ارشيف من : 2005-2008
الشهيد مصطفى أمهز.. المسعف الذي أسقطه رصاص الغدر
في غفلة منا يختطف الغدر من حمل في قلبه المحبة لكل الناس، فسكن آلامهم يخدمهم بأشفار عيونه، من دون أن يميز بين صديق أو خصم. إنه "دماء" الذي إن كنا ننتظر شهادته، فعلى تلال وربى جبل عامل التي تشهد على شجاعته وإقدامه في عمله الإنساني المقدس، مسعفاً ومضمداً جراح المجاهدين ومبلسماً آلامهم، وحامياً لأهل المقاومة من قنابل العدو العنقودية، فجاءته الشهادة ممن يفترض أنهم أبناء الوطن وحماته. رصاصات غدر حاقدة انطلقت لتصيب قلب أحبائه قبل أن تمزق قلبه العطوف، فأحدث دويها صمتاً وذهولاً، حتى تخيلنا برهة أننا غرباء عن هذا الوطن.
ولكم كان يفخر مصطفى ويعتز بأن الهرمل أصبحت مدينة الشهداء، ولكم نقل إليها من جثامين طاهرة لأحبته وإخوانه، وكان يمنّي النفس أن يحمل إخوانه في الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية جثمانه الطاهر بعد شهادة في مواجهة مع العدو، فحصل ما تمنّى، ولكن خلال قيامه بواجبه الإنساني في تضميد جراح من كانت تستهدفهم رصاصات الغدر، وعاد مرفوعاً على الأكف إلى مسقط رأسه، إلى البيت المتواضع الذي تربى فيه، الذي حمل ذكريات سنيه الثلاث والثلاثين، في ظل عائلة متدينة مؤمنة.
بداية الشهيد مصطفى كانت مع كشافة الإمام المهدي (عج)، ومنذ أن بلغ الحلم عشق خدمة الناس، فحمل دمه على كفه، يطيب خاطر المرضى ويبلسم آلام الجرحى.. فتطوع في جهاز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية من العام 86 إلى العام 91، وبـ"رضانا لأننا نحب هذا الطريق، طريق الكرامة"، يقول والد الشهيد ويضيف: "كان الحاج مصطفى طيب القلب، يطلب دائماً الرضا مني ومن والدته، وكل أهل الهرمل يعرفونه لخدماته، ويساعدهم حينما يحتاجون لذلك في بيروت دون أي تمييز".
تابع والد الشهيد: "نحن نؤيد حزب الله بكل ما للكلمة من معنى، وطريقه طريق الكرامة، طريق الإمام الحسين (ع)، ونحن أربعة في المنزل، مستعدون للتضحية في هذا الطريق". وطالب بأن يأخذ التحقيق مجراه في الجريمة بأسرع وقت ممكن، لأننا لا نقبل بهذا العمل الوحشي.
وتقول والدة الشهيد: "كان مصطفى منذ طفولته لا يحب الشواذ ولا الاعتداء على أحد، وإذا كان له حق يأخذه بالحق، وكان معروفاً بنخوته وشهامته".. مؤكدة أن "هذا الطريق طريق الكرامة، وإذا سمحوا للنساء بالجهاد سأحمل السلاح وأنضم الى المجاهدين".
زوجة الشهيد التي واكبت مسيرته قالت: "إن الشهيد "دماء" كان كثير الغياب عن المنزل، لأنه كان يقدس عمله ولم يكن يتأخر عنه، ويضعه في المرتبة الأولى من حياته، وكان يلبي كل ما يطلب منه، وكان دائماً يتمنى الاستشهاد. وقد شارك من خلال عمله في مواجهة حروب "إسرائيل" العدوانية، في نيسان 93 وتموز 96 وتموز 2006، وأيام التحرير عام2000، وأسعف أعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين تحت الخطر. حتى أنه في عدوان تموز وفي المواقع المتقدمة زحف مسافة طويلة مغطياً نفسه بالحشيش تحت القصف لإنقاذ الجرحى أو نقل الشهداء. لقد أطلقت عليه ثلاث رصاصات اخترقت درعه الواقي أثناء محاولته إنقاذ جريح، في إضراب 23 كانون الثاني في بيروت".
وتلفت زوجة الشهيد إلى أن "مصطفى كان يدرب في المدارس والجامعات طرائق الإسعاف وإزالة الألغام والقنابل العنقودية التي خلفها العدو الصهيوني في عدوانه، وكان يحاضر أيضاً في ندوات حول هذه المواضيع، وكان يخدم الناس حتى خارج نطاق عمله، ويهب لمساعدة من يحتاج الى المساعدة". وتتطرق زوجة الشهيد إلى جانب آخر في حياته: "لقد كان يؤلف ويخرج بعض المسرحيات، ويقدمها للعرض في المدرسة التي أعمل بها، وكانت تلاقي الإعجاب من مشاهديها".
وهنا يتدخل محمد ابن الشهيد (9 سنوات) في الحديث عن والده فيقول: "كان البابا من المجاهدين، وأوصانا بالسير على طريق الجهاد، في خط الإمام الحسين (ع)". أما ساجد (6 سنوات) فيقول: " كان البابا بطلاً، ويعلمنا على الجهاد ومقاومة إسرائيل". أما جواد (8 سنوات) ابن شقيقته فيفخر بخاله الذي كان يخدم الناس ويعاهده على البقاء في خطه.
وأنت تودع عائلة شهيد، تشعر بأن معنوياتهم تعانق السماء، لأنهم يعرفون معنى الشهادة التي ينكرها البعض عليهم، ويدركون أن لا فرق بين من قضى برصاص العدو الجبان أو برصاص قناص غادر أو حاكم حاقد.
غسان قانصوه
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008