ارشيف من : 2005-2008

نصر الله: لم نبدِّل موقعنا.. وواهم من يراهن على ضعفنا

نصر الله: لم نبدِّل موقعنا.. وواهم من يراهن على ضعفنا

العيون الدامعة على مصاب آل بيت رسول الله (ص) لن تجفّ، وفي اليوم العاشر من محرم ذرفت ما اختزنته حباً وولاءً.. والحناجر التي لم تهدأ يوماً لبت استجابة لنداء كربلاء بـ"لبيك يا حسين". وارتفع دوي الصرخات قوياً في أرجاء الضاحية الجنوبية لبيروت، وفاءً لسيد الشهداء (ع)، ولتجدد معه البيعة والولاء للمقاومة وسيدها، ولتؤكد بالقبضات المعصوبة بالأصفر عهدها أننا أمة ترفض الذل.. وشعارنا سيبقى الى الأبد "هيهات منا الذلة".
ساعات الصباح الاولى من يوم العاشر من محرم لم تكن كأي ساعات أخرى في الضاحية، كل الضاحية بشيبها وشبابها ونسائها وأطفالها خرجت متشحة بالاسود إلى مجالس العزاء حيث تُليت السيرة الحسينية "المصرع"، فضاقت الحسينيات والمساجد بالجموع وافترش المحبون الأرض في الساحات والشوارع، فبدت كلها في مجلس واحد.
مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس كان مقصد أهل الضاحية للانطلاق في المسيرة العاشورائية الكبرى.. وبعد تلاوة الشيخ علي سليم "المصرع الحسيني" شقت الجماهير بصعوبة بالغة طريقها على طول أوتوستراد السيد هادي نصر الله في الضاحية الجنوبية، لتلتف من محلة الكفاءات باتجاه شارع الجاموس، ليستقر بها المقام عند ملعب الراية (محلة الصفير)، حيث كان الاحتشاد الكبير، بينما كانت المسيرة لا تزال على أوتوستراد الشهيد هادي نصر الله.
وسارت في مقدمة المسيرة الفرقة الموسيقية التابعة لكشافة الإمام المهدي (عج) وخلفها ثلة من أفواج الكشافة وحملة الاعلام الكشفية والرايات الحسينية، ثم مواكب اللطم، تبعتها مواكب الرجال ثم مواكب النساء اللواتي انتظمن في مواكب تتقدمها افواج الزينبيات.
وفاجأ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جموع الحسينيين بمشاركته في المسيرة، فاستقبلوه على وقع صرخات التكبير ودعاء "يا الله يا الله احفظ لنا نصر الله".. كما شارك في المسيرة عدد من قياديي حزب الله ونواب كتلة الوفاء للمقاومة ولفيف من العلماء.
وفي ملعب الراية وضعت شاشة عملاقة بثت من خلالها كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بحضور الشخصيات السياسية والحزبية والفصائل الفلسطينية.
وألقى سماحته خطاباً مباشراً ألهب فيه حماسة الجماهير الحسينية التي هتفت معه مرات ومرات: "لبيك يا حسين.. هيهات منا الذلة". وقال سماحته: "إن واقعة كربلاء كانت درسا وموقفا خالدا في التاريخ، وإننا لم نبدل موقعنا ولن نخلع جلدنا ولن نتخلى عن تاريخنا".. واعداً "إسرائيل" فيما "لو شنت حرباً جديدة على لبنان بحرب ستغير مسار المعركة ومصير المنطقة بأكملها"، مؤكداً "جهوزية المقاومة"، وكاشفاً "أن لدى المقاومة رؤوسا وأيادي وأرجلا لجنود العدو من مخلفات مواجهته مع المقاومة في عدوانه ضد لبنان عام 2006"، وقال: "هناك جثة شبه مكتملة او ثلاثة أرباع جثة من رأس الى صدر إلى وسط إلى قدم".
وفي الشق الداخلي طالب سماحته بـ"العدالة وبالإنصاف"، وقال: "هذا البلد قيامته بوحدته الوطنية". وتوجه لفريق الموالاة بالقول: "اذا كنتم تراهنون على ضعف المعأرضة او تراجع المعأرضة او تخلي المعأرضة عن حقها وأهدافها فأنتم واهمون". وقال: "لا يستطيع العالم كله ان يفرض قرارا على شعب او على حركة شعبية استقلالية وطنية حقيقية اذا كانت ترفض، وإذا كانت مستعدة للصبر والمواجهة".
