ارشيف من : 2005-2008
طبيب غزة
كان ناظر مدرستنا يقسو على الطلبة الفلسطينيين بيننا، والسبب كما كان يقول لهم: "نحن لا نملك وطناً، نحتاج العلم لأنه جواز مرورنا اليه.. عليكم بالجد أكثر".
تذكرته بالأمس وأنا أقرأ سيرة حيدر عبد الشافي "الغزاوي"، آخر العائدين الى أرض فلسطين من مهجري النكبة.. ومبعدي الاحتلال والراحل عنا قبل أيام.
فقد أفنى عبد الشافي عمره محاولاً النهوض بشعبه "الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال، ومن أجل العدالة والنزاهة والعيش الكريم وحماية القرار الفلسطيني المستقل وتحقيق السلام العادل"، كما جاء في ميثاق المبادرة الوطنية التي أطلقها في العام 2002.
ولد حيدر عبد الشافي في مدينة غزة عام 1919 ودرس في مدارسها، تخرج طبيباً من كليّة الطب في الجامعة الأميركيّة في بيروت في العام 1934، وعمل في المستشفى الحكومي في يافا بعد التخرُّج. هو عضو المجمع الطبّي العربي منذ 1945، ورئيس جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة منذ 1972.
شغل منصب رئيس برلمان غزة طوال فترة الستينيات، التي شارك في منتصفها بتأسيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة، فكان أن أُبعِد إلى لبنان عام 1970 بهذه "التهمة".
ترأّس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد في 1990، وقاد فريق المفاوضات الفلسطيني مدة 22 شهراً في محادثات واشنطن، وما لبث ان استقال من رئاسة الوفد إثر الفضيحة عن قنوات سرية للمفاوضات.
استقال حيدر عبد الشافي من منصبه النيابي احتجاجاً على ما وصفه في حينه تقاعساً عن مواجهة الفساد في السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.
كان واضح المواقف، فرفض العودة إلى طاولة المفاوضات وحتى اللقاءات بين الجانبين، لأنه: "لا جدوى منها، فـ"إسرائيل" ما زالت متمسكة بما أقره المؤتمر الصهيوني الأول، والانتفاضة جاءت لتأكيد رسالة مفادها أن المفاوضات مع "إسرائيل" لا فائدة تُرجى منها، وهذه رسالة حقيقية يجب أن نحترمها".
ويتابع في موقف آخر: " يجب أن نقاتل دفاعاً عن أنفسنا.. القتال الدفاعي لن يأتي بالفرج غداً أو بعد أسبوع ولا بعد شهر، لكننا سنحصد نتائجه على المدى البعيد.. هذا القتال هو الذي سيرغم "إسرائيل" على تغيير موقفها، وسيكون العالم بجانبنا في إدانة الأعمال الإسرائيلية، ولن تستطيع "إسرائيل" أن تقف أمام العالم، وسنكسب الرأي العام العالمي".
بالأمس توفي طبيب غزة في غزة التي اعتبرها العدو "كياناً معادياً"، فيما تستعد للدفاع عن نفسها وعرضها ومالها. وفيما استباح العرب دمها وأسقطوا البندقية، بانتظار خريف بوش الفاشل سلفاً.
مصطفى خازم
الانتقاد/ العدد 1234 ـ 28 أيلول/ سبتمبر 2007