ارشيف من : 2005-2008

قراءة في كتاب جورج فرشخ: حكايا الغضب والأمل : عن الصمود والنزوح في حرب تموز 2006

قراءة في كتاب جورج فرشخ: حكايا الغضب والأمل : عن الصمود والنزوح في حرب تموز 2006

بقلم: د. حسين رحّال(*)
يأخذك جورج فرشخ إلى عالمه الخاص العام، خاص بما يسقطه من قيم ذاتية إنسانية على عام لبناني صورته في المخيلة الخاصة أكثر إشراقاً أحياناً من الواقع، يضفي على لبنان شيئاً منه ويأخذ إلى ذاته كثيراً من هذا العام ليتفاعل العام والخاص، الموضوع والذات في خلطة انسانية أنجبت هذا الكتاب الذي يشبه صاحبه.
قل لي ماذا تكتب وكيف تكتب ولماذا تكتب أقل لك من أنت، فقد قيل الرجل هو الأسلوب. ولو أنك لم تتعرف إليه من قبل يكفي أن تقرأه لتتعرف إلى شخصيته؛ ترى ملامحه بين الكلمات التي تحكي قصة مجزرة أو طفل تجمدت قطرة من حليب أمه المقتولة على شفته؛ تحس بأنفاسه تتقطع مع كل حرف يشير إلى قصة جنوبي انقطعت به السبل والجسور بحثاً عن مكان دافئ لعائلته.
تشعر أنه ذلك الجريح الذي يزحف ببطء ليتلقى العلاج في مركز خلفي للمقاومة يتنهد من كل ألم له ويخفق قلبه لكل متر يبتعد فيه عن الخطر. بين الكاتب وأشخاص مروياته علاقة امتزاج وتماه حتى لتكاد تحس به شريكاً في كل حكاية كتبها لأنه يتمثلها كما حصلت في أرض الواقع، ثم يخطها بمداد قلبه قبل مداد قلمه.
هكذا يفيض من الخاص إلى العام في كل حكاية وابلاً من المحبة الغامرة تجتاحك قارئاً أو سامعاً فتتمنى لو كان العالم جميلاً كما يعرضه، وليت الحياة حلوة كما يتصورها ويتمناها. هي إذاً قصة حب بين الكاتب وأبطاله موزعة بالتساوي؛ كلهم أبطال: الراهبة الأنطونية، المدرّسة، رئيس البلدية، أم الشهيد، سائق الشاحنة، المقاوم، الطفل.
هي مشكاة من رهافة الحس والنقل، كلها قصص حقيقية واقعية فجة، لكنها بقلمه تصبح سلسة على طريقة السهل الممتنع، ممتعة كأنك تسمعها للمرة الأولى وهي واقعية، صادقة، بلغة الحقيقة لكنها غير جارحة، ناقدة تشير حيناً إلى جموح عنصري كما في قصة من رفض دعوة الراهبة لمساعدة النازحين لأنهم من طائفة أخرى، او مجموعة من قبضايات الجبل تهجموا على النازحين حيناً آخر، لكنها مع كل ذلك لا تنسى أن تسلط الضوء على السياق الخيّر برغم الهنات الصغيرة. هي قضية الأمانة التي يمتاز بها الكاتب حتى للتفاصيل التي لا توفر أقرب الناس إليه نقداً أو تلميحاً. تخاله انتربولوجياً لا يغفل زاويةًً أو اشارةً أو علامةًً الا والتقطها بالعين والعقل والوجدان بتوازن الصائغ.
في المضمون هموم الكاتب وطنية عامة وإن تكلم بلغة الوجدان: التنوع والتعايش، الوجود المسيحي في لبنان والشرق، لهذا هو يحمل قضية خلف كل حكاياه وليس كاتباً أنانياً (على طريقة الفن للفن) قضيته تستحق النضال والتضحية:  بلا مسيحيين بلدنا يخسر تنوعه.
مسيحي جورج فرشخ نعم، لكن بقلب لبناني كبير يحب الآخر ويحب لقاءه لأن الآخر المسلم، وفي الجنوب الآخر الشيعي، هو الذي يكرّس التنوع ويعطي للهوية الثقافية الخاصة ميزتها وخصوصيتها، بهذا المعنى يصبح جورج "أم حسين"، ويصبح الزغرتاوي الأصيل جنوبياً بالمعنى الوطني وحتى السياسي، قدره جنوبي. لأننا كلنا في المقاومة جنوب، حتى شمالنا هو جنوب بالمعنى الانساني: في التصدي للهيمنة والاستعمار والاحتلال الآتين الينا بشعارات زائفة عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، شاهدنا دماءها في كل جنوب للمقاومة.
المقاومة بلغة جورج محبة، تعايش، صمود، عزة، كبرياء، مدرسة، كنيسة، مسجد، مؤسسة اجتماعية، انسان ومجتمع ومقاومون. أسماء بلداته شواهد عز، أبطاله ما أجملهم وما أشجعهم .. جورج فرشخ ما أجملك.
(*) مسؤول العلاقات الاعلامية لحزب الله
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008

2008-02-01