كربلاء.. والدرس الخالد
استهل السيد نصر الله خطابه بالحديث عن المناسبة فقال: "في مثل هذا اليوم كانت واقعة كربلاء، كانت درسا وموقفا خالدا في التاريخ وللتاريخ عندما وقف ابن رسول الله (ص) ليواجه الطاغوت ويعمل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع بين خيارين.. في كل يوم من عاشوراء من كل عام نستذكر هذا الموقف الخالد عندما وضعنا بين خيارين: بين الذلة، بين الاستسلام المهين والخضوع لإرادة الطاغوت والمتجبرين والقبول بفسادهم وظلمهم ومنكرهم وانحرافهم، وبين المواجهة والقتال التي كان مآلها بشكل طبيعي في ذلك الزمان الى الشهادة والى القتل.. اختار الحسين (ع) المواجهة بملء ارادته ووعيه ومعرفته، اختارها من موقع العارفين ومن موقع العاشقين والمشتاقين الى لقاء الله عز وجل. اختارها من موقع المعرفة بأن إحقاق الحق بات بحاجة إلى هذا الدم الزكي.. قال الحسين (ع): ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به والى الباطل لا يُتناهى عنه، فليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما". عندما وضعوه بين الخيارين كان عليه ان يختار، اختار لنفسه واختار لدينه ولأمته ولكل الأجيال الآتية في المستقبل، رسم لها طريق الخيار الصحيح عندما قال الامام الحسين (ع) يوم العاشر: "ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة (يعني القتال والحرب) والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت ونفوس أبية وأنوف حمية من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". وكان الخيار هو الشهادة التي كانت نتيجة الصمود ونتيجة المقاومة ونتيجة الوقوف اليوم".
هيهات منا الذلة
وأردف: "أمتنا تواجه هذا العدو المتجذر المتغطرس الذي يضعها بين خيارين: بين السلة والذلة.. وفي زيارة جورج بوش الاخيرة رأس هذا النظام الطاغي والمستبد والمتجبر وضع الأمة امام خيارين: إما أن تتخلى عن أرضها ومقدساتها وتعترف بقيام دولة يهودية عنصرية في أرض فلسطين المحتلة، وتتخلى عن مقدساتها وتقبل بالتهجير النهائي لنصف شعب فلسطين خارج أرضه وحقه ودياره, وأن نقبل بهيمنته على بلادنا وثرواتنا وخيراتنا، وأن نقبل باحتلاله للعراق أرض المقدسات لعشرات السنين، وأن نقبل بتمزيقه لبلادنا وشعوبنا وافتتان هذه الشعوب لتتقاتل في ما بينها تحت عناوين وهمية وعداوات مصطنعة يريد بوش ان يقنع بها حكامنا وحكوماتنا وشعوبنا ليحمي هيمنته ومصالحه وكيانه السرطاني المزروع في قلب الأمة في فلسطين، إما أن نقبل بهذا الاستسلام المذل وإما أن نرفض ونواجه ونقاوم ونتهم بالإرهاب ونلاحق في كل مكان: في لبنان، في قطاع غزة، في الضفة الغربية، في العراق، ويُهدد كل موقع للممانعة في ايران، في سوريا، في أي مكان فيه مقاوم ممانع، لنُقتل ونُشرّد ونُهجّر وتهدم بيوتنا وتمارس على كل حركات المقاومة وشعوب المقاومة أبشع صور الحرب النفسية والإعلامية والأمنية والعسكرية.
المقاومة واستحضار الحسين (ع)
وأضاف: "وضعنا بين خيارين، وهذا ليس أمراً جديداً، ومنذ عقود من الزمن والأمة بين خيارين، وكان عليها ان تختار. نحن في لبنان منذ عام 1982 عندما كان الاجتياح الإسرائيلي لبلادنا اخترنا بملء وعينا وإرادتنا ومعرفتنا طريق أبي عبد الله الحسين (ع)، فقلنا للجيوش الغزاة الصهاينة المحتلين الذين دخلوا العاصمة بيروت وتمددوا الى الجبل والبقاع بعد الجنوب، لقد دخلتم الى الأرض الخطأ في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ، لأننا أمامكم سنواجه بشعار واحد: هيهات منا الذلة. وقامت المقاومة في لبنان تحمل فكر كربلاء وروح كربلاء ووعي كربلاء وعزم كربلاء وإرادة الاستشهاد في كربلاء ورفض الذل ونفسية إباء الضيم، فكانت المقاومة في كل عملياتها الاستشهادية والجهادية واقتحامها للمواقع وفي كل كمائنها في كل واد وفي كل جبل، تستلهم الحسين وتستحضر الحسين.. وبكل كيانها ولسانها ورصاصها وقبضاتها كانت تجدد نداء النصرة للحسين: "لبيك يا حسين".
