ارشيف من : 2005-2008

الصمت العربي إزاء غزة: بين الاستقالة من الدور وعناصر القوة المعطلة

الصمت العربي إزاء غزة: بين الاستقالة من الدور وعناصر القوة المعطلة

عندما أسرت المقاومة الاسلامية في لبنان جنديين لجيش الاحتلال الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الفلسطينية لمبادلتهما بالاسرى في سجون العدو، اتخذت اسرائيل العملية على محدوديتها ذريعة لشن عدوان غير مسبوق على لبنان بهدف القضاء على حزب الله وبيئته الشعبية، بتغطية كبيرة من المجتمع الدولي ومن بعض النظام الرسمي العربي.
اليوم تبدو الصورة مختلفة: فمنذ اقل من اسبوع حيث بدأت اسرائيل حرب ابادة ضد حركة حماس استشهد نحو اربعين فلسطينيا بينهم عدد كبير من الاطفال والنساء، وفرضت حصارا محكما على قطاع غزة قطعت عنه امدادات الوقود والغذاء فأخضعته لظلام دامس وفتحت الباب امام مأساة انسانية غير مسبوقة راهناً.
المفارقة ان جزءاً كبيراً من النظام الرسمي العربي سارع في اعقاب عملية الاسر الى ادانتها ووصف منفذيها بالمغامرين، اما اليوم فإن اكثر ما يفعله هؤلاء تجاه مأساة غزة هو اطلاق سيل من التصريحات المنددة والمستنكرة التي تسحب فقط من الادراج وتذاع عبر بيانات رسمية بعضها باسم وزارة وبعضها باسم مصدر مسؤول وفي احسن الاحوال يتبرع رئيس ببضع كلمات متعاطفة مع الشعب الفلسطيني لا يعيرها الاخير ليس أي اهتمام فحسب، بل انها تثير اشمئزازه لانه لا يرى أي تحرك فعلي لوضع حد للارهاب الاسرائيلي عنه برغم وجود خيارات كثيرة متاحة امام الدول العربية سواء منفردة او مجتمعة.
 ولقد وصل حال بؤس هذه المجموعة الرسمية حد عدم المبادرة ليس الى عقد قمة طارئة كما دعت اليمن، ولا الى اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب، بل ان اكثر ما عقدته الجامعة هو اجتماع لمجلس المندوبين فيها خرج بطلب الى مجلس الامن للاجتماع لادانة "اسرائيل"، وهو ما لم يفلح فيه الاخير بسبب رفض حلفاء "اسرائيل" فيه ادانتها حصرا من دون ان تجر ادانة للصواريخ الفلسطينية التي تطلق من غزة، برغم ان أي قرار دولي لن يكون سوى نص مكتوب يوضع الى جانب غيره من النصوص التي رافقت معاناة الفلسطينيين منذ نكبة 1948 من دون ان ترفع عنهم حيفاً.
وبدل ان يكون الصمت الدولي محفزا للنظام الرسمي العربي لرفع صوته تماشيا مع غضب الشارع لديه، فانه اولاً يحول غضب هذا الشارع الى عملية امتصاص بحيث تقتصر ردود الفعل على تظاهرات محدودة يسمح بها، وثانياً يبث في وسائل الاعلام تصريحات ادانة لاكمال "براءة الذمة الكلامية".
واذا كان كل ذلك يعبر عن حقيقة ان هذه الدول بمعظمها عاجزة عن التأثير في مسارها ولا تملك تقرير مصيرها، وبالتالي تخضع لمسار النظام الدولي، فإن حجم الاستقالة من ممارسة السياسة بما هي صنع للقرارات الفعلية وليس اللفظية بلغ حدا لا يتناسب وحجم الامكانيات المتاحة امام هذه الدول لتكون قوة فاعلة ليس في المجال العربي والاسلامي فحسب، بل الى المجال الدولي بسبب تشابك عناصر التأثير ومستوياتها المتعددة.
