ارشيف من : 2005-2008

إضراب تحذيري لف لبنان والحكومة البتراء لا تبالي

إضراب تحذيري لف لبنان والحكومة البتراء لا تبالي

نجح قطاعا الزراعة والنقل في لبنان في تنفيذ الإضراب التحذيري الذي دعوا إليه احتجاجا على السياسة الاقتصادية التي تنتهجها السلطة. واثبت هذان القطاعان أنهما يستطيعان أن يوقفا البلاد عن الحركة إذا ما أرادا ذلك عبر التعاون مع مختلف القطاعات وفي إطار الاتحاد العمالي العام.
ولعل الرسالة التي أراد المنظمون لهذا الإضراب إيصالها قد وصلت الى المعنيين، بأن سياسة اللامبالاة لا يمكن أن تستمر مع  تصاعد موجة الغضب الشعبي في كل مكان.
وحقق الإضراب أهدافه المرسومة عبر إيصال صوت الناس الذين يصرخون من أنين الازمة المعيشية، الذين تفاقمت حالتهم بسبب سياسة الإفقار التي تنتهجها السلطة الحاكمة.
لكن اللافت أيضا أن الإضراب لم يقتصر على القطاعات الزراعية والنقل فقط، بل تضامنت معه العديد من النقابات والاتحادات الأخرى، بما فيها التربوية والطبية  حتى فاق عدد المشاركين في الإضراب المئات من النقابات. ولم تمنع محاولات السلطة في إفشال هذا الإضراب عبر الإيحاء عبر وسائلها الإعلامية عن وجود مخطط لقطع الطرقات واشعال الدواليب وحصول أعمال شغب، إذ ان مثل هذه الأعمال لم تحدث الا بشكل قليل وبقي الاضراب في إطاره السلمي والحضاري، ولم ينجر المعنيون به الى ما كان يحاول فريق السلطة استدراجهم إليه. 
ويأتي الإضراب التحذيري بعد إن وصلت الأمور الى أفق مسدود ونفضت السلطة يدها من المسؤولية الاجتماعية، وأقفلت أبواب الحل أمام المطالب المعيشية، فتحرك قطاعا الزراعة والنقل بوجه السلطة الجائرة من اجل تحصيل حقوقهم التي حرموا منها، عبر القيام بالإضراب العام في مختلف الأراضي اللبنانية.
وجاء هذا التحرك بعدما رفضت السلطة الاعتراف بوجود أزمة معيشية ينبغي معالجتها، لا بل أكثر من ذلك هربت السلطة من مسؤوليتها عبر القول بأن هذه التحركات لها دافع سياسي، متهمة من يرفع هذه الشعارات بتدمير الفئات المهمشة في المجتمع، لكن اللافت في كلام السلطة، هو ما صرح به رئيس الفريق الوزراي فؤاد السنيورة عبر تحذيره من اللعب بالنار، من خلال الإيحاء بأن هذه التحركات تؤدي الى إيقاظ الفتنة. لكن أسلوب اللامبالاة التي اتسم بها السنيورة أكده مرة ثانية عبر القول بأن كل هذه التحركات لن تؤدي الى أي نتيجة.. اضافة الى سفره العاجل الى مصر ومنها الى السعودية متجاهلاً ما يحصل في البلاد.
على أية حال هروب السلطة من مسؤولياتها لم يمنع قطاعي الزراعة والنقل من القيام أيضا بمسؤولياتهما، من خلال الإضراب العام في مختلف المناطق اللبنانية في بيروت والجبل والبقاع والجنوب والشمال.
وبالفعل عم الإضراب التحذيري جميع المناطق، أمس الخميس وأقفلت المؤسسات الزراعية الكبيرة والصغيرة، وتوقفت الأسواق عن بيع منتجاتها، كما عمد المزارعون الى عدم تسليم محصولهم الى شركات التوزيع، كما شارك في الإضراب مختلف القطاعات التي تتعاطى الشأن الزراعي مثل مزارع الدجاج والمسالخ ومحلات الفروج والفواكه، إضافة الى ذلك نفذ اللقاء الوطني والهيئات الزراعية في لبنان (الهيئة الداعية للإضراب) اعتصامات في مختلف المناطق اللبنانية في الجبل وبيروت والبقاع والشمال والجنوب بمحافظتيه (الجنوب والنبطية)، طالبوا خلالها المعنيين بتحقيق مطالب المزارعين. كما أقفلت المدارس أبوابها استجابة للإضراب.   
النقابات الزراعية
وعن سبب الإضراب يقول رئيس اللقاء الوطني والهيئات الزراعية في لبنان جهاد بلوق ان السبب الرئيس هو عدم وجود برنامج سياسي زراعي للحكومة لمعالجة قطاع الزراعة في لبنان، إذ أن هذا القطاع مهمل منذ زمن، وخاصة ان نحو أربعين بالمئة من الشعب اللبناني يعتاشون من هذا القطاع، ويشير بلوق في حديث لـ"الانتقاد" الى أن "تهميش القطاع الزراعي مقصود في السياسات الحكومية، ونرى ذلك من خلال فتح الأسواق اللبنانية أمام الأسواق العالمية والعربية بحيث لا يستطيع المزارع اللبناني منافستها بسبب الكلفة العالية للإنتاج اللبناني".