تابع: "باسمه ـ الحسين (ع) ـ اقتحمنا المواقع، وبروحه فجّر الاستشهاديون أجسادهم لترتفع الى الله.. بدمه انتصرنا على السيف، وأي سيف؟ أعتى سيف في هذه المنطقة وأقوى قوة في هذه المنطقة.. وعلى مدى 18 عاما استمرت المقاومة، صنع الله لها انتصارها بعدما أثبتت إخلاصها ووفاءها وثباتها. وفي عام 2006 عندما جاء العالم كله يقف خلف "إسرائيل" ليقضي على هذه المقاومة، على رجالها ونسائها، على شعبها، على الحضن الذي يحتضنها ويحفظها ويحميها، جاء سلاح الجو الإسرائيلي ومعه مخازنه التكتيكية والاستراتيجية ومن خلفه مخازن أميركا، وجاء الدعم الدولي، وكانت حرب الإبادة على المقاومة وشعب المقاومة، لم نترك السلاح ولم نتخلَّ عن السلاح، ولم نغادر ولم نهرب ولم نستسلم ولم نقبل بالشروط المذلة، ورفضنا الذل والهوان وقاتلنا أياماً وأسابيع و33 يوما من دون ان ترتجف لنا قدم او يد او قلب، وختم الله لنا بالنصر، فكنّا في كل يوم نقاتل فيه، مع كل شهيد يسقط لنا، مع كل بيت يُهدم لنا، مع كل جرح ينزف لنا، كنا نستحضر الحسين ونقول له: يا أبا عبد الله كنا نبايعك في كل عام، في أيام محرم، في يوم عاشوراء، ها هنا اليوم في حرب تموز وآب نفي لك بالبيعة ونقاتل عدوك وعدونا وعدو الأنبياء والشعوب والإنسانية، قاتلنا بروحه وبدمه وبإرادته وبفكره وعزمه.. نعم كان شعارنا في حرب تموز: "هيهات منا الذلة".
التمسك بخيار المقاومة
أضاف السيد نصر الله: "في مواجهة كل الأخطار وكل التحديات يبقى الشعار هو الشعار، لن نغير موقفنا، ولن نبدل موقعنا، ولن نخلع جلدنا، ولن نتخلى عن تاريخنا، ولن نُسقط آمالنا ولا ثقتنا بالله سبحانه وتعالى، ولا بالأفق البعيد الذي ننتظره وينتظرنا. نعم نحن نواصل من هذا الموقع، ولذلك فيما نواجهه من قضايا اليوم بوضوح كامل:
اولا: في مواجهة جولة بوش وإملاءاته وشروطه ورؤاه الشيطانية التي يريد فرضها على فلسطين والمنطقة، نقول الأمة كلها مدعوة للرد على هذه الجولة من خلال التمسك بخيار المقاومة وفعل المقاومة ودعم حركات المقاومة في كل أرض فيها مقاومة، دعمها سياسيا وإعلاميا ومعنويا وماديا وعسكريا، وفي كل مجال يمكن ان يقدم فيه دعم لحركات المقاومة.
ثانيا: ان يكون رد الأمة المزيد من التمسك بالأرض ورفض التهجير، وبالتالي رفض التوطين والتمسك بالمقدسات، فمقدساتنا ليست للبيع ولا للشراء ولا للتنازل.
العدو الحقيقي
ثالثا: الرد بتأكيد هوية العدو الحقيقي ومعرفة الصديق، فلا يشتبه علينا أمر يريد بوش ان يقنع حكامنا وشعوبنا بأن ايران هي العدو، وأن ايران هي الخطر وأن ايران هي التهديد، وأما "إسرائيل" فهي الأخ الصديق الحبيب المطمئن والجار الذي يجب ان نمد له يد السلام! هل هناك تزوير وتضليل ونفاق أعظم من هذا النفاق؟ تأكيد هوية العدو وتأكيد هوية الصديق، وبالتالي ان ترفض حكوماتنا وشعوبنا الانجرار مع بوش في حروبه التي لن تخدم الا مصالحه وكيانه السرطاني في فلسطين، والتي سوف تؤدي الى دمار بلادنا وقتل شعبنا من خلال هذه الحروب العبثية التي لا تعني أمتنا وقضايانا شيئا على الإطلاق".
