ارشيف من : 2005-2008
أبو جمرة وسويد وغدار يقرأون تقرير "فينوغراد" ونتائجه
العاصفة التي أحدثها التقرير النهائي للجنة فينوغراد والتي ضربت أركان الكيان الصهيوني وهزت أسسه، ستستمر تعصف الى زمن غير محدد. فهذا الكيان الذي ما زال مصدوما بهزيمة "الجيش الذي لا يُقهر" أمام " بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله" في حرب تموز، تلقى هزيمة كبرى عندما أعلن التقرير بصريح العبارة " هزيمة اسرائيل".
ومنذ أن وضع "فينوغراد" أحرفه الأولى في عهدة الاعلام لم تهدأ التحليلات السياسية والعسكرية في تبيان معالم الهزيمة التي مني بها العدو ونص عليها التقرير، وآثارها الاستراتيجية برغم اعترافه بأن هو من بادر إلى الحرب.
وللوقوف على نتائج التقرير وآثاره الاستراتيجية على مجمل الصراع مع العدو الإسرائيلي توجهت "الانتقاد" بأسئلتها الى ثلاث شخصيات لبنانية هم: القيادي في التيار الوطني الحر اللواء المتقاعد عصام أبو جمرة واللواء المتقاعد الدكتور ياسين سويد ورئيس المؤتمر الوطني الدائم لدعم خيار المقاومة الدكتور يحيى غدار.
إعداد: حسين عواد
أبو جمرة: حرب تموز أحيت النفوس البائسة وشجعت النفوس الخائفة
يهزأ القيادي في التيار الوطني الحرّ اللواء عصام أبو جمرة من الذين لا يزالون يصرون على "ان السبب المباشر لحرب تموز هو خطف جنود إسرائيليين من قبل المقاومة"! فيصحح خطأهم بالقول: "ان عملية الخطف كانت قميص عثمان لحرب كانت أميركا و"إسرائيل" تخططان وتحضران لها بهدف نزع سلاح حزب الله
بالقوة، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي كان مقاتلو حزب الله أو جيش "إسرائيل" يتحرش أحدهما بالآخر ضمن حدود لعبة التحرش. وتأكد بعد الحرب أن "إسرائيل" لم تحقق الأهداف التي شنت الحرب من أجلها، سواء لناحية نزع سلاح حزب الله أو ابعاده شمال نهر الليطاني، ولا حتى بقاء جيشها جنوبه. أضف إلى ذلك ما تكبده جيش "إسرائيل" من خسائر بشرية وفي العتاد، وما أصاب شعب "إسرائيل" في العمق من هلع وخسائر نتيجة ما أصاب عمقها من صواريخ للمرة الأولى منذ نشأتها.. كل ذلك برغم تفوق جيشها المطلق في الجو والبحر، والتفوق المعروف في تجهيز جيشها بسلاح البر".
وإذا كان "لافتا في تقرير فينوغراد واقعيته" على حد قول أبو جمرة، فاللافت أكثر برأيه "جرأة اللجنة التي وضعته في عرض وقائع واستنتاجات حرب شنتها السلطة الحاكمة على لبنان وهي ما زالت في الحكم".
أما الحديث عن ان "إسرائيل" بصدد التحضير لحرب جديدة، فبرأي أبو جمرة "مستبعد في الأمد القريب برغم بعض العراضات لتغطية ما أصاب جيشها في معنوياته، وبرغم تصاريح دولة السنيورة وتحذيراته المبطنة، لأن "إسرائيل" تعلم جيداً ان المقاوم اللبناني أصبح أكثر خبرة ومعرفة وأقل خوفاً من هجماتها الجوية والبحرية
والبرية، وأن مدنها ما زالت بمتناول أيدي من تواجه على أرض لبنان من جيش وشعب".
ويؤكد أبو جمرة: "لقد كانت لحرب تموز آثار مهمة جداً في الصعيد العربي كما في لبنان، فأحيت النفوس البائسة وشجعت النفوس الخائفة وزادت همة وعزماً النفوس القوية الساعية لاستكمال فرض سيادة لبنان على كامل أرضه، وتثبيت حق من تركوا بلدهم تهجيراً وأسراً بالعودة إلى بلدهم".
سويد: انتصار مجيد حققته المقاومة على العدو الذي لا يُقهر
يقول اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد انه "لا يستطيع أن يبدي رأياً كاملاً في تقرير لم ينشر إلا بعضه، فالتقرير الذي استوعب خمسمئة صفحة كما قيل لم ينشر منه إلا بضع صفحات، وذلك غير كاف!".
وسويد الذي لم يشك بـ"الانتصار المجيد الذي حققته المقاومة الإسلامية على الجيش الذي لا يُقهر"، وجد من المفيد "ان لا ننتشي بهذا النصر إلى درجة أن نغيب عن وعينا، لأن العدو الإسرائيلي أجرى تحقيقاً في أسباب الفشل وهو يستعد للانتقام تعويضاً عما أصابه، بينما نتلهى نحن بانقساماتنا وبحروبنا الداخلية التي لا تنتهي إلا
بتدمير الكيان على من فيه".