ويطالب بلوق بـ"دعم المزارعين من خلال دعم صفيحة المازوت التي وصلت الى سعر لا يمكن أن يتحمله المزارع"، مطالبا "بتسعير الصفيحة بخمسة عشر ألف ليرة لبنانية. ومن المطالب التي يرفعها المزارعون هي تعويضهم عن الأضرار الزراعية التي نجمت عن عدوان تموز، وكذلك عن الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية. إن الحكومة كانت قد وعدت بدفع تلك التعويضات والأموال مؤمنة من قبل الدول المانحة، لكن السلطة تحجبها عن مستحقيها". ومن المطالب الأخرى التي تحدث عنها بلوق  "موضوع الضمان الصحي للمزارعين وصيادي الأسماك وكذلك إنشاء صندوق تعويضات عن الكوارث الطبيعية"، ويؤكد بلوق "وجود هذا المشروع في أدراج مجلس النواب بعدما أقرته اللجان النيابية، وامتنعت الحكومة اللاشرعية عن تنفيذه". وكشف بلوق عن أن "الحكومة اللاشرعية أوقفت العمل في مكتب الإنتاج الحيواني، وهو عبارة عن مشروع لدعم الثروة الحيوانية (من خلال إصدارها 700 مرسوم دفعة واحدة)".
قطاع النقل
ونفذ قطاع النقل بكل متفرعاته أيضا إضرابا عاما في مختلف المناطق اللبنانية، وتوقفت سيارات الأجرة والفانات التي تقل الركاب وطلاب المدارس عن العمل، فضلا عن توقف الحافلات الكبيرة والصغيرة عن العمل، وأخليت الشوارع من حركة المرور في مختلف المناطق الا من بعض السيارات السياحية والقوى العسكرية والأمنية، حتى أن الطرق المؤدية الى المطار كانت خالية من سيارات الأجرة ما اضطر القادمين من الخارج الى السير على أقدامهم. وتضامنا مع حركة الإضراب نزل الناس الى الشوارع مؤيدين خطوات قطاعي الزراعة والنقل، وتجمع السائقون في العديد من الساحات في بيروت والجبل والبقاع والشمال والجنوب منفذين اعتصامهم التحذيري واركنت السيارات في الساحات والمواقف العمومية، وشمل الإضراب الشاحنات التي توقفت عن العمل ونقل البضاعة.
 ويؤكد رئيس اتحاد نقابات النقل البري عبد الأمير نجدة لـ"الانتقاد" أن "الإضراب في قطاع النقل هو من اجل تحقيق مطالبهم التي نادوا بها منذ أربع سنوات، وتتمحور هذه المطالب حول تخفيض أسعار المحروقات، لأنه لا يوجد في لبنان سياسة نفطية تحدد السعر المناسب للصفيحة، بل هو متروك لأصحاب الشركات التي تحتكر تحديد الأسعار". وطالب نجدة بـ"إعادة تشغيل مصفاتي الزهراني ودير عمار والعمل على تأمين عمال لهاتين المصفاتين اللتين تستوعبان أربعة آلاف عامل بعدما تدنى العمال فيها الى نحو مئتي عامل. وكذلك إعطاء السائقين 45 صفيحة بنزين بسعر الكلفة، وحماية السيارات العمومية من عمل السيارات الخصوصية ومن السيارات والفانات التي تستعمل اللوحات المزورة". وطالب نجدة "الدولة بتصحيح وضع آليات الميني باص التي تنقل 24 راكبا لأنها منعت من  العمل على المازوت وبقيت مطالبهم معلقة. وكذلك مطالب الشاحنات عبر معاملتهم بالمثل مع كل الشاحنات الداخلة الى لبنان، إن من حيث الضرائب أو الرسوم، وتطبيق مبدأ المناصفة بالأحمال بين الشاحنات اللبنانية وغير اللبنانية، وتوحيد سعر النقل بين الشاحنات اللبنانية والشاحنات الأخرى، وخاصة ان شاحنات الخليج  تدخل الى لبنان من دون حسيب أو رقيب ومن دون دفع رسومات كالتي يدفعها سائقو الشاحنات اللبنانية في بلدان الخليج". إضافة الى ذلك طالب نجدة "الدولة بتصحيح الأجور التي لم يحصل عليها أي تغيير من العام 1996 وتصحيح رسوم النقل من ستة آلاف الى عشرة آلاف ليرة لبنانية".     
مصعب قشمر
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-24