ارشيف من : 2005-2008
الإحياء المليوني لذكرى عاشوراء في العراق..تعبير عن الوحدة والتمسك بمبادئ الإمام الحسين
بغداد ـ عادل الجبوري
حسب التقديرات الرسمية وغير الرسمية العراقية، احتضنت مدينة كربلاء المقدسة ما يتجاوز مليونين ونصف المليون زائر لإحياء ذكرى واقعة الطف الخالدة هذا العام. وبحسب التقديرات أيضا فإن ما يقارب الخمسة عشر الف زائر من بلدان اسلامية عربية وغير عربية شاركوا هذا العام في مراسم احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام.
ولعل رقم المليونين ونصف المليون شمل فقط الناس الذين كانوا في كربلاء خلال يومي التاسع والعاشر من محرم، ولم يشتمل على ملايين الناس الاخرين الذين احيوا الذكرى في مدن فيها مراقد دينية مقدسة مثل النجف الاشرف والكاظمية وسامراء وبلد، الى جانب مراسم الاحياء في اماكن العبادة المختلفة.
وتشير التقديرات إلى مشاركة نحو عشرين مليون شخص في العراق بإحياء ذكرى عاشوراء بأشكال ومظاهر مختلفة، من بين العدد الكلي للسكان البالغ وفق إحصاءات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ثلاثين مليونا ونصف المليون شخص.
وتنطوي مثل تلك الارقام على دلالات في غاية الاهمية، ولا سيما انها ترتبط باستذكار شخصية عظيمة مثل شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وترتبط بواقعة تاريخية مثلت منعطفا حاسما في تاريخ الإسلام والبشرية في إطار الصراع الأزلي بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الخير والشر.
وفي جانب اخر ترتبط تلك الدلالات المهمة بمجمل الاوضاع والظروف التي واجهها العراق والعراقيون في مراحل مختلفة، خصوصا مرحلة الاعوام الخمسة الاخيرة التي أعقبت احتلاله، حيث تعرّض عموم العراقيين، وتحديدا اتباع اهل البيت عليهم السلام الى حملات استهداف واسعة تمثلت بعمليات القتل بصور واساليب واشكال مختلفة، والاختطاف والتهجير القسري والتعرض لعلمائهم وقادتهم الدينيين، وتدمير الاضرحة والمراقد المقدسة لائمتهم الاطهار.
ولم تكن حملات الاستهداف المختلفة غامضة في اهدافها ودوافعها، ويتذكر الكثيرون التفجيرات الدموية التي استهدفت الزوار في كل من كربلاء والكاظمية صبيحة العاشر من محرم الحرام قبل ثلاثة اعوام، ويتذكر الكثيرون ايضا كارثة جسر الائمة التي وقعت في ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم عليه السلام واودت بحياة اكثر من الف زائر، ويتذكر الكثيرون كذلك العمل الارهابي الذي تسبب بتدمير جزء كبير من مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء في الثالث والعشرين من شهر شباط/ فبراير من عام 2006، والعمل الارهابي الاخير المماثل له الذي استهدف المرقدين الشريفين بعد عام تقريبا من وقوع العمل الارهابي الاول.
ولان متغيرات واضحة وملموسة حصلت في مجمل الاوضاع الامنية خلال العام الماضي كان لها دور لا بأس به في اعطاء زخم اضافي لاحياء الشعائر الحسينية.
فزيادة اعداد الزائرين الى كربلاء من مختلف مدن ومناطق العراق مؤشر على ذلك الزخم الاضافي، وتدفق الالاف من دول الخليج وباكستان والهند وايران ودول اسلامية اخرى، وحتى غير اسلامية مثل مؤشرا اخر يحمل اهمية استثنائية.
ليس هذا فحسب، بل لوحظ ان الكثير من ابناء المذاهب الاسلامية الاخرى قاموا بإحياء الشعائر الحسينية ومشاركة اتباع اهل البيت في ذلك، من خلال طبخ الطعام وتقديمه للزائرين، وتوفير الخدمات والتسهيلات لهم، وتأمين حمايتهم حين مرورهم في مناطقهم، الى جانب اهتمام وحرص خطباء وعلماء الدين من تلك المذاهب على تسليط الاضواء على الثورة الحسينية بجوانبها المتعددة سواء من خلال منابر الصلاة، او عبر وسائل الاعلام، وكذلك قيام شخصيات واحزاب سياسية تمثل في الاطار العام الكيان السني بإصدار بيانات بالمناسبة تتضمن التبجيل والاشادة بشخصية الامام الحسين عليه السلام وثورته العظيمة، ولعل البيان الصادر من قبل الامين العام للحزب الاسلامي العراقي ونائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي مثال واضح لذلك التوجه.
واكثر من ذلك كله فإن البعض من ابناء الاقليات الدينية كالمسيحيين والايزيديين ساهموا بإحياء ذكرى عاشوراء الامام الحسين، وهو تقليد ربما كان متبعا وقائما من قبلهم لكنه انحسر في عهد النظام البعثي السابق الذي كان يحارب الشعائر الحسينية ويضيق على المشاركين فيها.
ومثلما قال الكثير من رجال الدين، ورجال السياسة والمثقفين وعامة الناس، فإن مظاهر احياء ذكرى واقعة الطف هذا العام في العراق عكست في جانب منها شمولية مبادئ وقيم الثورة الحسينية وبعدها التضحوي والجهادي والانساني، وفي جانب اخر عكست المتغيرات الامنية والسياسية الايجابية في العراق، وعكست ـ وهذا هو الاهم ـ الاعتقاد الحقيقي للمسلمين، وبالخصوص اتباع اهل البيت عليهم السلام في داخل العراق وخارجه بقضية الامام الحسين عليه السلام، واستعدادهم للتضحية من اجل ترسيخ الاهداف والمبادئ والقيم التي ضحى واستشهد هو واصحابه واهل بيته من اجلها، ولعل مصاديق الاستعداد للتضحية من قبل ملايين الناس واضحة وجلية ومؤثرة.
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008