ارشيف من : 2005-2008

الكارثة المناخية.. تقدم مستمر

الكارثة المناخية.. تقدم مستمر

قتلى بالعشرات في فرنسا وإيطاليا وبلدان أوروبية أخرى بفعل انهيارات الثلوج في موسم التزلج. وقتلى بأعداد مماثلة في وسط أوروبا، خصوصاً في بلغاريا، بفعل البرد الشديد والنقص في موارد التدفئة. وحوادث سير بفعل الانزلاقات على الطرق المتجلدة ومطارات مقفلة. إعلان حال الطوارئ رداً على عواصف وزوابع وفيضانات في العديد من الولايات الأميركية، برغم كون شهر كانون الثاني/ يناير "لطيفاً" في العادة.. ومئات الألوف من البيوت التي انقطع عنها التيار الكهربائي أو غمرتها المياه وسط شوارع كثيرة تحولت إلى أنهار وبحيرات وصل ارتفاع الماء أو الثلج المتراكم فيها إلى ثلاثة أمتار. إضافة إلى أعداد من الضحايا البشرية والخسائر في الممتلكات. وفي كندا لم يسمح عدم الهبوط الكافي في درجات الحرارة بتحقيق المستوى العادي من التجلد في خليج سان لوران. أما أوستراليا فقسم منها غارق في مياه الأمطار، بينما القسم الآخر يعاني من الجفاف والحر والحرائق. وفي أفريقيا كثيرون تسلقوا الأشجار هرباً من الطوفان، حيث أدت الأمطار الغزيرة التي هطلت في زامبيا ومالاوي وموزنبيق إلى فيضان نهر الزامبيز وتشريد مئات الألوف من السكان وتدمير آلاف المنازل والقضاء على المحاصيل الزراعية وانقطاع المواد الغذائية، إضافة إلى القتلى والجرحى وخطر أوبئة الكوليرا والإسهال وغيرها. وفي أفغانستان أكثر من ثمانين قتيلاً بفعل الانزلاقات التي نجمت عن تساقط الثلوج في شرق البلاد. وبغداد هطلت عليها الثلوج في بادرة لم تحدث منذ أكثر من مئة عام. وفي لبنان برد قارس بلا أمطار، في ظل أزمة المعيشة وغلاء أسعار المحروقات، وحالات وفاة وكارثة زراعية محتملة. وكل ذلك جزء من المسلسل الذي بات الحديث عنه أمراً يومياً في عالم اليوم المتخبط في كارثته المناخية والبيئية التي بات من المعروف أنها ناشئة عن الانحباس الحراري الناشئ بدوره عن النشاط البشري، وتحديداً عن ذلك النشاط الذي يوصف في العادة بأنه "حضاري". سيارات وطائرات ومصانع وكهرباء وأجهزة تكييف ومواد كيميائية وبلاستيك وتفوق تاريخي في إنتاج كميات هائلة من السموم والنفايات بفعل الاستهلاك الذي أصبح المجال شبه الحصري للفاعلية البشرية وللإبداع البشري في غمرة الإنجازات العلمية والتقدم المتسارع بسرعة شبيهة بسرعة الانهيار. وأساس كل ذلك هو الدور المتعاظم في حياة البشر لذلك الشيء الذي يبدو ان جهنم قد بدأت تفيض به على هذا العالم.. إنه "النار" التي لطف اسمها "حضارياً" لتأخذ أسماء الحرارة والطاقة، والتي تدير كل هذه الحشود من المحركات التي سادت وطغت وحرمت على عالم اليوم أن يحظى بحقه مما يحتاج إليه من سكون ضروري. محركات تتحرك وتحرك بنار تواصل، بعد القيام بمهمتها في تحريك المحركات، تواصل القيام بمهمة أخرى هي إحراق الموجودات تراباً وماءً وهواءً حتى لا يبقى غير نار تأكل نفسها بعد أن تنتهي من التهام كل شيء. كيوتو وما بعد كيوتو مرفوضان أميركياً برغم هزالهما، لأن المطلوب هو الحفاظ على نمط العيش الأميركي، على ما يقوله الرئيس بوش بكل وضوح. وما ينبغي إيضاحه برغم وضوحه، هو أن نمط العيش الأميركي المسؤول عن هذا الخراب العالمي ليس أميركياً ولا شيء غير ذلك.. ينبغي التحلي بفضيلة الصدق والاعتراف بأنه نمط  عيش الجميع، بمن فيهم نحن. والمطلوب إذا ما كان الصدق ذا معنى، لا أن نجهد أنفسنا بالبحث عن حل، فالحل موجود، لكنه بحاجة إلى التطبيق. والتطبيق المطلوب ليس التكنولوجيا النظيفة: الأخبار الطازجة تفيد.. مثلاً أن الاتحاد الأوروبي قد تراجع عن مشروع لاستبدال محروقات مستخرجة من النباتات بالنفط، لأنه اكتشف أن ذلك أشد خطراً وأدهى. التطبيق المطلوب هو اعتماد نمط عيش نظيف لا بالصابون ومساحيق الغسيل التي تبين أيضاً أنها مهلكة للحياة، بل بإثبات الصدقية عبر الإياب إلى العيش القويم على الصراط المستقيم.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18