ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقال: مصلحة واشنطن عنده تتقدم مصلحة الوطن
كتب مصطفى الحاج علي
لم ينطلق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله من فراغ عندما دعا فريق الموالاة إلى الإقلاع عن الرهانات الخاطئة، لا سيما تلك المتعلقة باحتمال حدوث متغيرات اقليمية لمصلحة هذا الفريق. فكلام السيد نصر الله مبني على قراءة دقيقة لواقع الولايات المتحدة اليوم، ولواقع المتغيرات الدولية والاقليمية. وفي هذا الإطار يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: إن العام 2008 هو العام الأخير من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش، ما يعني عملياً أنه لم يبقَ أمامه إلا حوالى خمسة أشهر، إذا ما أراد القيام بأي خطوة مجنونة في المنطقة كتوجيه ضربة إلى إيران، التي بتقدير كثيرين تراجعت احتمالاتها كثيراً إلى الوراء، خصوصاً بعد صدور تقرير أجهزة المخابرات الأميركية واضطرار واشنطن إلى مواجهة أكثر من ملف معقد، بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق، وأخيراً هواجس الملف الباكستاني.
لا يعني هذا أنه ليس هناك من يضغط للقيام بضربة كهذه، فاللوبي الصهيوني فاعل في هذا الاتجاه، وجهاز المخابرات العسكرية "أمان" وكذلك "الموساد" يبذلان جهوداً قوية لدحض مضمون تقرير أجهزة المخابرات الأميركية، إضافة إلى فاعلية ما تبقى من المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية مثل إليوت أبرامز. إلا أن ما يواجه واشنطن هو حالة اللايقين من النتائج، فهي تدرك أن القصف الجوي يمكن أن يؤذي، لكن لا يمكن أن يحسم الحرب، وأن الضربة الأولى قد تكون لواشنطن، لكن من سيحسم الحرب في النهاية هي ايران، وأن حرباً من هذا النوع لن يسلم منها أحد.
ثانياً: إن المشروع الأميركي ـ الصهيوني هو في حالة فشل كبير من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين.. إلخ، كل ذلك لمصلحة خط المقاومة والممانعة في المنطقة. وإذا انطلقنا من تقدير بأن معظم حروب واشنطن في المنطقة تستهدف توفير شبكة أمان قوية للكيان الإسرائيلي، وتوفير الظروف الملائمة لتطبيع وجوده وموقعه ودوره المركزيين فيها، أدركنا أن الفشل الأميركي خصوصاً بعد هزيمة الإسرائيلي في تموز، سيعني حتماً فشلاً في توفير هذه الشبكة، وبالتالي وضع هذا الكيان في مواجهة تهديدات استراتيجية غير مألوفة من قبل.
ثالثاً: ان المأزق الأميركي لا يقف عند حدود المنطقة، بل يتجاوزها إلى الحديقة الخلفية لواشنطن، أي دول أميركا اللاتينية، حيث خرج حوالى 300 مليون نسمة من أصل 350 مليون موزعين على سبعة دول مركزية على سياسة واشنطن، كما أسسوا مصرف الجنوب برأسمال 7 مليارات دولار لمواجهة السياسات المالية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
رابعاً: العودة القوية لروسيا إلى الساحة الدولية، وذلك بعد نجاح بوتين في توجيه ضربات قوية للمافيات الصهيونية والاميركية التي استشرت فساداً داخل الدولة منذ عهد يلتسين. كما أعاد بوتين الاعتبار إلى مكانة روسيا كدولة عظمى بالمعنى العسكري مدشناً استراتيجيات مواجهة، مستفيداً من تمكن موسكو من الوفاء بديونها وتحقيق وفر مالي يتراوح بين 350 و550 مليار دولار أميركي.
خامساً: الدور الاقتصادي الكبير للصين التي وإن بقيت محافظة على نهج محافظ في سياستها الدولية، إلا أن مكانتها العالمية باتت موضع نظر الجميع.
خلاصة القول هنا أن الحصيلة الختامية لمجمل استراتيجيات عهدي بوش هي الفشل، ولم يعد الوقت يتيح له استئناف استراتيجيات جديدة، وهو محكوم بالوقت الضائع في كيفية احتواء هذا الفشل حتى لا يتنامى، وبالاتجاه الذي يخدم توجهات حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هل يعني هذا أنه علينا أن نتوقع جموداً عاماً في الحركة الاميركية أم ماذا؟
لا أحد يقول ان واشنطن ستكتفي بالتفرج، بل على العكس من ذلك، فهي ستركز على التالي:
ـ وضع العراقيل والحواجز لمنع خط المقاومة والممانعة من ملء فراغ الفشل الاميركي في المنطقة.
ـ بذل كل جهد ممكن لحماية حلفائها والقوى المحسوبة عليها.
ـ ممارسة سياسة هجومية حيث أمكن.
هذه السياسات المركبة هي التي تعتمدها واشنطن اليوم، حيث نلاحظ:
أ ـ العمل مع الأنظمة العربية بالاتجاه الذي يوتر العلاقات العربية ـ الايرانية، ويضع الحواجز في طريق تطورها لمصلحة أمن المنطقة واستقرارها.
والأمر عينه ينطبق في ما يخص العلاقات العربية مع سوريا.
ما يعني العمل على اصطناع جبهات صدام عربية ـ ايرانية من جهة، وعربية ـ سورية من جهة أخرى، بديلا لجهة الصدام الأساسية مع الكيان الاسرائيلي. فواشنطن تعمل على تحوير وجهة الفراغ في المنطقة، من ضمن توجه استراتيجي يرمي إلى تطبيع العلاقات العربية ـ الإسرائيلية.
ب ـ تدعيماً للتوجه الآنف حركت واشنطن مسألة التسوية على الخط الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فكان مؤتمر أنابوليس أولاً، ثم جاءت جولة بوش ثانية لتعطي الضوء الأخضر الكبير لحسم الأوضاع في غزة بالاتجاه الذي يخدم خط التسوية وخط التطبيع وخط نقل الصراع في المنطقة من جبهة الكيان الإسرائيلي إلى الجبهة الإيرانية والسورية واللبنانية.
ج ـ منع أي تسوية في لبنان وتأخير أي حل لا يكون لمصلحة فريقها، وذلك بانتظار ما ستؤول اليه التطورات في المنطقة، حيث يتوقع هؤلاء أنه اذا نجحت التوجهات السابقة فسيكون لها انعكاساتها على المسألة اللبنانية.
هذا التقدير ـ اذا صح ـ سيعني أن الأزمة اللبنانية تريدها واشنطن مفتوحة على متغيرات المنطقة، أو أن تبقى رهينة هذه المتغيرات وفي وضع انتظاري لها. ولذا فهي تحاول البحث عن سبل لتقطيع الوقت، ما دام متعذراً ايجاد حلول لمصلحة فريقها.
كل ما تقدم يضع فريق الموالاة في موقع من يريد تجريب المجرب والرهان على أوهام، ذلك أن قوى المقاومة في المنطقة باتت من الثوابت الاستراتيجية، ليس في الحسابات المحلية أو الاقليمية، بل حتى الدولية، ما يعني أن تجاوزها بات ضرباً من المستحيل، وأنه لا بد من أخذها بعين الاعتبار في أي تسويات وطنية فعلية يراد لها تجاوز أزماتها الداخلية.
من هنا فإن فريق الموالاة ومن وراءه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما سلوك اتجاه وطني والدخول في تسويات وطنية فعلية، وإما دفع ثمن بؤس خياراتهم وحساباتهم لاحقاً.
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008