ويجزم بـ"ان العدو الإسرائيلي الذي خاض ضد العرب حروباً متعددة كان فيها المنتصر دوماً لن يتغاضى عن هذه الهزيمة رفعاً لمعنويات شعبه وجيشه، ما يجعلنا نصر على إدخال المقاومة ضمن المنظومة الدفاعية عن لبنان تحسباً لأي اعتداء. وقد سبق ان وضعنا مشروعاً لاستراتيجية دفاعية تحتل المقاومة فيها دوراً بارزاً ووزعناه على جميع نواب الأمة ونشرته بعض الصحف، إلا ان ما جرى في لبنان منذ عام بين الموالاة والمعارضة شل كل تفكير بمستقبل هذا البلد. ويمكنني القول انه لو كان لدى أولمرت ذرة من تفكير بعيد ورؤية مستقبلية لما سعى الى حرب مع لبنان، إذ ان اي حرب ضد لبنان يمكن ان تعيد اللحمة والوئام بين اللبنانيين، أما إذا بقي "يتفرج" على المشهد المأساوي الذي نعيشه اليوم فمن المحتمل أن يشهد تدميراً لهذا الكيان يغنيه عن أي حرب".
ويعتقد سويد "ان نتائج استراتيجية كارثية لا يمكن أن تترتب على العدو الإسرائيلي من جراء هزيمته في حرب تموز، لأنه قادر بما لديه من وعي ويقظة وإصرار على البقاء وتجاوز هزيمته، وهو يعيد بناء قواته ويسترد معنويات جيشه وشعبه، ويتعهد بمحاربتنا من جديد"، إلا أن المشكلة تكمن في رأيه "في أننا ـ نحن المنتصرين ـ لم نقدّر هذا الانتصار ونأخذ منه الدروس والعبر، فنتحد ونتألف ونعمل جميعاً لما فيه خير هذا الوطن، لا ان نسعى لأغراض وأهداف خارجية إلى تدميره والقضاء عليه".
غدار: "فينوغراد" مؤشر لأزمة وجود يعانيها الكيان الصهيوني
القراءة الموضوعية لتقرير "فينوغراد" ـ وفق ما يراها ـ رئيس المؤتمر الوطني لدعم خيار المقاومة الدكتور يحيى غدار "تضعنا أمام مفصل تاريخي للصراع العربي ـ الصهيوني، لا سيما أن الدلالة الواضحة والأكيدة للتقرير تشير الى أزمة مصير بل أزمة وجود يعانيها الكيان الصهيوني نتيجة حرب تموز التي أتت عليه بالإخفاقات الخطيرة على كل المستويات، وبخاصة العسكري والسياسي. كما ارتدت عليه بالعواقب الاستراتيجية عامة".
وما يهم غدار من اللجنة "برغم ما يحكى عن ديمقراطيتها (..) أن حرب تموز قد خطّت بثقلها ورحالها على الكيان الصهيوني الذي كان مموهاً ومفاخراً بالحروب الاستباقية، وقد كشفت المقاومة حقيقته، وفضحته الهزيمة وبينت مدى إصابته بداء النظام الرجعي العربي عن طريق محاولة تحويل الهزيمة إلى انتصار، وإلا فما هو
مدى تفسيرات استئثار أولمرت بالسلطة برغم مرور أكثر من عام ونصف العام على الزلزال"؟
ويرى أن "تعليق السنيورة وحكومته المُعاقة على تقرير فينوغراد بقولها ان "إسرائيل" تحضّر لحرب جديدة على لبنان، يدخل في باب التمنّي بأن يحصل، وهذا دون أدنى شك خيار الخائبين المتوهمين أن يتبدل الفشل الذريع الإسرائيلي إلى "حلم الكابوس" بالنصر على المقاومة".
ويضيف: "لقد كان أولى بالسنيورة "الأبتر" وفريقه المتهكم أن يأتي تعليقه على التقرير أقلّه: الاعتبار من عبرة الإدانة لأصدقائه رموز الهزيمة بشهادة أهلهم، وهذا ما ينتظره وأمثاله، بدل التمترس على محطة الانتظار المشين متمنياً إعادة كرّة التدمير لبلده وشعبه وعدم السير إلا بإشارة! وعلى وقع المشروع الاميركي ـ الصهيوني.. كما كان الأحرى به أن يخجل وحكومته "الكاريكاتورية" من "رثاثة" سلطته التي أضاعت فرصة تاريخية في أعقاب النصر التاريخي للمقاومة، بدل الانشغال بالتآمر عليها".
ويصحح غدار مفهوما استراتيجيا مهما "انطلاقاً مما يحاول التمويه والترويج له الكثير من أشباه المثقفين وموظفي السلطات بأن "إسرائيل" باتت أمراً واقعاً وأن الصراع العربي الإسرائيلي مجرد صراع على الحدود ـ في الوقت الذي رفض الكيان الصهيوني وما زال منذ نشأته ترسيم حدود له بدافع الغزو والهيمنة ـ فإن الصراع بمنظورنا بالمطلق صراع وجود، وهذا ما لا يخالفه الصهاينة حيث أطلقوه على ألسنتهم أكثر من مرة خلال حرب تموز. من هذا المنطلق يتأكد مفهوم استراتيجية الصراع ضد الكيان الغاصب والعمل على مقاومته باعتباره "شر مطلق" و"غدة سرطانية"، وقناعة منّا أن "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة"، وعليه فإن "بواكير الآثار الاستراتيجية لحرب تموز ونتائجها تمثلت بإعادة تركيز وتثبيت بوصلة الصراع مع العدو على قاعدة " خيار المقاومة" الذي أرسى قواعد اللعبة وكبح جماح الاميركي ـ الصهيوني وردعه عن تمرير مشاريعه المشبوهه تحت مسميات متباينة وفي ظل تسويات انتقائية ودائماً لمصلحة الكيان الغاصب التي لم تأتِ على الأمة منذ اغتصاب فلسطين إلا بالويل والثبور والتسويف والنهب والسلب لمقدرات الأمة وثرواتها، والتعديات المتلاحقة والإرهاب والتخطيط لمحو القضية والهوية والعبث بالمصير والوجود".
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008