ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: العدوان على غزة وحرب تموز.. أهداف واحدة للتحالف عينه

حدث في مقالة: العدوان على غزة وحرب تموز.. أهداف واحدة للتحالف عينه

كتب مصطفى الحاج علي

من ينظر في خريطة منطقة الشرق الأوسط يجدها عامرة بالملفات والقضايا الساخنة والمتفجرة، بدءاً من باكستان مروراً بأفغانستان وإيران والعراق ولبنان وانتهاء بفلسطين، نجد اليوم أن الحدث الفلسطيني هو الذي استعاد حضوره الثقيل في المنطقة، ومن مدخل ما يجري اليوم في غزة، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مركزياً حول السياق السياسي لما يحدث، وموقعه في الخريطة الجيواستراتيجية للصراع الدائر في المنطقة، ومن ثم التداعيات المحتملة لنتائجه.
الجواب عن هذه التساؤلات يستلزم ملاحظة ما يلي:
أولاً: إن عباءة لقاء أنابوليس هي التي تغطي الصراع الدائر في غزة بين العدو الإسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية. وأنابوليس لم يكن إلا ممراً لتوفير المظلة العربية بدعوى تحريك المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وصولاً إلى تحقيق رؤية بوش بدولتين: الأولى يهودية والثانية فلسطينية.
ويفترض تحريك التسوية منطقياً وموضوعياً التخلص من العوائق التي تعترضها، والتي يبقى أبرزها ماثلا في المقاومة وسلاحها.
ثانياً: لقد حدد بوش أثناء زيارته إلى المنطقة ثلاثة أهداف رئيسية: الأول يتمثل بتوجيه رسالة إلى ايران بأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء نمو قدراتها المتنوعة وتمادي حجم تأثيرها في المنطقة، وذلك بهدف طمأنة حلفائها في المنطقة، وحثهم على عدم التمادي في بناء علاقات ايجابية مع طهران، وذلك لمصلحة إقامة تحالف موضوعي مع الكيان الإسرائيلي يستهدف إيران مباشرة.
والثاني يتمثل بإنعاش أنابوليس بعدما بدا أنه آخذ في الترنح، وهنا كان بوش واضحاً في تحديد معالم التسوية المطلوبة: دولة يهودية صافية، "لا" كبيرة لحق العودة، مراعاة الواقع على الأرض. مع تأكيد أي تصحيح للعلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية.
والثالث يتمثل بتوقيع صفقات سلاح كبيرة وتنظيم مسألة إنتاج البترول بما ينسجم والحسابات السياسية والاقتصادية الأميركية. وما لا يجب أن يفوتنا هنا هو تأكيد بوش دعمه لحكومة فريق الموالاة، وتوجيهه انذارات إلى كل من ايران وسوريا.
الخلاصة التي يمكن الخروج بها من مجمل حركة بوش في المنطقة هي الاحتمالات التالية:
الأول: ان بوش ما زال يفكر بمغامرة عسكرية تجاه  ايران أو سوريا، وبالتالي فإن ما يجري في فلسطين يراد له أن يشكل ساحة الدخان التي تحجب الهدف الحقيقي، والتي من شأنها أن توفر مدخلاً لضمان الغطاء العربي لمغامرة كهذه.
الثاني: ان بوش يفكر جدياً في انجاز تسوية ما على خط الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وهو بالتالي يعمل على توفير شروط نجاح هذه التسوية: الغطاء العربي اللازم للتنازلات التي سيقدم عليها أبو مازن، توفير الغطاء العربي اللازم لضرب المقاومة، محاصرة قوى المقاومة الأخرى بالتهديدات والضغوط والإرباكات حتى لا تتمكن من مد يد العون الى المقاومة الفلسطينية.
وما يمكن الإشارة اليه هنا أن بوش وحلفاءه في المنطقة يقومون بمغامرة كبيرة، إذ ان النجاح لن يكون من دون تداعيات مؤثرة نظراً لكلفته الكبيرة. كما أن الفشل سيرتد سلباً وبقوة كبيرة على كل منظومة التسوية في المنطقة.
بكلمة أخرى إن ما يجري في غزة اليوم يشبه كثيراً ما حدث في لبنان في تموز 2006، فالمقاومة هي المستهدفة من قبل سلطة تملك التوجيهات الاستسلامية نفسها وبغطاء العرب أنفسهم. وإذا كان نجاح المقاومة في رد عدوان تموز وإفشال أهدافه قد قلب المعادلة وعكس النتائج المطلوبة، فالأمر عينه ينطبق على ما يجري في غزة اليوم.
ثالثاً: ان مجريات الأمور في غزة يراد لها ـ كما يبدو ـ أن تستبق انعقاد القمة العربية في آذار في دمشق، وبالاتجاه الذي يفرز نتائج تسمح لعرب التسوية بتمرير مبادرة جديدة تخص المسألة الفلسطينية، وتنسجم أكثر مع عناوين التسوية كما قدمها بوش.
رابعاً: من يستمع إلى تصريحات ومواقف السلطة الفلسطينية في رام الله، وإلى التصريحات الإسرائيلية، يجدها عالية السقف في الوقت الذي يجري فيه تأكيد استمرار المفاوضات، ويشعر بأننا إما إزاء مسرحية لا جدوى من ورائها سوى توفير الغطاء لما يجري في غزة، ولتحميل مسؤولية مباشرة للمقاومة الفلسطينية، وإما أن هناك شيئاً ما يجري تحضيره على نارٍ هادئة تحت الطاولة ووراء الكواليس، ما يجعل التصريحات العالية السقف مجرد محاولة لتشتيت الانتباه، وللقول لاحقاً بأن ما جرى الحصول عليه هو أفضل الممكن.
خلاصة كل ما تقدم تقودنا إلى القول إن ما يحدث اليوم في غزة يتموضع استراتيجياً عند العناوين الرئيسية التالية:
ـ تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ـ المواجهة مع إيران وسوريا.
ـ تقوية خط التسوية في لبنان في مواجهة خط المقاومة، وفتح الباب واسعاً أمام المزيد من حروب المخيمات.
من هنا، فإن فشل العدوان الحالي على غزة في كسر المقاومة فيه، سيؤدي حكماً إلى قلب المعادلات أيضاً، وفتح الكثير من الأزمات على معالجات مختلفة. ولذا علينا أن نتوقع المزيد من التعقيد الأميركي في معالجات الأزمة اللبنانية، لأن واشنطن تريد شراء وقت مستقطع قد يطول حتى شهر أيار المقبل، رهاناً منها على إمكان حدوث بعض المتغيرات الحاسمة التي تخدم مصالحها أكثر، وتصب في كفة موازين القوى الخاصة بها.
فهل سنشهد في الصيف المقبل بداية انفراجات أم ماذا؟ من الصعب استباق الأمور، لأن لا أحد يستطيع أن يجزم كيف ستتطور وبأي اتجاه.. لكن مما لا شك فيه أن الفترة المقبلة قد تشهد المزيد من التجاذبات والأحداث.
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008

2008-01-24