ارشيف من : 2005-2008

لجنتا تحقيق عسكرية وقضائية والجيش مطالب بتحقيق شفاف: لماذا تتعمّد الدولة استخدام الرصاص القاتل والمتفجّر ضدّ شعب المقاومة؟

لجنتا تحقيق عسكرية وقضائية والجيش مطالب بتحقيق شفاف: لماذا تتعمّد الدولة استخدام الرصاص القاتل والمتفجّر ضدّ شعب المقاومة؟


مرّة جديدة تكشّر الدولة عن فئويتها، وتكشف عن نيّاتها السيّئة ضدّ طائفة بكاملها، وتظهر تلذّذها بإراقة دماء شعب المقاومة وأبناء الضاحية الجنوبية الذين ما تهاونوا ولا تراجعوا يوماً عن تقديم الدماء لصون وطنهم في ساحات الشرف الحقيقية ضدّ مغتصبي الأرض وأدواتهم المأجورين.
فبعد مجزرة جسر المطار في 13ـ9ـ1993، ومجزرة حيّ السلّم في 27ـ5ـ2004، والرمل العالي في 6ـ10ـ2006، والجامعة العربية في 25ـ1ـ2007، أضافت واحدة أخرى إلى رصيدها الحافل، في منطقة كنيسة مار مخايل ـ الشياح، حيث نشرت كلّ ضغائنها وأحقادها ضدّ فتية وشبّان عزّل من السلاح، خرجوا من منازلهم احتجاجاً على تردّي الوضع المعيشي واستمرار انقطاع التيّار الكهربائي عنهم، بينما سواهم ينعم بهذا التيّار ليلاً ونهاراً، وقتلت سبعة منهم، وكما درجت العادة، بأعصاب باردة وأنفس لئيمة، وبدلاً من أن تعتذر، أو تعترف بخطيئتها المميتة والشنيعة، أمعنت في القتل بجعل الشهداء مفترين، وحمّلتهم مسؤولية ما حدث في وضح نهار الأحد في 27 كانون الثاني/ يناير 2008.
والغريب أنّها المرّة الخامسة على التوالي التي يلجأ فيها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وأزلام السلطة، إلى استخدام الرصاص الحيّ ضدّ أبناء الضاحية الجنوبية وضدّ أبناء الطائفة الشيعية تحديداً، وكأنّ الوسائل السلمية الأخرى انقطعت، وانعدمت، ولم يعد لها أثر في الوجود، فلا حاجة إلى خراطيم المياه، ولا داع إلى العصي والهراوات وأعقاب البنادق المتوافرة بكثرة، لأنّها لا تفي بالغرض، ولا تحقّق المطلوب، ولا تنفّس الكره الكامن في الصدور ضدّ شعب المقاومة.
كما أنّه ليس هناك من ضرورة لحضور فرق مكافحة الشغب وسيّارات الدفاع المدني المكلّفة أساساً بقمع المحتجين والمعتصمين بغضّ النظر عن صواب هذا الاحتجاج، وأحقّية ذلك الاعتراض، ما دام أنّ الرصاص المتفجّر يلبّي الهدف بالقتل عمداً، وكأنّه مخصّص فقط للضاحية الجنوبية، مع أنّه ليس مطلوباً على الإطلاق، أن يستعمل ضدّ الآخرين من أبناء الوطن، لأنّه يوسّع الشرخ بين الدولة وأبنائها، ويزيد مشاعر الغضب والغبن، والدولة من دون شعب ومواطنين، لا تدوم، ولا تعمّر، وتموت في وحدتها وعزلتها، وتقع ضحيّة المستعمرين والطامعين.
بينما هي ذاتها الدولة، ترى المسلّحين من "تيّار المستقبل" يلهبون الفضاء بنيران أسلحتهم غير المرخّصة وغير الشرعية، كما تبدّى المشهد خلال تشييع رئيس القسم الفني في"فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي الرائد وسام عيد في بلدته دير عمار الشمالية يوم السبت في 27 كانون الثاني/ يناير 2008، أيّ قبل يوم واحد فقط من مجزرة مار مخايل ـ الشياح، ولا تحرّك ساكناً، ولا توقف أحداً، وكأنّها مصابة بالعمى وبالطرش، لا بل تذهب إلى حدّ مشاركتهم في الفلتان الأمني والفوضى والاستفزاز، وفي استكمال استعراضهم العسكري، بإحضار رتل من الملاّلات والدبّابات إلى ميدان المواجهة في الشيّاح، وتنزل ضرباً بمن بقي من الشبّان في الشارع بدلاً من أن تنكفئ وتتراجع لتبحث عمن افتعل هذه الأحداث الأمنية وتلملم جراحات يبدو أنّه من الصعب أن تندمل في المدى المنظور.
وهي ذاتها الدولة، تشاهد مسلّحي ميليشيات سعد الحريري ووليد جنبلاط القابضين على خناقها، يتعمّدون إصابة عناصر الجيش والمواطنين في كمينهم الشهير في منطقة جامعة بيروت العربية، وقد نقلتهم وسائل الاعلام مباشرة على الهواء من ساحة الجريمة، ولم تقبض على واحد منهم، وتركت النسيان يتسلّل إلى ذاكرتها وكأنّها أيضاً لم تر ولم تسمع.
إعلام السلطة يثير النعرات
