ارشيف من : 2005-2008
ديمونا.. أمن "إسرائيل" النووي في مرمى المقاومة الفلسطينية
غزة ـ عماد عيد
على بعد مئة كيلومتر من الحدود مع قطاع غزة وثمانين كيلومترا من الحدود مع مصر تقع ديمونا، المدينة النووية الاسرائيلية التي ظلت حتى الرابع من شباط/ فبراير 2008 بعيدة عن يد المقاومة الفلسطينية التي تمكنت من الوصول إلى معظم المدن الفلسطينية المحتلة داخل كيان الاحتلال، وآخرها مدينة إيلات قبل عام واحد.
وشكلت العملية الاستشهادية مفاجأة من العيار الثقيل من عدة اتجاهات. فهي أولا جاءت في ديمونا التي لم تصلها المقاومة من قبل، الأمر الذي تفهمه "إسرائيل" بأنه اختبار للوصول إلى مصدر قوتها النووية في مفاعل ديمونا. وثانيا جاءت العملية بتوقيع كتائب القسام التي توقفت عن تنفيذ العمليات الاستشهادية منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية قبل نحو عامين. أما المفاجأة الثالثة فكانت من مكان انطلاق المقاومين، فعكس كل التوقعات الفلسطينية والمصرية والإسرائيلة بأن المنفذين خرجوا من قطاع غزة إلى صحراء سيناء ثم إلى مدينة ديمونا، تبين بعد إعلان القسام أنهما من مدينة الخليل جنوب فلسطين المحتلة، وهما الاستشهاديان محمد الحرباوي وشادي الزغير.
أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام قال إن تأخير إعلان كتائب القسام عن مسؤوليتها عن العملية جاء لأسباب أمنية لإرباك الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا أن رواية الاحتلال عن دخول الاستشهاديين عبر سيناء جاء لأهداف سياسية أبرزها إحراج مصر ودفعها لمضايقة الفلسطينيين بعد أن فتحت الحدود أسبوعين بين قطاع غزة ومصر.
وأكد أبو عبيدة أن القسام أرادت من العملية إثبات أن المقاومة ما زالت مستمرة، وأن القسام قادرة على تنفيذ وعودها للشعب الفلسطيني، وأنها قادرة على الرد على الاعتداءات في الوقت والمكان المناسبين، وأن أسلوب العمليات الاستشهادية لم يغب عن جدول أعمالها.
القسام أكدت أن الإعداد للعملية جرى منذ أشهر طويلة، لكن وصول الاستشهاديين لم يستغرق سوى ساعات قليلة. وحسب الروايات الصادرة عن ذوي الاستشهاديين فإن أحدهما غادر منزله قبل يومين، أما الآخر فغادر قبل العملية بساعات قليلة، وهذا معناه أنهما انطلقا من الضفة الغربية المحاطة بالجدران، ما يعني هزيمة أخرى للأمن الإسرائيلي الذي يجتاح الضفة الغربية يوميا ويقتل ويعتقل من الفلسطينيين من يشاء.
كتائب القسام رفضت إعطاء تفاصيل عن العملية باعتبار أن الأمر مبكر جدا، لكن حسب ما تسرب من معلومات فإن الاستشهاديين تسللا من مدينة الخليل التي لا تبعد سوى أربعين كيلومترا عن ديمونا نحو هدف حُدّد مسبقا، وهو مركز تجاري داخل المدينة التي يقطنها أربعون ألف صهيوني، حيث تمكن الاستشهاديان من الدخول مستغلين ملامحهما الأجنبية في التخفي.
الاستشهادي الأول تمكن من تفجير نفسه فقتل صهيونية وأصاب ستة عشر، في حين انتظر الاستشهادي الثاني تجمع الاسرائيليين من جديد ليفجر نفسه، إلا أن خللا في العبوة الناسفة أصابه بجراح لم تؤدِّ إلى استشهاده، فاكتشفه ضابط أمن إسرائيلي وأطلق النار عليه بشكل مباشر.
على أن تأخر كتائب القسام في الإعلان أوقع مجموعات أخرى من فصائل المقاومة في ارتباك كبير، فقد أعلنت كتائب الاقصى مسؤوليتها عن الهجوم ووزعت شريط فيديو يظهر فيه استشهاديان منها ومن كتائب الشهيد "أبو علي مصطفى" الجناح العسكري للجبهة الشعبية، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة حول مصير الشابين اللذين ظهرا في الشريط، وإن كانا نجحا في التسلل إلى داخل فلسطين المحتلة أم أن الأمن المصري اعتقلهما.
