ارشيف من : 2005-2008
هزات ارتدادية متوقعة برغم ضغوط واشنطن لمنع نشر أسماء لبنانية وعربية ضالعة في الحرب
حبس إيهود أولمرت، ومعه أركان حكومته وحزبه "المتهالك كاديما"، أنفاسه طيلة ثمانية عشر شهراً بانتظار صدرو تقرير القاضي "إلياهو فينوغراد" ليبني على الشيء مقتضاه، فإما أن يقرر الاستمرار بما تبقّى من عمر حكومته أو توضيب متاعه والرحيل. ولكن أولمرت قرر البقاء بعد أن استهلك آخر قطرة من ماء وجهه وتاريخه السياسي، لأنه يعلم بأن رحيله لن يكون طبيعياً بل سيؤرخ لانتهاء حقبة سوداء من تاريخ الكيان الإسرائيلي، وسقوط آخر في سلسلة انهيارات امبراطورية القوة التي بدأت فعلياً منذ العام 1993 مع فشل ما سمّي "تصفية الحساب" مروراً بـ"عناقيد الغضب" عام 1996 وصولاً إلى عدوان تموز عام 2006.
خيبة كبيرة وخلل خطير
إنها "خيبة كبيرة وخطيرة، يتحمل مسؤوليتها أساسا الجيش، وشارك فيها الضعف الذي أبداه المستوى السياسي"، هكذا لخّص "فينوغراد" تقويمه لما جرى في حرب لبنان الأخيرة، وبات معلوماً أن تدخلات وضغوطا كبيرة قامت بها جهات داخلية سياسية وعسكرية وأمنية إسرائيلية، وساندها الثقل الكبير للإدارة الأميركية ليأتي وقع التقرير مخففاً بالصيغة التي صدر بها، إلا أن التقرير بصيغته المعدّلة مرات ومرات لم يستطع التغاضي عن مكامن الخلل الخطير الذي يرخي بظلاله على مجمل التركيبة التي بنيت عليها "دولة إسرائيل". حزب الله انتصر ببضعة آلاف من مقاتليه على أقوى جيش في المنطقة مدعوماً بأقوى التكنولوجيات الاستخبارية والتدميرية، ويحظى بأكبر مظلة تغطية سياسية ودولية في التاريخ، ولكن هذا الجيش ـ الدولة سقط في امتحان لبنان أمام مقاومة حزب الله المؤلف من بضعة آلاف من المقاتلين، من دون أن يتمكن الجيش الأسطورة من تحقيق تقدم ميداني يعطيه فرصة لتسجيلها في كتاب نجاحاته "المعتادة" في حروبه مع العرب.
إسرائيل بادرت إلى الحرب
تضمن التقرير اعترافاً صريحاً بأن "إسرائيل" هي التي بدأت الحرب من دون أي مبرّر حيث جاء فيه: "لقد خرجت إسرائيل إلى حرب طويلة بادرت هي إليها، وانتهت من دون أن تنتصر بها إسرائيل بشكل واضح من الناحية العسكرية". وهذا يدحض مقولة الشباطيين وروّاد لغة التخاذل بأن حزب الله تسبّب في هذه الحرب، وجرّ على لبنان الدمار والقتلى، مع العلم أن قيادة المقاومة أكّدت في كل مناسبة أنها مستمرة في المواجهة ما دام هناك شبر محتل من الأراضي اللبنانية وأسير في سجون الاحتلال، وحرص سماحة السيد حسن نصر الله على التأكيد مراراً وتكراراً خلال العدوان على أننا "لا نريد الحرب، ومستعدون لوقف المعارك شرط أن تسحب إسرائيل قواتها وجنودها من لبنان".
أثبت التقرير، من خلال إشارته إلى التباين الذي حصل بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية وأثره في الهزيمة، معادلة مقابلة في الجانب اللبناني ساهمت في الانتصار، وتمثلت في الاحتواء الشعبي العارم لنتائج الحرب على المستوى الانساني والإصرار على تبني خيار المقاومة، فضلاً عن الالتحام القوي بين المقاومة والجيش. وهذه رسالة يجب أن يفهمها دعاة التقسيم والتفرقة المذهبية والطائفية في لبنان اليوم، من أن إصرار حزب الله والمعارضة اللبنانية على اعتماد حكومة وحدة وطنية والمشاركة في القرار السياسي ومكوّنات الحكم من شأنه تصليب موقف لبنان إزاء رياح الفوضى الأميركية البناءة.
هزات ارتدادية على لبنان
من الطبيعي أن يترك هذا الاعتراف الإسرائيلي انعكاساته على المستوى اللبناني، ولنا أن نستشعر الهزات الارتدادية للزلزال الذي أحدثه هذا التقرير في الفترة المقبلة، سواء على الداخل الاسرائيلي أم على الداخل اللبناني، مع أن "فينوغراد" التزم بتوصيات حازمة بمنع تضمين تقريره أسماء شخصيات إسرائيلية للحيلولة دون فتح مسارات قضائية في غنى عنها، فإنه أيضاً لم يورد أسماء شخصيات لبنانية وعربية كانت ضالعة في الإعداد والاتصال والتغطية على الحرب الإسرائيلية، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى إحداث هزة أخرى ستؤدي إلى ضرب الجبهة الأميركية ـ الإسرائيلية في القاطع اللبناني، وبالتالي استكمال عناصر انتصار حزب الله.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1252 ـ 1 شباط/ فبراير 2008