ارشيف من : 2005-2008
مراسِلة تلفزيونية.. أم ماذا؟
لطالما كانت ثنائية "المرأة والإعلام" مدار بحث ونقاش ودراسات، بين الكثير من المهتمّين، لكن عمومية العنوان كادت أن تضيّع ما في تفاصيله من أهمية..
لن أطرح الموضوع بشكله العام، فأيّ امرأة هي المقصودة؟ وعن أي إعلام نتكلم؟
إنها باختصار المرأة "المذيعة أو مقدمة البرامج أو المراسلة الميدانية" في "الإعلام العربي"، الفضائيات العربية نموذجاً..
فقد جعل الإعلام العربي من نموذج المرأة الجميلة والجذابة، شكلاً وألواناً، معياراً للنجاح والصورة المطلوبة، وبناءً عليه: كثُر هذا الاهتمام وتضاعف، عند معظم الإعلاميات اللواتي يظهرن على الشاشة، من خلال عمليات التجميل والترميم، التي يتابعها المشاهد بكثير من الحيرة والأسئلة، فهل هذا الوجه هو لفلانة؟ وهذه "الطلّة" الجديدة لفلانة ماذا تخبئ؟ شفط دهون أم "بوتكس" أم كولاجين أم فتوحات جديدة من فتوحات عالم الاهتمام بالشكل والألوان "البشرية"..
وعند الحديث عن هذه المسألة لا ولن تستطيع أبداً تغييب أو تهميش النموذج الغربي السائد، الذي يتمثل بامرأة "عملية" جداً.. تطل عبر الشاشة بكل عفويتها وطبيعتها، ملابس عادية جداً.. ماكياج معدوم، وتسريحة يدوية سريعة على ما يبدو، وكل تلك مواصفات تختلف وتتناقض مع مواصفات الاعلاميات أو "المذيعات العربيات" اللواتي يظهرن على الشاشات كالعروس المجلوّة ليلة الزفاف.. والعالمون بالأمور يعرفون، أنهن يقضين حوالى الساعتين على أدنى تقدير (ربما يصل الأمر مع بعضهن إلى ساعات طويلة) وهن يصففن تسريحة الشعر.. ثم يرسمن عيونهن وحواجبهن ورموشهن وشفاههن وخدودهن.. بالأحمر والأسود وباقي الألوان.. وبعد جهدٍ جهيد، وبعد اختيار الملابس والأزياء "الملائمة" تطل!! على المشاهدين..
والمشكلة أن المشاهد العربي تعوّد هذه الصورة المزخرفة والمزركشة إلى درجة أنه بات يلاحظ ويرصد "كمية" التحولات والتغطيات التي تلجأ إليها بعض إعلامياتنا العربيات..
ومن كل هذا الحديث النظري، أسمح لنفسي باستعراض النموذج العربي"القاسي"، الذي رأيته منذ فترة قصيرة جداً، والذي حفّزني على كتابة هذه السطور.. فقد كان الحدث الساخن من "غزّة" التي كانت تشتعل على وقع ما يدور فيها من أحداث.. وقالت مذيعة إحدى أشهر فضائياتنا العربية، والآن ننتقل مباشرة إلى مراسلتنا التي تطلعنا على آخر التطورات..
وكانت المفاجأة!!!
انتقلت الصورة إلى المراسلة الميدانية إياها.. وأقسم أن ما سأرويه ليس كاريكاتوريا، بل حقيقة بحقيقة.. كانت المراسلة قد صبغت شعرها باللون الأصفر الفاقع!! وأخضعته لجلسات تمليس وتجعيد كثيرة.. وكانت تبدو طالعة لتوّها من جراحة تكبير شفتين غليظتين، وكانت عيناها مرسومتين على الطريقة الفرعونية النفرتيتية، وأكثر من كل ذلك.. بل أبشع من كل ذاك، أنها نثرت على وجهها وحول عينيها: ذلك البرق اللامع الصارخ..
آلمني ذلك المشهد كثيراً..
كان نموذجاً لحالة معينة ولتفكيرٍ معيّن في إعلامنا العربي.. كان مؤذياً جداً..
وسألت نفسي:
ماذا لو لم تكن تلك المراسِلة الموهوبة موجودة في قلب فلسطين؟
وماذا لو لم تكن تتحدث عن مآسي المجازر والضحايا والثكالى؟ لو كانت تتحدث من مهرجان "كان" وعن نجومه، أو عن مهرجانات الريو دوجانيرو.. فماذا كانت سترتدي وكيف كانت ستطلّ يا ترى..
وهذه واحدة من زلاّت اعلامنا "العربي" التي لن يغفرها المشاهد الرصين له.
فاطمة بري بدير
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25/1/2008