غزة ـ عماد عيد
بعد صمت استمر ثمانية اشهر تصاعدت الحملة الشعبية والرسمية في غزة لفك الحصار عن القطاع، وتوجت هذه الخطوات بإقدام مسلحين من المقاومة الفلسطينية بتفجير الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومصر، وهو جدار اقامته اسرائيل قبل انسحابها من غزة في العام الفين وخمسة.
وتأتي خطوة تفجير الجدار بعد تهديدات عديدة من الفصائل بعدم الصمت على موت المرضى والجرحى من دون حراك عربي، وايضا بعد فشل كل الجهود التي بذلتها حركة حماس سواء في الداخل او الخارج او حتى الحكومة الفلسطينية في الاتصال مع الحكومة المصرية واقناعها بفتح المعبر الوحيد بين قطاع غزة والعالم لانهاء الأزمة الحالية التي تعصف بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة على وجه التحديد والتي تعتبر من أصعب المراحل وأشدها قسوة التي عرفها الشعب الفلسطيني، حيث أن أكثر من مليون ونصف مليون مواطن في قطاع غزة معرضون لأبشع الانتهاكات التي تتعلق بحقوق الإنسان.
ويبدو ان حركة حماس وحسب كثير من المراقبين لن تخسر شيئا في العلاقة مع مصر، بل ان هذه الخطوة ربما تعزز رصيدها على الساحة السياسية العربية على الاقل، فمصر ان رغبت في اغلاق الحدود التي عبرها الالاف من الفلسطينيين مضطرة للحديث مع حركة حماس واقناعها بضبط الحدود، وهو ما ستفعله حماس في حال تلقيها وعودا بامكانية ايجاد حل لازمة ملف معبر رفح المغلق منذ سيطرة حماس على غزة، في حين ان خيار اغلاق الحدود بالقوة من الجانب المصري لا يبدو بسيطا لان اعداد القوات المصرية الموجودة على الحدود المصرية الفلسطينية بموجب اتفاقية كامب ديفيد لا يكفي لضبط هذه الحدود وكل المحاولات المصرية لاقناع اسرائيل بتغيير الاتفاقية وزيادة عدد الجنود باءت بالفشل.
كما ان تفجير الحدود يرفع الحرج الكبير الذي تواجهه مصر نتيجة اتهامها بمحاصرة الفلسطينيين وتجويعهم، فدخول الفلسطينيين الى اراضيها بهذا الشكل يعتبر غير قانوني وخارج ارادتها وسيقوي موقفها في أي مفاوضات حول معبر رفح.
رد الفعل الاسرائيلي المتوقع لن يكون بحسب معظم المراقبين أسوأ من الحالة التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني، فخيار اسرائيل الوحيد هو العودة الى محور صلاح الدين واغلاق الحدود وتدمير معبر رفح. وهو خيار ليس سيئا لحركة حماس على اعتبار ان الحدود في ظل عدم وجود الجيش الاسرائيلي مغلقة ايضا، وان العملية العسكرية الاسرائيلية ستقع قريبا في غزة فلا بأس حسب حركة حماس من اقترابها درجة الى الامام ما دامت قادمة لا محالة،
واياً كانت النتائج فحركة حماس وضعت نصب اعينها استثمار حالة التعاطف الشعبي في الشارع العربي واكمال محاولاتها لفك الحصار عن قطاع غزة قبل ذبول التعاطف الذي تحول الى مسيرات شعبية في عدد من الدول العربية والاسلامية نتيجة صور المعاناة التي نقلتها وسائل الاعلام من غزة.
فالازمة الانسانية وصلت في غزة حدا لا يطاق... مليون ونصف مليون فلسطيني عاشوا أياما من البرد والظلام ونقص في الطعام والشراب والدواء، وايضا في ظل استمرار الغارات الاسرائيلية وذلك بفعل قرارات وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك باغلاق المعابر الاربعة التي تربط قطاع غزة بفلسطين المحتلة عام ثمانية واربعين، والمخصصة لنقل الوقود والغذاء حسب اتفاقية باريس الموقعة مع السلطة الفلسطينية.
وباتت مشاهد طوابير المواطنين على المخابز امرا مألوفا في مدينة غزة المحاصرة، اما الظلام فكان سيد الموقف في الليل البارد، وبدأ الجوع لاول مرة يزحف نحو كثير من الاسر الفلسطينية حتى لو كانت تملك أموالا، فلا يوجد مواد غذائية، وان وجدت فهي قليلة ولا تسد حاجة كل الفلسطينيين الذين يعتمدون على "إسرائيل" بشكل كامل في تلبية احتياجاتهم، وهذا كله بفعل الاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وكيان العدو... لكن المعاناة الاكبر كانت بالنسبة للمرضى الذين ترتبط حياتهم بالكهرباء وخاصة في المشافي.. فقد كان انقطاع التيار الكهربائي بالنسبة لهم يعني الموت، وبدأت المشافي بالفعل تعمل على المولدات الكهربائية التي تحتاج السولار لتشغيلها، ولولا تدخل الامم المتحدة لتزويدها بكمية خاصة لتوفي مئات المرضى لحظة انقطاع التيار الكهربائي. اما العديد من الاسر الفلسطينية فلم تجد الا الحطب للطهي ولجلب الدفء في الشتاء القارس.
ووسط المعاناة الانسانية الكبيرة واصلت اسرائيل عمليات القتل المنظمة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا منذ بداية الشهر الحالي إلى واحد وسبعين فلسطينيا نصفهم من كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس التي اطلقت اكثر من مئة وسبعين صاروخا على سديروت خلال اسبوع في حملة اطلقت عليها اسم حمم الحصار، عدا عن مواصلة الفصائل الاخرى القصف الذي دفع الالاف من سكان مستوطنة سديروت الى مغادرتها وسط احباط اسرائيلي على المستوى الرسمي من امكانية ايقاف الصواريخ لتسجل المقاومة الفلسطينية انتصارا جديدا على جيش الاحتلال الذي يواصل استعدادته للعملية الواسعة في قطاع غزة، هذا عدا عن الانتصار الذي حققته حماس بمنع العدو فرض معادلة الحصار مقابل الصواريخ.
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008