ارشيف من : 2005-2008
مصير المبادرة العربية يتوقف على نتائج التحقيق في مجزرة مار مخايل
استمرت الساحة الداخلية في حال من عدم الاستقرار تنبئ بأن الحلول لا تزال بعيدة عن متناول اللبنانيين، وظهر ذلك نتيجة العديد من المؤشرات الداخلية والإقليمية مؤخراً. فعلى الصعيد الداخلي كانت الجريمة الكبرى التي حصلت عند تقاطع مار مخايل في الضاحية الجنوبية وأدت إلى سقوط سبعة شهداء وعشرات الجرحى من المحتجين على انقطاع الكهرباء.. وهي الجريمة التي لولا وعي القوى السياسية المعنية التي ينتمي الشهداء والجرحى إلى جمهورها في تجنب الرد عليها لكانت الأوضاع اتخذت منحى آخر، لكن هذه القوى تنتظر الآن نتائج التحقيق لتحدد موقفها على أكثر من مستوى. وعلى الصعيد الإقليمي شكلت نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب الأحد الماضي في القاهرة مؤشراً إلى حال من المراوحة العربية تجاه لبنان، حيث رُمّمت المبادرة العربية من التشققات التي أصابتها جرّاء التفسيرات المنحازة من قبل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لبندها الثاني، وباتت المعادلة عدم اعلان الفشل النهائي للمبادرة.. وبالمقابل لا تفعّل بما يؤدي إلى تحقيق الحل المنشود على الساحة المحلية.
هذا وبدا للمتابعين أن "خيطاً سميكاً" بات يربط بين مستقبل المبادرة العربية ونتائج التحقيق في جريمة مار مخايل، وهو ما أخّر عودة عمرو موسى إلى بيروت ريثما تكون نتائج التحقيق قد ظهرت. وبرز هذا المنحى بشكل لا لبس فيه في البيان الذي صدر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إثر اجتماعه الاستثنائي يوم الثلاثاء الماضي لتدارس تداعيات مجزرة مار مخايل، حيث ربط بين مستقبل العملية السياسية في البلاد ونتائج التحقيق وطريقة التعامل مع جريمة الأحد الأسود.
وفي هذا السياق ترى الأوساط المتابعة ان عدم صدور تحقيق شفاف "يحمل المسؤوليات" و"يحاسب المتورطين" سوف يؤدي إلى احراق ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية ويخرجه عن كونه مرشحاً توافقياً، وبالتالي يكون البند الأول من المبادرة قد سقط وبات على القوى السياسية التوافق على مرشح آخر يحظى بإجماع وطني. وفي هذا السياق بدا واضحاً أن مصداقية قيادة الجيش باتت على المحك وصورتها الوطنية باتت محل تشكيك لدى جمهور واسع من المعارضة، لا سيما جمهور المقاومة، خصوصاً أن هذه المجزرة هي الرابعة في الضاحية الجنوبية بعد مجازر وجرائم جسر المطار وحي السلم والرمل العالي. وترى الأوساط المتابعة أن قائد الجيش بإمكانه ترميم صورته الوطنية وكونه ضامناً للوحدة الوطنية من خلال خروج التحقيق الذي يقوم به الجيش بنتائج شفافة تكشف المتورطين بجريمة مار مخايل، سواء كانوا من داخل الجيش أو يتبعون لجهات سياسية، وبغير ذلك يكون كمن أوقع نفسه في الكمين الذي نُصب له.
هذا وترى بعض الأوساط المتابعة أن ما جرى يوم الأحد الماضي في مار مخايل كان يتجاوز كل الخلفيات التي جرى الحديث عنها من احداث فتنة شيعية مسيحية وضرب التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، إلى وضعه في خانة المخطط الاميركي الصهيوني الذي يهدف إلى التغطية على تداعيات تقرير فينوغراد في كيان العدو، هذا المخطط الذي كان بدأ بتماهي فريق السلطة مع وجهة نظر العدو بشأن ملف الأسرى وتحويله إلى حالة سجال داخلية بدل أن يكون بين المقاومة والعدو، وظهر ذلك في الحملة التي شُنت على خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في العاشر من محرم. وتشير المصادر إلى أن هذا المخطط كان يراد استكماله من خلال ايجاد صدام بين الجيش والمقاومة عبر ما جرى في الضاحية الجنوبية، وهو مخطط كاد يُكتب له النجاح لو حصل رد فعل فوري على المجزرة، لكن الحكمة التي تحلى بها كل من حزب الله وحركة أمل فوتت على المتربصين هذا المخطط.
"الاجتماع الوزاري العربي"
على صعيد اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي حصل الأحد الماضي فإنه أفضى بحسب الأوساط المتابعة إلى بعض النتائج، ومنها:
أولاً: الإطاحة بالتفسير المنحاز للمبادرة من قبل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وإعادة الغموض البناء للفقرة الثانية.
ثانياً: لم ينجح المحور العربي المحسوب على المحور الاميركي الذي تتزعمه كل من مصر والسعودية في فرض وجهة نظره، وبالتالي فشل في محاولة تحميل المعارضة وسوريا مسؤولية عرقلة الحل في لبنان، حيث ساندت عدة دول عربية بينها الجزائر وقطر وجهة النظر السورية، المؤكدة أن الحل يكون لبنانياً على أساس "لا غالب ولا مغلوب".
ثالثاً: تكريس حالة من المراوحة في العلاقة العربية التي تؤمن التحضير الهادئ للقمة العربية المقررة نهاية آذار في دمشق، بغض النظر عما يمكن أن تسفر عنه من اتفاقات أو مستوى التمثيل العربي فيها.
رابعاً: اعادة اطلاق تحرك أمين عام الجامعة العربية تجاه بيروت، وهو ما سيتبلور خلال الساعات والأيام المقبلة. وفي هذا السياق أكدت المعارضة انها لا تزال على تفويضها العماد ميشال عون التفاوض مع فريق السلطة. وعليه يتوقع حصول جولة جديدة من المحادثات على مستوى لقاء رباعي اذا عاد عمرو موسى إلى لبنان. لكن التوقعات لا تشير إلى أن حلولاً تلوح في الأفق عشية موعد الجلسة النيابية المحددة في الحادي عشر من شباط الحالي. ولا تعوّل المعارضة كثيراً على مواقف موسى التي تحدث فيها عن أن الجلسة المقبلة هي الموعد النهائي لانتخاب الرئيس، وإلا فسيكون هناك موقف آخر للعرب. وتقول ان الحل يكون متكاملاً أو لا شيء جديد في المدى المنظور، وهي مستعدة للتحمل والصبر ولديها برنامجها وخطتها الجاهزة للتحرك في الوقت المناسب اذا وصلت المبادرات إلى طريق مسدود. وهي ـ أي المعارضة ـ ليست معنية بالوقوف "متفرجة" على أخذ فريق السلطة البلد إلى الهاوية خدمة لأجندة جورج بوش الفوضوية التي تسبق خروجه من البيت الأبيض مطلع العام المقبل، وسيكون لها خطواتها العملية للحفاظ على الوطن ومقوماته.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008