسليم".
وفي المقابل يرد الإيرانيون التحية بأحسن منها بـ"اعتبار الوكالة هي الجهة الرسمية الوحيدة المخولة بحث الملف النووي مع إيران" كما قال الرئيس احمدي نجاد، معتبرا ان الطاقة النووية هي نعمة إلهية ستتضاعف قيمتها خلال العقدين القادمين، وعلى الوكالة ان توجد الفرصة القانونية لجميع الشعوب والدول للاستفادة من هذه الطاقة النظيفة، وأن تمحو ادعاءات بعض الدول الكبرى بأن الطاقة النووية مساوية للقنبلة النووية".
زيارة البرادعي الايرانية الناجحة وآفاقها المثمرة لإيران والوكالة الدولية وزيارة بوش الفاشلة في عزل ايران والتحريض عليها, تشجعان الادارة الايرانية والبرادعي على انجاح نموذج جديد وجدي من الصمود الدبلوماسي والتعاون الدولي في ملف حيوي واستراتيجي يؤكد الايرانيون انه انتهى عمليا ولم يبقَ الا إعلان انتصارهم النهائي في الوقت المناسب وتحت اشراف الوكالة "المستقلة" للطاقة "النظيفة".
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18