ارشيف من : 2005-2008

الاحتلال يستعرض عضلاته في حي الزيتون استعدادا لعمليات أوسع

الاحتلال يستعرض عضلاته في حي الزيتون استعدادا لعمليات أوسع

غزة ـ عماد عيد
مجزرة حقيقية ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في غزة في توغل واحد فقط استمر ساعات قليلة في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.. عشرون شهيدا وأكثر من خمسين جريحا في توغل اعتبر بكل حيثياته خاطفا ومفاجئا في توقيته وسرعته ونتائجه، وحتى في أهدافه المتوقعة.. فالتوقيت كان عند السابعة صباحا وليس كما جرت العادة أن تكون التوغلات فجرا أو ليلا أو في ساعات المساء الأولى، ولكن عند بزوغ الفجر وطلوع الشمس واطمئنان المقاومين الفلسطينيين الذين أخذوا في تبديل دورياتهم، حيث أنهى المرابطون دورياتهم الليلية وجاء دور آخرين، وخلال تبديل الدوريات انقضت الدبابات الصهيونية في هذه المنطقة التي تعتبر ضعيفة أمنيا على اعتبار أنها منطقة مفتوحة لا يوجد فيها إلا الأشجار والمزروعات وبعض المنازل. وكما هو واضح من تفاصيل ما جرى في هذه المنطقة، فإن قوات خاصة صهيونية كانت قد تسللت إلى قلب هذه المنطقة وتحديدا الى مناطق مرتفعة منها واتخذت مواقع لها في قلب منشآت أو منازل في هذا المكان، وعندما حانت ساعة الصفر التي حددتها طائرات الاستطلاع توغلت الدبابات وحاصرت مجموعة من المقاومين من كتائب القسام وأطلقت عدة قذائف باتجاههم فوقعوا ما بين شهيد وجريح وتُركوا ينزفون في المكان حتى استشهدوا جميعا، وعددهم ستة أشخاص. وبدورها شاركت الطائرات الإسرائيلية في العملية فنفذت سلسلة من الغارات استهدفت منزلين لمواطنين في المكان، كما استهدفت مدرسة خلف خطوط المقاومين ومجموعات المقاومين المنتشرين في بيارات الزيتون والحمضيات الذين هرعوا إلى المكان بالمئات من أجل فك الحصار عن المقاومين المحاصرين بالدبابات والطائرات، ومن اجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه منهم، ما جعلهم في أحيان كثيرة صيدا لهذه الطائرات المزودة بأدوات المراقبة والمتابعة.
ومما وصل إلى المستشفيات الفلسطينية من إصابات وشهداء يتبين أن القوات الصهيونية توغلت من اجل القتل، ولذلك وصل عدد الشهداء إلى عشرين، ثلاثة عشر منهم من كتائب القسام، والجرحى زاد عددهم على الخمسين. وبحسب الأطباء فإن الشهداء وصلوا إلى المستشفيات على هيئة أشلاء ممزقة بسبب الإصابة المباشرة ونوعية القذائف الفتاكة التي استخدمها الجيش الصهيوني في هذا التوغل، الأمر الذي ينطبق على الجرحى الذين يرقد أكثر من عشرة منهم في حالة حرجة جدا.
ومن بين الشهداء حسام نجل الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس، وهو في الثانية والعشرين من العمر، والابن الثاني للزهار الذي يُستشهد خلال هذه الانتفاضة، حيث كان نجله البكر خالد قد استشهد في قصف الطائرات الحربية الصهيونية لمنزله غربي مدينة غزة، وهو القصف الذي أدى إلى إصابة زوجته أيضا بجروح خطرة واستشهاد أحد حراسه أيضا.
 وبحسب كثير من المراقبين فإن القوات الصهيونية كانت تهدف أساسا من وراء هذا التوغل الخاطف الى استعراض كل أسلحتها وقواتها وإيقاع اكبر قدر ممكن من المقاومين والمدنيين على حد سواء بين شهيد وجريح في فترة قياسية، وذلك بهدف ضرب معنويات المقاومة الفلسطينية ونقل رسالة لهم بأن هذه النتيجة يمكن أن تحدث في أي توغل آخر أو في كل توغل، وأن الأمر سيكون اكبر بكثير إذا ما وقعت عملية صهيونية كبيرة في القطاع من قبيل إعادة احتلال بعض المناطق في الشمال أو الجنوب أو الشرق، خصوصا ان هذا التوغل جاء في ظل ترويج صهيوني إعلامي عن عملية وشيكة في القطاع حصل الصهاينة على ضوئها الأخضر من قبل رئيس الولايات المتحدة الأميركية جورج بوش.
 ويبدو أن الجيش الصهيوني يحاول إشراك اكبر عدد ممكن من قواته وأسلحة جيشه في معارك متوقعة لتجربتها واختبار قوتها، وتطبيقا لما يحدث في عمليات التدريب المكثفة التي يجريها الجيش الصهيوني منذ تسلم باراك المؤسسة العسكرية وهزيمة جيشه في حرب تموز على لبنان ومحاولة لاستعادة معنويات هذا الجيش، كما انه تنفيس عن سكان بلدة سديروت الذين يشنون هجمة كبيرة على رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت ويطالبونه بالرحيل والاستقالة جراء استمرار المقاومة الفلسطينية في إطلاق الصواريخ عليها.
وفي المقابل فإن فصائل المقاومة الفلسطينية واعية لكل هذه الأهداف، ويبدو انها احتوتها وتحاول مواجهتها وإحباطها من خلال التصريحات التي صدرت عن القادة السياسيين أو العسكريين، أو من خلال استعادة زمام المبادرة وقصف البلدات والمواقع الصهيونية بالصواريخ. ويبرز في هذا السياق عودة كتائب القسام إلى القصف بالصواريخ من جديد، فقد قصفت سديروت وعددا من المستوطنات بستة عشر صاروخا، في حين قصفت عدة فصائل أهدافا أخرى من بينها مدينة عسقلان بعدة صواريخ، وذلك لأول مرة منذ الحسم العسكري الذي نفذته حماس في قطاع غزة.
العملية ألقت بظلالها على المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، فقد خرج الرئيس الفلسطيني عن صمته واعتبر أن المجزرة لن تأتي بالسلام، وهي مستنكرة. وهو أمر فعلته حركة فتح ومسؤولون في السلطة الفلسطينية. أما الحكومة المقالة في غزة وحركة حماس فقد طالبتا بوقف كل أشكال التفاوض بشكل فوري، وقال إسماعيل هنية إن هذه العمليات الصهيونية لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني ولن تثنيه عن المضي قدما في مشوار الجهاد والمقاومة.
التصعيد الميداني على الأرض تزامن مع تجاذبات سياسية حول مؤتمر دمشق الذي ستشارك فيه عشرة فصائل أهمها حركتا حماس والجهاد الإسلامي لتأكيد الثوابت الفلسطينية، الأمر الذي تزامن مع عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماعاته وكذلك المجلس الثوري لحركة فتح في رام الله، وهي الاجتماعات التي اعتبرت أن مؤتمر دمشق هو تطاول وتجاوز لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنه لن يزيد الأزمة والانقسام الفلسطيني الفلسطيني إلا حدة وعمقا.. في حين أكدت حماس والجهاد عزمهما المضي قدما في عقد هذا المؤتمر من اجل تأكيد أنه لا يحق لأحد أن يتحدث نيابة عن كل الفلسطينيين في ما يتعلق بالثوابت، وعلى رأسها قضية اللاجئين الفلسطينيين والقدس والحدود.
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18