ارشيف من : 2005-2008
موشحات دموية
كتب نصري الصايغ
1 - ذئاب
لون الدم أحمر، ولون الخط أحمر. لماذا لم يرسم للدم خط من لونه؟ لماذا ترك مباحاً للأسود؟ لماذا ينزلق على الأسود؟
لون الدم أحمر قان، ولون الحقد أسود، من أباح رسم الخطوط الحمر على كل "الممنوعات المحظية"، وترك المدنيين يتامى في الشارع للحقد الأسود!
لون الدم أحمر مثل الفجر، فمتى نورّثه ورداً وعطراً؟ ومتى نتوقف عن توزيعه دموعاً ومناديل وآهات وأمهات يتشحن بالسواد، وأخوات يقرعن صدورهن حزناً، وآباء ينزلون باكراً إلى شيخوخة القهر؟
لون الدم أحمر مثل أمل يانع، يا الله، كم يأساً بلغنا وكم أملاً غدرنا، من نذر أولادنا قرابين مجانية؟ من قال إن الرسم بالرصاص على الأجساد بطولة والقتل جرأة والموت عقاب؟
بلاد سائبة للحقد، ودماء سائبة على الطرقات، وهناك من يجد للمجزرة تبريراً!
"إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". هكذا قال هوبس، فماذا نقول بعد مجزرة مار مخايل؟
الذئاب بعض سكان لبنان..
2 ـ مقتل القيم
لا أستسيغ النسيان أحياناً، أنسى مواعيد التسلية ولقاءات الكلام، ولكني لا أستطيع نسيان الظلم.
لا أستسيغ نسيان سلم القيم مهما تلبدت أحوال السياسة، فالمظلوم مظلوم والظالم ظالم، كائناً من كان، لونه، جنسه، دينه، طائفته، مذهبه.
لا دين للظلم ولا مذهب.
انما في لبنان القيم وجهة نظر، فالجريمة هنا بطولة هناك. والمجرم هنالك بطل هنا. السرقة في مكان حلال في آخر. الخيانة في سياسة وطنية في أخرى. القتل في موقع رحمة في مواقع.
عندما ينهار نظام القيم ويصير ركاماً من أخلاق متنابذة، تسقط الدولة وفيها المجتمع، وتستلب الجماعات وينسحق الضعفاء، ويشتد ساعد العنف ويصير لدى الدم الأحمر مشاعاً لمنطق الحقد الأسود.
وفي لبنان نظام قيم متنابذ، انهار هيكله على رؤوسنا جميعاً، نظام قيم استبدل العدو صديقاً، واستبعد الصديق عدواً.
"اسرائيل" صديق شائك، وسوريا عدو مارق.. فلسطين لأهلها، لا بأس إن باتت لساكنيها يهوداً وعرباً.. وأميركا "ابتسامة فقبلة فعناق".
نظام قيم إنساني يدوس حقوق الإنسان وشرعة حقوق الطفل، وحق الانتماء الحر وحق التظاهر.. نظام قيم لبناني بحاجة إلى أن يقتات من التاريخ، فهاتوا المعاول لنحفر في التاريخ العربي، داحس والغبراء، والأيام السود، ولنستعد كل مقتلة لنتشفى، لنروي أحقادنا.
بلاد آيلة للدم، والدم لونه أحمر في كثير من بقاع العالم باستثناء لبنان.
3 ـ الحرام
ماذا بقي لنا؟
بقي لنا اليأس، اليأس الناصع، اليأس الحقيقي، اليأس الطاهر، اليأس الذي يؤسس للأمل فيعيد للدم حرمته وللقيم مكانتها.
يأس مقدس يحسم مع المدنس السياسي، يفتح نافذة العز ويقفل أبواب الجحيم التي تنفث حقداً.
يأس يتشبث بالقيم والحقوق والشرائع، يأس يشبع من أمله الخاص، أمل ينص للحياة منطقها الإنساني، فالإنسان أخ لأخيه الإنسان وليس ذئباً. يأس بقامة وطن اغتسل من دونياته وبات شعبه متصالحاً مع قيمه الإنسانية.
انها دعوة إلى أمل يخرج من قاع اليأس.
ليس أمامنا بعد هذا اليأس إلا أن نصنع أملاً.
فليكن ذلك للغد، كي يبقى الدم اللبناني حراماً حراماً حراماً.
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008