ارشيف من : 2005-2008
بضعـة آلاف مـن المقاتلـين صمـدوا في وجـه الجيـش الأقـوى في الشـرق الأوسـط
«خيبة كبيرة وخطيرة، يتحمل مسؤوليتها أساسا الجيش، ولكن شارك فيها أيضا الضعف الذي أبداه المستوى السياسي».
وبرغم ذلك، فإن التقرير الذي وصفه البعض بأنه «هزة أرضية متوسطة القوة»، لم يغير في مواقف الأطراف شيئا. فالداعون لإسقاط رئيس الوزراء ايهود أولمرت وجدوا في توصيفات الإخفاق والفشل المنظومي، تأكيدا لدعوتهم، والمؤيدون لبقائه وجدوا في تبرئته من شبهة الغرض الشخصي أو الحزبي في قرارات الحرب، ترسيخا لأحقيته في البقاء.
وأوحى المقربون من أولمرت بأنه تنفس الصعداء يوم أمس، وشرع رجاله بأوسع حملة إعلامية لترسيخ براءته في الذهن العام. وقال عدد من المقربين منه إنه بات يستحق، بعد تقرير فينوغراد، اعتذارا عاما من كل الذين أباحوا دمه بانتقاداتهم. غير أن المعارضين لأولمرت أكدوا أن التقرير يشكل إدانة دامغة له، مشددين على أنهم سيواصلون حملتهم لإسقاطه.
وبقي موقف حزب «العمل» اللغز المبهم في معادلة السياسة في إسرائيل، بعدما رمت اللجنة بأمر المسؤولية الشخصية في ملعب كل من الشعب والحلبة السياسية. وقال رئيس اللجنة القاضي الياهو فينوغراد إن عدم الإشارة إلى مسؤوليات شخصية، لا يعني عدم وجود أشخاص ينبغي أن يتحملوا المسؤولية الشخصية عن هذه الإخفاقات التي وصفها بالخطيرة. تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا شلت يد لجنة فينوغراد، عندما أمرتها بعدم الإشارة للمسؤوليات الشخصية خشية الغرق في متاهات قضائية.
ويبدو أن الأسبوع المقبل سيكون حاسما على صعيد الجهات المتصارعة حول فينوغراد في إسرائيل، سواء أجبرت التحركات الشعبية المقررة الأحزاب، وخصوصا حزب «العمل»، على تغيير مواقفها أو جعلت تقرير فينوغراد من الماضي.
وبرغم ذلك، فإن استطلاعا للرأي بعد تقرير فينوغراد أظهر أن 56 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الإطاحة بأولمرت وأن 45 في المئة يؤيدون انسحاب وزير الدفاع ايهود باراك من الحكومة.
ومع ذلك فإن أبرز ما شدد عليه فينوغراد في تقريره هو خيبة الشعب الإسرائيلي من نتائج هذه الحرب. وقال إن الجيش واجه «تنظيما شبه عسكري مكوناً من بضعة آلاف من المقاتلين صمد في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، والذي يحظى بتفوق جوي مطلق ومزايا في الحجم والتكنولوجيا»، ولكنه «لم يوفر ردا فعالا لإطلاق الصواريخ، الذي تواصل كل أيام الحرب، حين ترك الكثير من السكان بيوتهم أو أقاموا في الملاجئ. لقد خرجت إسرائيل إلى حرب طويلة بادرت هي إليها، وانتهت من دون أن تنتصر بها إسرائيل بشكل واضح من الناحية العسكرية».
غير أن فينوغراد أشار إلى أنه «تحققت في هذه الحرب إنجازات فعلية أيضا»، لكن إسرائيل «لم تحظ بالإنجاز السياسي على أرضية إنجاز عسكري. فقد استندت إلى تسوية سياسية، كانت فيها حقا مزايا إيجابية، إذ كانت هذه تسوية أتاحت وقف القتال برغم أنه لم يتم حسم المعركة».
وأشار التقرير، إلى أنه كانت «لحرب لبنان الثانية إنجازات سياسية فعلية: قرار مجلس الأمن ,1701 الذي اتخذ بالإجماع، يشكل إنجازا لدولة إسرائيل». وأوضحت اللجنة أنه «من ناحية رئيس الحكومة ووزير الدفاع (آنذاك عمير بيرتس)، فإن اتخاذ القرار 1701 لم يكن مجرد قرار سياسي في إطار صلاحياتهما، بل إن اتخاذه شكل استمرارا مطلوبا لعملهما طوال الحرب كلها».
