ارشيف من : 2005-2008
إقرار بعجز وفشل الجيش الأقوى أمام بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله
برغم اقراره بمرارة الحقيقة ومدى تأثيرها على "اسرائيل" واصدقائها في المنطقة والعالم، وبرغم التفاته الى اهمية نظرة المحيط الى "اسرائيل"، وبرغم الابعاد السياسية والمعنوية والاستراتيجية الكامنة في هذا الاعتراف، اقر تقرير لجنة فينوغراد للتحقيق في فشل القيادتين السياسية والعسكرية خلال العدوان على لبنان في تموز عام 2006، بأن "اسرائيل لم تنتصر" على بضعة الاف من مقاتلي حزب الله برغم تفوق الجيش الاسرائيلي المطلق وتحليه بمزايا عديدة لمصلحته.
وصف تقرير فينوغراد الحرب التي شنها جيش العدو على لبنان بأنها حرب بادرت اليها "اسرائيل"، اي ان هذه الحرب لم تفرض عليها فهي لا تُصنف من نوع حروب اللاخيار، التي لا تجد "اسرائيل" امامها خيارات اخرى بديلة عنها. وفي هذا المجال كان التقرير واضحا ومحددا عندما قال ان خيارات "اسرائيل" كانت بين القيام برد محدد على عملية الخطف "بما دون التصعيد" او البدء بعملية يمكن ان تتدهور الى حرب. ولكنها اختارت المبادرة بالخروج الى عملية هدفها ضرب حزب الله بشكل نوعي وتغيير قواعد اللعبة على الجبهة اللبنانية. الا ان النتيجة، بحسب التقرير، انه لم يكن هناك حسم لمصلحة الجيش ولا حتى "بالنقاط"، في اشارة الى ما سبق ان ادعاه رئيس الاركان السابق دان حالوتس عندما قال ان الجيش الاسرائيلي انتصر على حزب الله بالنقاط.
وبرغم المواربة التي لجأ اليها التقرير الا انه اقر بوضوح بأن "اسرائيل لم تنتصر" في الحرب من الناحية العسكرية. وعدد بعضا من مصاديق الفشل الاسرائيلي الذي تمثل باستمرار اطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية حتى اللحظة الاخيرة من الحرب. وبأنها لم تتوقف الا بعد دخول الاتفاق حول وقف العمليات القتالية حيز التنفيذ. وصمود بضعة الاف من مقاتلي حزب الله لاسابيع طويلة امام الجيش الاقوى في الشرق الاوسط، برغم تمتع الاخير بتفوق جوي مطلق، ومزايا اخرى من ناحية الحجم والتكنولوجيا. وتحدث التقرير عن الاثار الخطيرة لهذه النتيجة على "اسرائيل" سواء "بنظرنا، مثلما هو ايضا بنظر اعدائنا، وجيراننا واصدقائنا في المنطقة والعالم". كما اعتبر التقرير ان اضطرار المستوطنين الصهاينة الى النزوح داخل "بلدهم" دليل على عجز الجيش عن تأمين الحماية او الامن لهم. وربط التقرير بين فشل الجيش في تأمين الحماية للجبهة الداخلية للكيان وبين مفهوم الامن القومي الاسرائيلي التي تشكل هذه المسألة احد عناصره الاساسية.
وعبر التقرير عن الاثار الاستراتيجية الخطيرة لعدم قدرة "اسرائيل" على مواجهة تحدياتها او الاخطار التي تواجهها بالحل العسكري. وقال إن صحة مقولة "لا يوجد حل عسكري" تعني ان "اسرائيل" لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة. وشدد على ضرورة ان تكون نظرتها الى نفسها فضلا عن نظرة محيطها اليها على انها تملك القدرات العسكرية التي تمكنها من الحاق الهزيمة بكل من يهددها.
واقر التقرير ايضا بدور سلاح الصواريخ في تحديد مسار الحرب ونتائجها عندما تحدث عن انه "للمرة الاولى تتعرض فيها الجبهة الداخلية الشمالية (من خط الخضيرة وشمالا) لهجوم بالصواريخ البعيدة والقصيرة المدى، بشكل لم تشهد مثيلا له وطوال الـ34 يوما". واعتبر انه كان لهذا الامر "دلالة كبيرة سواء تجاه تقدير تخطيط الحرب، او تجاه تقدير نتائجها او فيما يتعلق بالحاجة المستعجلة الى دراسة نقدية واجراء الاصلاحات".
وحدد التقرير ان القوات البرية، والجيش كله لم ينفذ، وفق كل المعايير والتوقعات الواقعية، المهام التي أوكلت اليها في حرب لبنان الثانية. واقر ايضا بحقيقة مؤلمة جدا لكل جيش في العالم وهي ان الجيش سيطر عليه هم كيفية تجنب وقوع الاصابات في جنوده، على حساب الالتزام بالمهام الموكلة اليه، واوضح ايضا انه كان لهذه المسألة تأثير كبير على سيرورة التخطيط والاعتبارات العملانية.
اصدر التقرير حكمه المبرم بفشل النظرية القتالية التي تبناها رئيس الاركان دان حالوتس خلال الحرب وهي التي ترتكز على شن هجمات مكثفة بالنيران عبر سلاح الجو. واعتبر ايضا قرار العملية البرية الواسعة التي شنها الجيش في اليومين الاخيرين من الحرب بأنه كان تقريبا ضروريا، برغم انها لم تحقق اهدافها. ووصف الاعتبارات التي انطلق منها اولمرت وبيرتس في مواقفهما بأنها كانت منطلقة من الشعور بالإخلاص لدولة "اسرائيل" ولكل منهما اعتباراته المعتبرة.
كما وصف التقرير القرار 1701 بأنه انجاز سياسي للحرب ولكنه كان صريحا بأن ذلك لم يتحقق نتيجة العمليات العسكرية التي قام بها الجيش: "لم نجد علاقة سببية ضرورية، مباشرة، بارزة وناجعة بين العملية العسكرية وبين الانجاز السياسي" في اشارة الى ان هذا الامر تحقق بفعل هيمنة الولايات المتحدة على قرارات مجلس الامن الدولي. وكان لافتا اشارة التقرير الصريحة الى وجود شعور قوي في صفوف الجمهور بالانكسار والخيبة من نتائج الحرب وأسلوب ادارتها".
كما كان صريحا في حديثه عن ان التقرير سيتضمن امورا تفرح اعداء اسرائيل وتحزن اصدقاءها، فضلا عن امكانية تأثيره خوفا ويأسا، وهو ما يدفع الى التساؤل عما يتضمنه الجزء السري من التقرير الذي سلم لشخصيات محددة في الكيان.
جهاد حيدر
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008