ارشيف من : 2005-2008
نقطة حبر: محمد علي المسمار المغمور
إذا كان لبعض المثقفين والكتّاب من سطوع الشهرة والمكانة والمناصب ما يجعلهم ذوي نجوم مضيئة على المنابر الإعلامية والشاشات وفي الصالونات والصفحات الثقافية، فإن لبعضهم الآخر مرارة العيش على هامش الحياة.. أما ميزان الفصل بين الفئتين فليس الكفاءة ولا العمل الدؤوب ولا الإبداع، إنما ظروف توافقت وولاءات ورهانات نجحت.
البون الشاسع بين فئة الكتّاب والشعراء المشهورين وأقرانهم المغمورين، يتعدى مسألة الذيوع والانتشار إلى العزوف على مستوى الحياة المعيشية والوظيفية والدور. ففيما يشغل الكتّاب المعروفون وظائف حسّاسة في القطاعين العام والخاص ويتقاضون بدلات مادية تصل إلى مئات الدولارات عن المقالة الواحدة، يقبع الآخرون في وظائف ثانوية، اذا توافرت لهم، ويتحكم بمصائرهم مجموعة جاهلة من صغار المدراء والموظفين.
إلى الفئة الثانية ينتمي الشاعر محمد علي المسمار الذي توفي مؤخراً وَوُوري الثرى في بلدته الهرمل من دون أن يدري بموته أحد سوى أهله وأصدقائه المقربين.
كان محمد علي المسمار مفتوناً باكتشافات الزمن القديم، زمن الحنين والثورة والذكريات، ذكريات النضال مع الثورة الفلسطينية، ذكريات الرفاق الذين غادروه إما إلى القبور وإما إلى المناصب والسلطة والمال، وهؤلاء كانوا أقدر منه على الوصول والنسيان.. كانوا يقتحمون الحواجز بكل قوة للوصول إلى مواقع السلطة والقرار والجاه، وكان أقدر منهم على التشبث بالزمن المفقود الذي كان، وما درى أن الكتابة عن آثار الماضي تضاعف الإحساس الموجع بالزمن المفقود.. وفي آخر أيامه تمسك بالكتابة كأداة يائسة للقبض على الزجاج المكسور، رفض الانضمام إلى مؤسسة بالقوة نفسها التي رفضته بها، لأنه لم يكن يحب سماع فحيح سلطة متسلطة تصدر الأوامر من وراء الأبواب، لذلك ظل حبراً طليقاً تحت سماوات الله، يتأبط جرائده وينفث دوائر دخان لفاف تبغه ويتحدث بنبرة خفيضة تندمج فيها أصوات كل المهمشين في العالم.
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008