حصار غزة
وأكد سماحته: "ان أخطر ما نواجهه هذه الأيام وبالأخص بعد زيارة بوش وما يتعرض له أهلنا وإخواننا في فلسطين المحتلة، وخصوصا قطاع غزة في كل يوم غارات! وبالأمس استخدم الطيران الحربي، هذا تطور خطير! وبالأمس سدت كل المعابر وكل الطرق وأحكم الحصار على قطاع غزة، وهو في المواجهة الدامية يقدم الشهداء والتضحيات ويصبر على الجوع والظلمة والحصار، ولكن ما هي مسؤولية الحكام؟ وما هي مسؤولية شعوب هذه الأمة؟ هل يترك قطاع غزة لمصيره؟ ما هو جواب الأمة في حرب تموز وآب؟ خَرجتُ في أكثر من مناسبة وقلت للعرب وللمسلمين نحن لا نريد منكم شيئا ولا نطلب منكم شيئا، نحن هنا في لبنان سنقاتل وسنواجه بالإمكانيات المتاحة لدينا، ولكنني اليوم في عاشوراء الحسين (ع) أقف لأطالب العرب وأطالب المسلمين من حكومات وشعوب بأن يقفوا الى جانب قطاع غزة المحاصر من كل الجهات، الذي يتعرض للمذبحة وللإبادة الجماعية! إن ابسط الأمور هو ان يفك الحصار عن قطاع غزة، وإذا استمرت الحال كما هي في قطاع غزة من دون ان يحرك احد في هذه الأمة ساكنا فهذه الأمة تشهد على نفسها بالذل والهوان والمسكنة والتخلي عن إنسانيتها وعن دينها وعن عروبتها، لأنه لا يجوز ان يترك هؤلاء الناس لهذا المصير، يتحكم بهم طاغية يريد ان يحتفظ بكرسيه ويريد ان يدافع عن احتلاله واغتصابه للأرض من خلال أشلاء النساء والأطفال والرجال والأبرياء في قطاع غزة. الأمة كلها مدعوّة الى موقف حقيقي وجدي، فلا يجوز الصمت، لا يجوز السكوت، ولا يختبئنَّ أحد خلف إصبعه".
الحرب الجديدة وتغيير مصير المنطقة
ثم تناول سماحته الخروق الإسرائيلية على لبنان فقال: "الخروق الإسرائيلية للبنان التي كادت تتحول إلى أمر عادي ـ غير الخروق الجوية ـ في ما يتعلق بالاعتداء على المدنيين وخطف المدنيين واعتقال مدنيين وينتهي الأمر في ان يطلق سراحهم بعد ساعات.. أنا أريد ان أسأل اللبنانيين والعالم: لو قام بعض اللبنانيين ـ لا أتحدث عن حزب الله والمقاومة ـ من أهل القرى الأمامية بخطف راعٍ أو فلاح أو مزارع إسرائيلي على الحدود، ماذا يمكن ان يحصل؟ سيجتمع مجلس الأمن الدولي! ستقوم الدنيا ولا تقعد! سيعطى لـ"إسرائيل" حق بأن تشن حربا على لبنان! أما أن يبقى المزارعون والرعاة والفلاحون والصيادون ـ اللبنانيون ـ في معرض الخطر وتحت أعين الأمم المتحدة والعالم فهذا لا يمكننا ان نسكت عليه طويلا، وأنا أحذرهم، وأنا جاد في هذا الأمر، فهم يعرفون جديتنا في هذا النوع من المسائل.. إننا نشعر بأن الاعتداء على المدنيين على الحدود اللبنانية هو إذلال لوطن ولشعب وليس لهذا الفلاح او المزارع، وهذا الأمر لا يجب السكوت عنه، ويجب ان يواجه في يوم من الأيام. أما التهديد بين الحين والآخر بأن الإسرائيليين يريدون الاعتداء على لبنان او شن حرب جديدة على لبنان، فأنا لا أعتقد في الوقت الحاضر ان الإسرائيليين يملكون القيادة السياسية والقيادة العسكرية والجيش المؤهل لقيام حرب من هذا النوع، ولكن لا يجوز أن نفاجأ".