واذا كانت تجربة حرب تموز وخروج المقاومة فيها منتصرة محفزا لانتفاضة رسمية على كل مظاهر الضعف والترهل واخراج عناصر القوة لاقامة شأنية معتبرة في النظام الاقليمي للنظام العربي، فإن ما جرى لم يكن سوى فعل معاكس عمل على مساعدة "اسرائيل" على اخراجها من هزيمتها في عدوان تموز، فوفروا لها مشاركة واسعة في مؤتمر انابوليس، لتسجل "اسرائيل" بعدها قتل اكثر من 160 فلسطينيا بأيدي الاحتلال بينهم 12 طفلا على الاقل وتسع نساء ومعظمهم في قطاع غزة، منذ عقد المؤتمر، لتأتي بعدها جولة جورج بوش متوجة امتداد الارهاب الاسرائيلي بصيغة حرب معلنة لابادة حماس، بغطاء اميركي معلن، من دون ان تخفف تصريحاته العدوانية تجاه الفلسطينيين من حماسة الاستقبال العربي الرسمي له، الى درجة ان صحيفة "المستقبل" المملوكة للنائب سعد الحريري وضعت في صدر صفحتها الاولى صورة للملك السعودي عبد الله يشرب القهوة مع بوش وبجانبها نزولاً صورة لمحمود الزهار فوق جثمان ولده الشهيد، من دون ان تقصد طبعاً ادانة الملك، بل هو خطأ ادى الى هذه المقارنة بين صورتين كانت فيهما الصحيفة تنتصر لصورة بوش ومضيفه وليس للشهيد الزهار حتماً.
واذا كانت الامور وصلت هذا الحد فإنه يصبح التعويل على فعل من جانب هذه الدول نوعا من الرهان الخاسر مسبقاً، مع ان ما يمكن ان تفعله الدول العربية سواء مجتمعة او منفردة يكون لها نتائج تتجاوز القضية الفلسطينية الى قضايا اخرى بحيث تمارس هذه الدول تأثيراً فعليا في مصيرها ومصير غيرها. على ان الاسئلة التي يضج بها الشارع العربي والاسلامي لا تجد اجابة او حتى لا يجرؤ البعض على الاجابة عن سؤال من نوع: لماذا تحتكر اسرائيل التهديد بالحروب وتوجيه الضربات في أي بلد عربي وتصفية من تريد في أي مكان في العالم، ولا تمارس هذه الدول العربية نفس الدور في اطار دفاعي طبعاً، وهي قادرة على ذلك ما دام ان المقاومة اللبنانية وايضاً الفلسطينية كسرتا هذا الحاجز النفسي وفتحتا هذه الامكانية على تطبيقات ميدانية، وصاغتا معادلات خضع لها الاسرائيلي واقعاً ولا يزال؟
وايضاً، لماذا لا تمارس الدول التي تقيم علاقات مع "اسرائيل" اضعف الايمان فتلوح بقطع علاقاتها معها او تبادر الى قطع هذه العلاقات لاجبارها على وقف ارهابها للفلسطينيين؟ مع العلم ان اسرائيل ستخسر جراء هكذا خطوة وستربح الدول العربية كثيراً على الاقل لدى شارعها؟
ايضا، في ذروة الانشغال العالمي بارتفاع اسعار النفط لماذا لا تلوح هذه الدور العربية فقط باللجوء الى استخدام سياسي لهذه السلعة لتحقيق منفعة قومية ولرفع ظلم واقع عن احد مكونات المجتمع العربي، أي الفلسطيني؟ مع العلم ان التلويح بتبديل سلة العملات التي يسعّر بها النفط والتخلي عن الدولار في التسعير من شأنه ان يكون له مردود سياسي كبير! اما اذا استعرضنا عناصر القوة الاخرى مثل حجم الكتلة المالية العربية المستثمرة في الغرب، فضلا عن خطوط الامداد العالمي وغيرها، فإن ما يمكن ان تفعله الدول العربية لحفظ حياة شعوبها يمكن ان يبلغ حدا لا يوصف، لكن التذرع بالتشابكات في المصالح والفرق بين منطق الدول ومنطق الثورة، وغيرها من المفاهيم التي تستخدمها لتكريس التبعية وتبرير عدم استخدام عناصر القوة، هي الخطاب الذي يرد به على أي سؤال من هذا النوع، فيما اسرائيل في أي عدوان تشنه او عمل امني او سياسي تقوم به تجير كل الامكانيات اليهودية للوقوف وراءها من دون ان تأخذ بعين الاعتبار أي تحفظ في أي موضوع.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25 كانون الثاني/ يناير 2008


2008-01-24