ارشيف من : 2005-2008

المواقف الجديدة للكتل المنسحبة من الحكومة: إعادة رسم المشهد السياسي في العراق

المواقف الجديدة للكتل المنسحبة من الحكومة: إعادة رسم المشهد السياسي في العراق

بغداد ـ عادل الجبوري
يشير التقرير الخبري الذي تداوله عدد من وسائل الاعلام العراقية يوم الاربعاء الماضي الى لقاء نائب رئيس الجمهورية والامين العام للحزب الاسلامي العراقي طارق الهاشمي بوفد من التيار الصدري، وأن الهاشمي دعا الى عودة الكتل السياسية المنسحبة من الحكومة. دعوة الهاشمي هذه جاءت في سياق تفاعلات واضحة في المشهد السياسي العام تتجه في مجملها لإعادة ترميم الحكومة من خلال عودة المنسحبين منها.
وأهمية تلك الدعوة تنطلق من حقيقة ان جبهة التوافق العراقية التي يعد الحزب الاسلامي العراقي بزعامة طارق الهاشمي احد اركانها الثلاثة الى جانب مؤتمر اهل العراق بزعامة عدنان الدليمي ومجلس الحوار الوطني بزعامة خلف العليان، كانت حتى وقت قريب من الرافضين بشدة للعودة الى الحكومة، وكانت تتحرك باتجاه مضاد لها، في ذات الوقت الذي كانت قد تقدمت بمطالب وشروط اعتبرها البعض تعجيزية مقابل العودة، ناهيك عن ان التجاذبات الحادة بين نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ورئيس الوزراء نوري المالكي بددت الى حد كبير فرص وإمكانيات ردم الهوة او تقليصها بين جبهة التوافق والحكومة، برغم ان الاثنين أكدا أكثر من مرة ان الاختلافات بينهما ليست شخصية. وهنا التحول المهم وذو المغزى هو ان الامين العام للحزب الاسلامي العراقي بات يدعو المنسحبين الى العودة بعدما كان يتبنى منهج وخيار المقاطعة والبقاء خارج الحكومة.
وإذا كان هذا التوجه يعبر في جانب منه عن قراءة خاصة وجديدة للواقع السياسي، فإنه في واقع الامر يمثل جزءا من توجه سياسي موحد لأطراف جبهة التوافق بالعودة الى الحكومة. فرئيس مجلس الحوار الوطني خلف العليان الذي ظل بعيدا عن العراق عدة شهور ويقود حملة اعلامية وسياسية مضادة للحكومة ورئيسها المالكي، عاد الى بغداد وأخذ يتحرك باتجاه مختلف تماما لتحركه في الخارج، وخلال اسبوعين فقط ترأس وفدين من جبهة التوافق للقاء رئيس الوزراء، وأدلى بعد كل لقاء بتصريحات ايجابية داعمة للحكومة، ومؤكدا أن خيار عودة التوافق الى الحكومة بات امرا محسوما ومنتهيا منه.
وفي الوقت ذاته فإن رئيس مؤتمر اهل العراق عدنان الدليمي أعلن هو الآخر قرب عودة وزراء الجبهة المنسحبين الى الحكومة، مشيرا الى انه بإمكان الجبهة ان تختار بدلاء عنهم اذا ارتأت ذلك. ولا شك في ان عوامل عديدة ساهمت في مثل ذلك التحول، من بينها وصول مكونات الجبهة وأطراف سياسية اخرى الى ان المراهنة على افشال الحكومة وبالتالي اسقاطها تبدو خاسرة وغير مجدية، واستحقاقاتها وتبعاتها اكبر بكثير من مكاسبها وأرباحها.
ومن بين تلك العوامل ايضا بروز مجالس الصحوة رقما فاعلا في الميدان، وتحديدا مجلس صحوة الانبار الذي بات يمثل ثقلا سياسيا فضلا عن الثقل العشائري والثقل العسكري. وهذا الثقل السياسي لا بد ان تترتب عليه استحقاقات وحضور في المشهد السياسي العام يمكن ان يكون على حساب جبهة التوافق العراقية، لا سيما انها تركت فراغا في الحكومة ولم تنفع المبادرات المختلفة فترة من الزمن بإقناعها بالتراجع والعودة.
والعامل الآخر تمثل بثبوت ضلوع شخصيات وأطراف بأعمال ارهابية او مساعدة جماعات ارهابية، كما حصل مع قضية وزير الثقافة الهارب أسعد الهاشمي ابن شقيقة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، او مكي نجل عدنان الدليمي، والعشرات من افراد حمايته وغيرها، ما جعل اطراف الجبهة في موقف حرج نوعا ما يحتم عليها ان تكون اكثر مرونة لتجنب مزيد من المآزق والإحراجات.
والعامل الثالث تمثل في النجاحات الكبيرة التي حققتها الحكومة على الصعيد الامني في اطار التصدي للجماعات الارهابية في المدن والمناطق الساخنة، مثل الانبار وديالى ومحيط العاصمة بغداد.
وقد لا يختلف الامر كثيرا مع القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق ورئيس حركة الوفاق الوطني اياد علاوي. فعدد من اعضاء القائمة التقوا اكثر من مرة مؤخرا رئيس الوزراء وصرحوا بحرص القائمة العراقية على دعم الحكومة ومساندتها وعلى إنجاح العملية السياسية برمتها. وأكثر من ذلك صرح البعض بنية القائمة اعادة وزرائها الى الحكومة.
وحتى التيار الصدري فإنه من غير المستبعد ان يعود الى الحكومة برغم الحملات التي استهدفت خلال الشهور القلائل الماضية عددا من انصاره ومؤيديه في بعض مدن العراق، حيث ان قيادات التيار تتفهم ان الجانب الاميركي هو الطرف الرئيسي في تلك الحملات، وتتفهم ان بعضا من المستهدفين قد لا يكونون من أتباع التيار الصدري فعلا بقدر ما يقومون باستخدامه واجهة وغطاءً للتحرك. اضف الى ذلك أن وجود التيار في الحكومة قد يكون اكثر فائدة ونفعا في معالجة المشاكل والازمات التي تواجهه فيما لو بقي خارجها.
ولا شك في ان اشارة طارق الهاشمي خلال لقائه وفد التيار الصدري الى أهمية مشاركة التيار بفاعلية في الانشطة السياسية المختلفة، وضرورة عودة التيار الى المجلس السياسي للامن الوطني بسبب تكليفه بمتابعة الاتفاقيات الثنائية مع دول العالم، تنطوي تلك الاشارة على رسالة سياسية مهمة في جوهرها ومضمونها، بدعم الحكومة والعملية السياسية، والتعاطي بواقعية مع مجريات الامور.
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008

2008-02-01