أضاف الأمين العام لحزب الله: "في المقابل كما في كل مناسبة، وهذه المناسبة هي الأحق والأولى أن أؤكد فيها التزامنا بالمقاومة وإعلاننا جهوزية المقاومة الحقيقية، وما قلته لكم في 14 آب من العام الماضي في احتفال ذكرى الانتصار لم يكن لا لحظة غضب ولا انفعال حماسة، ولا لإثارة عواطفكم او ثقتكم، وأنا أعرف عاطفتكم وثقتكم.. قلت في ذلك اليوم واليوم أعيد، في ذلك اليوم بين يدي شهداء الوعد الصادق واليوم بين يدي شهداء كربلاء: لو شنت "إسرائيل" على لبنان حرباً جديدة فإننا نعدهم بحرب ستغير مسار المعركة ومصير المنطقة بأكملها. في كل يوم هم يتأكدون من صدقية ما أقوله لهم وما أتهددهم به، نحن لا نريد حربا، ولكن نرفض ان يشن احد حربا على بلادنا وعلى مدننا وعلى قرانا".
أشلاء جنود الاحتلال
ثم تطرق سماحته إلى قضية الأسرى، فأكد التزامه بها "وباستعادة كل الأسرى إلى أهلهم وديارهم"، وشدد على ان "هذا الإسرائيلي يماطل لأنه ضعيف، لأنه هزيل، لأنه لا يستطيع ان يقدم الاثمان الطبيعية والإنسانية الطبيعية".
وقال: "اليوم لا أريد ان أدخل في مفاوضات مع العدو من خلال وسائل الإعلام، وإنما أريد ان أقول لكم ولمجتمع هذا العدو إن جيشه الذي كان يعرف في السابق لدى شعبه بالصدقية وبالدقة، كشفت حرب تموز عن تضليله وعن كذبه وعن عدم نقله للوقائع الحقيقية والصحيحة.. واليوم أؤكد ما أشرت إليه في آخر مقابلة تلفزيونية لأقول: أيها الصهاينة إن جيشكم يكذب عليكم، جيشكم هذا الذي كان يفاخر دائما بأنه عندما يدخل ساحة ينتصر وعندما يخرج منها لا يترك أجساد قتلاه ولا جرحاه في الأرض، وهذا جزء من ثقافته وبنيته، أقول لهم ولكم لقد ترك جيشكم أشلاء جنوده في قرانا وحقولنا، وكان مجاهدونا يقاتلون ويواجهون هؤلاء الصهاينة، يقتلونهم ويجمعون أشلاءهم.. أنا لا أتحدث عن أشلاء عادية، أنا أقول للإسرائيليين لدينا رؤوس من جنودكم، ولدينا أيدٍ وأرجل، هناك أيضا جثة شبه مكتملة او ثلاثة أرباع جثة، من رأس الى صدر الى وسط الى قدم. ماذا قال الجيش لعائلة هذا الجندي؟ وماذا قدموا لهم من أشلاء او من أعضاء؟ الجيش الإسرائيلي الذي أعلن نفيا سريعا عندما تحدثت عن وجود أشلاء لجنود صهاينة في أرض المعركة، سرعان ما تراجع لأنه يعرف أننا لا نكذب، وأننا لا ندّعي وأننا لا نقول الا الحقيقة. أنا لا أريد هنا ان أثير هذا الموضوع للتفاوض، وإنما لأشير الى ان هذا الجيش الصهيوني فقد حتى صدقيته التي كان يدّعي انه يتمتع بها، وكان ضعيفا وهزيلا في الميدان الى الحد الذي ترك أشلاءً لعدد (من قتلاه) وليس لواحد او اثنين او ثلاثة، بل لعدد كبير من جنوده الذين قُتلوا بأيدي وأقدام مجاهديكم وإخوانكم في المقاومة الإسلامية". وذكّر سماحته بقضية الإمام السيد موسى الصدر مؤسس المقاومة وقائد المقاومة وإمام المقاومة ورفيقيه، وفي يوم الانتصار للمظلوم ويوم الانتصار للأسير، جدد مناشدة الجميع "العمل على إعادته إلى ساحة جهاده وعطائه وعمله".