وفي كل الأحوال فإن حماس رأت أن العملية الاستشهادية تأتي في سياق الإطار الطبيعي للمقاومة، وأن توقفها فترة عن العمليات الاستشهادية كان من ناحية تكتيكية وليس استراتيجية. ورأى سامي أبو زهري الناطق باسم حماس في اتصال خاص انه من الطبيعي أن تلجأ حماس إلى كل الأساليب للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وأن العالم الذي "يتفرج" على مقتل الفلسطينيين يوميا عليه إن رغب في وقف العمليات الاستشهادية أن يجبر "إسرائيل" على وقف عدوانها.
وقال أبو زهري: "سنطلق أيدي كتائب القسام في كل مكان لمواجهة العدوان، فالاحتلال لم يراعِ كل عمليات التهدئة التي منحتها حماس".
ورأى أبو زهري أن هذه العملية تؤكد أيضا إصرار فصائل المقاومة الفلسطينية على رفضها شطب حق المقاومة وتسليم سلاحها والاعتراف بالمحتل المجرم.
وأكد أن هذه العملية الاستشهادية تؤكد ضعف هذا الكيان الصهيوني، والاختراق الكبير في منظومته الأمنية والعسكرية التي طالما روج لها كثيرا لتخويف العالم بها.
وعن الثمن الذي يمكن ان تدفعه حماس مقابل هذه العملية أكد ابو زهري ان حماس اختارت طريق الجهاد والمقاومة، وأن دماء قادتها ليست أغلى من دماء ابناء الشعب الفلسطيني، وأن: "الشيخ أحمد ياسين دفع حياته ثمنا لرفضه التنازل عن خيار المقاومة او الدعوة الى وقف العمليات الاستشهادية".
أما حركة الجهاد الإسلامي فرأت أن العملية رد فعل طبيعي من فصائل المقاومة الفلسطينية على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة. وبارك البطش العملية البطولية التي وقعت في العمق الصهيوني، معتبرا أنها تأتي في سياق الرد الطبيعي لفصائل المقاومة على الجرائم الصهيونية اليومية بحق أبناء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض كل يوم للقتل.
وطالب البطش بمزيد من الوحدة والصمود في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الصراع: "وبالتالي يجب على المقاومين والمجاهدين رص الصفوف وأخذ أعلى درجات الحيطة والحذر وتفويت الفرصة على العدو المجرم الذي يتربص بشعبنا الدوائر، وألا يكونوا فرصة سانحة لهذا العدو".
رد فعل آخر جاء من رام الله حيث استنكرت السلطة الفلسطينية العملية الاستشهادية باعتبارها لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وأنها تضر بمصالحه العليا. ودعت على لسان وزير الشؤون الاجتماعية فيها محمد الهباش الى وقف ما أسماه "العمليات الارهابية" التي تطال المدنيين، وهو رد فعل لم يختلف عن سابقه.
اما "اسرائيل" فقد سارعت الى اتخاذ سلسلة من الردود الميدانية، فقد اغتالت عامر قرموط "ابو الصاعد" ابرز قادة لجان المقاومة الشعبية في فلسطين بعد ساعة واحدة من العملية الاستشهادية، وأكملت مشوارها الدموي واغتالت سبعة من الشرطة الفلسطينية التابعة لحكومة اسماعيل هنية، وهم ايضا عناصر في كتائب القسام، بينما كانوا يؤدون صلاة العصر في موقعهم، ما أدى أيضا إلى إصابة عدد آخر، وذلك بعد ساعات من اغتيال عضوين من القسام في توغل في رفح، الامر الذي دفع بكتائب القسام الى استئناف اطلاق صواريخها نحو سديروت موقعة مصابين وأضرارا مادية في المستوطنة الواقعة الى الشمال الشرقي من قطاع غزة.
والواضح ان موجة جديدة من الصراع ستفتح بين غزة المحاصرة وجيش الاحتلال، وأن اللعب الآن أصبح على المكشوف بين المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش الاحتلال الذي يحاول مسح آثار تقرير فينوغراد.
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008