وما زاد من حالة الغليان، دخول وسائل إعلام السلطة المرئية على خطّ التأجيج والتحريض وإشعال الفتنة، وذلك من خلال العمل المقصود والمبرمج، على تضليل الحقائق، ومسارعتها إلى الحديث عن وقوع تعدّيات على الجيش وإطلاق نار عليه، واعتداءات على أبناء منطقة عين الرمّانة، واستقبال سياسيين من فرقة "الشباطيين" لينفثوا سمومهم ويقلبوا الصورة كما اعتادوا في كلّ مواقفهم، فيما الوقائع على الأرض كانت تظهر العكس تماماً.
فالمطالبون بلقمة عيش كريم إزاء الوضع الاقتصادي المتدهور، كانوا مدجّجين بالدواليب المشتعلة والمحترقة والمرمية على الطريق وفي الشوارع، ولم يقترفوا أيّة أعمال شغب، وهو ما أكّده رئيس بلدية الشيّاح ـ عين الرمانة إدمون غاريوس، كما أنّ التحقيقات الأمنية والقضائية كشفت أنّ الشخص الذي ألقى الرمّانة اليدوية في شارع المطاحن هو من عداد الجرحى المصابين السبعة، بعدما انفجرت بين يديه، بينما كانت تلفزيونات السلطة وتحديداً تلفزيونا "المستقبل" و"المؤسّسة اللبنانية للإرسال"، تسلّط الضوء على هذا الخبر على أنّه اعتداء وتناست حدوث مجزرة.
ومن المفروض ألاّ تمرّ استباحة الإعلام السلطوي للإستقرار في لبنان، في سباقه المحموم وراء تحوير الخبر وتفخيخه لزيادة الشحن المذهبي والطائفي وإثارة النعرات والحساسيات، وبما يهدّد السلامة العامة والعيش المشترك، من دون عقاب، ومن دون محاكمة مروّجي التضليل حتّى ولو تستّروا خلف شعارات حرّيّة التعبير التي لم تكن يوماً لمصلحة تفجير الوضع وقلب الحقائق وتسعير النفوس، والأهمّ على حساب سلامة الوطن.
التحقيق
وإذا كان التحقيق الجدّي والنزيه والشفّاف والواضح والصريح، ينفّس الاحتقان ويعيد الحقّ إلى أصحابه ويمنع حالات الثأر وردود الفعل ويبلسم آلام ذوي الشهداء وعائلاتهم، فإنّ المطلوب أن تظهر نتائجه بسرعة قصوى تحدّد المسؤوليات وتعاقب المرتكبين والمقصّرين، مهما علت رتبهم العسكرية والحماية السياسية المعطاة لهم، وهذا ما وعد به قائد الجيش العماد ميشال سليمان في لقاءيه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله، باعتبار أنّ هذه الأحداث تسيء إليه كقائد للجيش وكشخص يستعد لتولّي رئاسة الجمهورية.
وقد تشكّلت لجنتان الأولى محض عسكرية برئاسة العميد أحمد قاسم، والثانية عسكرية قضائية برئاسة معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي رهيف رمضان، ومهمّتهما التحقيق مع العسكريين التابعين للفوج الخامس الذين كانوا في مسرح المجزرة وشارك بعضهم في ارتكابها.
وتكشف مصادر مطلعة على التحقيق أنّه جرى نقل الضابط المسؤول، وقيل إنّه مقرّب من إحدى ميليشيات قوى 14 شباط/ فبراير، إلى موقع آخر، بعد مظاهر الاستفزاز التي ظهرت في محلّة السان تريز وقرب كنيسة مار مخايل والاعتداء على المواطنين والصحفيين.
وجرى توقيف أحد "القنّاصين" الذين شاركوا في القتل ممن كانوا "متمترسين" على سطوح بعض المباني في محلّة عين الرمّانة، مع كامل عدّته القتالية حيث كان مزوّداً ببندقية قنّاصة تحمل ناظوراً ولايزراً، ولم يكن قد تبقّى معه من المخازن الموجودة بحوزته سوى طلقة واحدة، وهو يدعى ر.أ. وينتمي إلى إحدى الميليشيات "الشباطية" المعتادة على مناخات الترهيب والحرب والذبح والقتل.
واستشهد في إطلاق النار الغزير والكثيف في محلّة مار مخايل سبعة شهداء هم: محمود عبد الأمير منصور من لجان الانضباط في حزب الله، والمسعف في الهيئة الصحية الإسلامية مصطفى علي أمهز (مواليد 1974)، وأحمد حمزة حمزة (كان يتولى التنسيق مع الجيش اللبناني)، وعلي العجوز وكلاهما من حركة أمل، ويوسف مصطفى شقير، ومحمود علي حايك، والمسعف في "هيئة الاسعاف الشعبي" جهاد منذر الذي توفي متأثراً بجراحه، كما أصيب عدد من المواطنين بجروح مختلفة.
وأظهرت نتائج معاينات الطبّ الشرعي للشهداء السبعة أنّ الإصابات حصلت بمعظمها، في الرؤوس والقلوب والصدور والظهور، أيّ من أعلى إلى أسفل، وكأنّ الدولة لم تعد تقتنع بالإصابة في الأرجل في زمن وضعت فيه كلّ مقوّمات الدولة تحت الأرجل!!.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008

2008-02-01