العدالة والإنصاف
بعدها تناول سماحته الوضع الداخلي فطالب بـ"العدالة والإنصاف"، ورفض "ان نستأثر نحن أو أن يستأثر احد"، وقال: "هذا البلد قيامته بوحدته الوطنية". مستغرباً "كيف يتحدث وينظّر علينا بعض المسؤولين العرب ويحدثوننا عن الأكثرية والأقلية وعن الديمقراطية وما هو مقبول في الديمقراطية ومرفوض فيها وأنظمتهم هي أنظمتهم التي تعرفونها، لا أكثرية ولا أقلية ولا ديمقراطية ولا ولا ولا".
وإذ أكد أن "في لبنان تركيبة خاصة" قال سماحته: "اذا كنتم تريدون الأغلبية والأكثرية الشعبية فمكانها واضح ومحدد، لكن نحن نتحدث هنا عن لو شنت "إسرائيل" على لبنان حربا جديدة فإننا نعدهم بحرب ستغير مسار المعركة ومصير المنطقة بأكملها، اليوم هناك من يضيع الوقت وهذا الوقت يضيع من الوطن ومن اللبنانيين، من الشعب اللبناني".
وتساءل سماحته: "ما هي فائدة ان تتهم الموالاة المعأرضة بالتعطيل؟ تعطيل المبادرة العربية مثلا؟ أو أن تتهم المعأرضة الموالاة بتعطيل المبادرة العربية؟ نحن الطرفان نعمل على إضاعة الوقت. الجد هو ان تسعى الوساطة العربية في الليل وفي النهار لإنجاز تسوية داخلية حقيقية تقوم على أساس الشراكة وليس على أساس الضغط على فريق من اجل ان يستسلم وأن يعترف باستئثار فريق آخر بإدارة البلاد".
وقال: "نحن رحبنا بالمبادرة العربية والوساطة العربية، وأنا اليوم أجدد الترحيب بها وأحيي اللقاءات التي يمكن ان تحصل بين ممثلي الطرفين، ونحن نؤكد ثقتنا الكبيرة والكاملة بمن يمثلنا في هذه المفاوضات وفي هذا الحوار، ونأمل ان تصل هذه المساعي الى النتيجة المطلوبة".
وأردف: "أقول لكل من يضيع الوقت: اذا كنتم تراهنون على ضعف المعأرضة او تراجع المعأرضة او تخلي المعأرضة عن حقها وأهدافها فأنتم واهمون، ومن يُرد دفع الأزمة اللبنانية للتدويل فلن يجديه نفعاً، وأذكّر هنا بالقرار 1559 وكم سنة مضت على صدوره من العام 2004 ولم ينفذ؟ وقال: "لا يستطيع العالم كله ان يفرض قرارا على شعب او على حركة شعبية استقلالية وطنية حقيقية اذا كانت ترفض وإذا كانت مستعدة للصبر والمواجهة".
وأضاف: "لكل الذين يذهبون الى التدويل أقول لهم: اذا كنتم تظنون ان بإمكانكم إخضاعنا او إذلالنا فاسمعوا نداء هؤلاء الناس الذين اجتمعوا تحت عنوان واحد: هيهات منا الذلة.. وكما قلت سابقا اذا فشلت الوساطات والمبادرات فلن نقف عند الحائط المسدود، المعأرضة ستتحمل مسؤوليتها. وأقول لكم بصراحة لن نختبئ خلف المطالب المعيشية والاجتماعية كما يظنون، لن نختبئ لا خلف رغيف الخبز الذي بات لا يشبه رغيف الخبز، ولن نختبئ خلف انقطاع الكهرباء والتمييز الكهربائي بين المناطق، وهم يظنون ان بعض التحركات التي تحصل هنا وهناك هي بخلفية سياسية، كلا هي بخلفية شعبية حقيقية، سوف نترك هذه الأمور للاتحادات العمالية والنقابات هي تتحمل المسؤولية".
وأكد أن "المعأرضة تملك شجاعة ان تتحرك تحت العنوان السياسي الواضح والهدف السياسي الواضح، ولن نختبئ لا خلف جوع الناس ولا خلف عطشهم".