وعاد أعضاء اللجنة وأوضحوا في التقرير أنهم ليسوا شركاء في التقدير بأن إسرائيل خسرت الحرب، برغم أنهم كانوا أيضا ضد محاولة عرض الحرب كانتصار وأنه لم تكن فيها إنجازات مهمة. وقال هؤلاء إن محاولة اعتبار الحرب انتصارا غير مجدية «لأن مثل هذا التقليل من القصورات والعيوب يجرم في حق الحقيقة». وقررت اللجنة أن استمرار تعرض البلدات الإسرائيلية للقصف الصاروخي «عبر عن فشل أساسي وخطير في إدارة الحرب» التي لم يتقرر لها سلفا عند اتخاذ القرار بشنها، خطة للخروج منها.
وجاء في تقرير فينوغراد أن الجيش فشل بشكل قاطع وأنه تصرف في لبنان كجيش يخاف من وقوع خسائر في صفوفه. وأشار التقرير إلى أن «أهداف الخطوة العسكرية كانت مشروعة ولم يتم استنفادها، في محاولة تسريع التسوية السياسية أو تحسينها. لم يكن هناك فشل في القرار نفسه برغم محدودية إنجازاته ورغم ثمنه المؤلم» موضحا «فأهداف الخطوة البرية كانت مشروعة. لم يكن هناك فشل في قرار الخروج لهذه العملية ذاتها». وقالت اللجنة عن قرار العملية البرية إنها «وفرت لحكومة إسرائيل مرونة عسكرية وسياسية ضرورية. فقرار تحريك الخطوة البرية كان في إطار التقدير السياسي والمهني لمتخذيه، على أساس المعطيات التي كانت لديهم وقت اتخاذه».
وأشار فينوغراد إلى «أننا وجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في عمليات اتخاذ القرار وفي العمل الأركاني، سواء لدى المستوى السياسي أو المستوى العسكري أو هامش الوصل بينهما. لقد وجدنا إخفاقات وعيوبا جدية في المستوى القيادي الأعلى في الجيش الإسرائيلي، وخصوصا في القوات البرية، في نوعية الاستعداد، في الجاهزية، في السلوك وفي تنفيذ القرارات والأوامر. ووجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في المستوى السياسي والمستوى العسكري على حد سواء، بغياب التفكير والتخطيط الاستراتيجي. بل إننا وجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في كل ما يتعلق بالدفاع عن الجبهة الداخلية وفي التعامل مع المساس بها». وشدد فينوغراد على المشاكل التي واجهت عملية اتخاذ القرار. «ومن كانت تقع على كاهله المسؤولية الصعبة باتخاذ القرار في هذه الأمور كان المستوى السياسي. واختبار مثل هذه القرارات هو فقط الاختبار الشعبي والحزبي. ومع ذلك، من الواجب الإشارة أيضا إلى أننا لم نجد تعاملا جديا في مداولات المستوى السياسي، المستوى العسكري والهامش الواصل بينهما مع السؤال: هل كان منطقيا توقع أنه في إطار الساعات الستين ستتحقق إنجازات تكون لها آثار، أيا كانت، على أي من أهداف العملية البرية؟».
وقال فينوغراد إن «حرب لبنان الثانية أثارت مرة أخرى للتفكير والنقاش قضايا آثر المجتمع الإسرائيلي تجاهلها. فليس بوسع إسرائيل البقاء في هذه المنطقة ولا يمكنها الوجود فيها بسلام أو بهدوء، من دون أن يؤمن فيها وفي محيطها بأن لإسرائيل زعامات سياسية وعسكرية، قدرات عسكرية ومنعة اجتماعية، تتيح لها ردع جيرانها الراغبين بالمساس بها ومنعهم ولو بالقوة من تحقيق هدفهم... إن محاولات تحقيق الســـلام أو التسوية يجب أن تتم من موقع قوة عســـكرية ومنعة اجتماعية وسياسية ومن منطــلق القدرة والاستعداد للمحــاربة من أجل الدولة، من أجل قيمها وأمن سكانها».
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية / 31/1/2008