سلطة شراكة لا شركة
وقال: "نحن نعرف ان معالجة الجوع والعطش والفقر والمديونية والبطالة والحرمان والإهمال تبدأ من تكوين السلطة العادلة وسلطة الشراكة وسلطة وطنية تتحمل مسؤولية كل الطوائف وكل المناطق"، مشدداً على أن "المدخل لمعالجة كل هذه الأزمات هو في تكوين سلطة من هذا النوع"، وقال: "السلطة المستأثرة، السلطة التي تنظر الى شعبها بعين وليس بعينين، السلطة التي تفكر بالوطن على شاكلة الشركة الخاصة او البنك الخاص، لا يمكن ان تعالج أي أزمة من أزماته الداخلية، فضلا عن ان تتمكن من ان تحفظ هذا البلد في مواجهة الأعاصير والأنواء التي تهب بمنطقتنا وعالمنا. لذلك لأن مطلبنا السياسي في المعأرضة هو مطلب حق وعدالة وإنصاف، ونحن لا نخجل به، لن نختبئ خلف شعارات اجتماعية، بل سنواجه بالشعار السياسي وبالحق السياسي وبالمطلب السياسي، ولن نترك لبنان لا للمشروع الأميركي ولا للإدارة الأميركية ولا ليستأثر به أحد على حساب أحد".
العهد للحسين (ع)
وختم سماحته كلمته بالقول: "كما في ختام كل عاشوراء من كل عام، نقف مع الحسين لنجدد بيعتنا ونجدد تأييدنا لكل المظلومين والمضطهدين والمعذبين في هذا العالم.. نقف من أرض المقاومة من أرض الضاحية الجنوبية التي شاهدها العالم على مدى 33 يوما تُقصف وتدمر، ولكن لم تُدمر إرادتها ولم يُدمر رجالها ولا نساؤها، من أرض الضاحية الجنوبية نؤكد التزامنا بالمقاومة في لبنان ونؤكد دعمنا للمقاومة في فلسطين، نؤكد تأييدنا للمقاومة في العراق، ونؤكد دعمنا لكل مقاوم في بلد يتعرض للاحتلال. ونقول للحسين (ع) كما قلنا له بالأمس: نحن في هذا العاشر يا سيدنا نتوجه اليك ونقول لك الحقيقة التي تعرفها عن إيماننا والتزامنا ووعينا وإرادتنا، لن نقول لك ولن نعدك ونقول لك لو هدموا بيوتنا سنبقى معك، بل نقول لك: لقد هدموا بيوتنا وكنا معك وسنبقى معك.. لن نقول لك لو قتلوا أطفالنا ونساءنا وشيوخنا سنبقى معك، بل نقول لك: على مدى 25 عاما وخصوصا في حرب تموز، لقد ذبحوا أطفالنا وقتلوا نساءنا وشيوخنا ورجالنا وكنا معك، وسنبقى معك، والى الأبد سنبقى معك. في يوم عاشوراء نعدك رجالاً ونساءً شيباً وشباناً وصبيةً وصغاراً، نعدك بأننا سوف نبقى في خطك وطريقك ونلبي نداءك، نحن في الموقع الذي وضعنا فيه المتجبر المتغطرس بين خيارين: بين السلة والذلة، وليس أمامنا خيار آخر. نحن يا أبا عبد الله كلنا سنردد كلمتك: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: الدعي ابن الدعي اليوم هو جورج بوش وأولمرت الذي يدعي الانتساب الى أنبياء الله من بني إسرائيل.. هؤلاء ركزوا بين اثنتين: بين السلة والذلة.. ماذا تقولون للحسين في يوم الحسين: "هيهات منا الذلة".. (ورددت معه الجماهير الحسينية النداء). ثم تابع سماحته: "يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجورنا طابت، ونفوس أبية ونفوسنا أبية، وأنوف حمية وأنوفنا حمية، من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، فكان مصرع السيد عباس وأم ياسر وطفلهما، وكان مصرع الشيخ راغب وشهدائنا في الحروب والمعارك والمواجهات، ولم نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
في يومك يا أبا عبد الله نقول لك ونؤكد لك ونعاهدك ونقسم لك قسم الصادقين الأوفياء، سنواجه كل طغيان وكل طاغوت وكل ظلم وكل ظالم.. لن يكون بيننا ذليل ولن يكون بيننا وضيع ولن نقبل بالهوان ولن نتراجع الى الخلف ولن نتطلع الى الخلف.. سوف تبقى عيوننا مشدودة الى الأمام، نلبي نداءك عبر التاريخ لنصله بحفيدك صاحب الزمان، وإليك منا كما في نهاية كل محرم وعاشوراء من أعماق قلوبنا وجوارحنا الى الأبد: "لبيك يا حسين".
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008

2008-01-24