ارشيف من : 2005-2008
جريمة الأحد ترسم إطاراً إضافيّاً للنقاش بشأن سلّة الحلّ
ما جرى هو حادث من الأحداث التي تجري في بلد كثير الاضطراب سياسياً واقتصادياً ويمر من دون متابعة أو ترددات حتى لو كانت من الصنف الدموي أيضاً، باعتبار أن الخلفية السياسية والنتائج السياسية لما جرى سوف ترخي بظلها على النقاش الرئيسي الحاصل في البلاد والمتعلق بما سوف تؤول إليه المساعي السياسية لأجل ترتيب عملية انتخابات رئاسية وتأليف حكومة وفاقية والشروع في حوار سياسي من نوع مختلف عما هو سائد الآن، إذ إن العقدة التي ترافق كل جولات الوسطاء على اختلاف هوياتهم وميولهم لا تزال تراوح عند نقطة واحدة هي أن الاتفاق السياسي المفترض إنجازه ليس متوفراً الآن، بل على العكس فإن أزمة الثقة تتفاقم يوماً بعد يوم، وجاءت جريمة الأحد الدامي لتجعلها في موقع أكثر خطورة ما لم يتم تدارك الأمر، لا من خلال التحقيق الشفاف فحسب، بل من خلال تسويات متوسطة وبعيدة المدى. بل إن الأمور تسير على ما يبدو وفق وتيرة تثير القلق أكثر مما كان يعتقد كثيرون من القوى النافذة في البلاد.
ويروي مرجع معني أن ما حصل الأحد سوف يكون له أثره المباشر على مجموعة من الخطوات والملفات وفق الآتي:
أولاً: إن مشكلة المعارضة مع المرشح الرئاسي العماد ميشال سليمان ليست صغيرة، وإن نتائج التحقيقات من شأنها فرض مسؤوليات عليه كما على غيره من القيادات العسكرية الرئيسية أو الميدانية إزاء استسهال قيام ضباط وجنود بعمليات إطلاق نار عشوائية ضد متظاهرين، ما أدى إلى سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى. وإن هذا الموقف لا ينفصل عن ملاحظات سابقة لدى قوى المعارضة على العماد سليمان، وقد يكون الزعيم الشمالي سليمان فرنجية الأكثر وضوحاً وصراحة في شرحها سواء لسليمان نفسه في لقاءات ثنائية مباشرة أو من خلال وسائل الإعلام. وهي ملاحظات ليست غائبة حتى عن دمشق التي تعدّ فريقاً حاسماً، مثلها مثل الولايات المتحدة الأميركية وجماعتها في المنطقة.
ثانياً: إن اللامبالاة ذات البعد الأخلاقي والسياسي من جانب الرئيس فؤاد السنيورة وشخصيات رئيسية في فريق "14 آذار"، من بينها من يتولى مسؤولية حكومية، لا تترك مجالاً للشك في أن هناك أزمة ثقة تتجاوز الخصومات السياسية، وبالتالي فإن مشكلة التفاهم السياسي تتطلب درجة أعلى من المسؤولية من جانب الفريق الذي يريد أن يؤدي دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة، وبالتالي إذا لم يكن هناك من يتوقع أن يستقيل الرئيس السنيورة بسبب ما حصل، فإن من الصعب القبول باستمرار قواعد اللعبة على ما هي عليه على صعيد تحمّل المسؤولية. ويعتقد المرجع أنه سيكون هناك نقاش جدي وضروري بشأن مواصفات الشخصية التي يجب أن تتحمل مسؤولية كبيرة كموقع رئاسة الحكومة.
ثالثاً: إن آلية البحث في الشراكة يجب أن تنطلق من ميزان القوى القائم، وما دامت فكرة أو قدرة الحسم بالمعنى التقليدي غير متوافرة عند أحد في لبنان أو في المنطقة، فإن الجميع مضطر لأن يصوغ التسوية وفق منطق التنازلات المنطقية. ويلفت المرجع إلى وجود نقاش جدي بين أركان المعارضة حول هذه النقطة، وإن من يظهر ميلاً إلى تنازلات جدية إنما يريد تجنب البديل القائم أمام الجمهور وهو الفتنة، وبالتالي فإن مساعي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى المرتقب أن تستأنف خلال أسبوع من الآن، سوف تكون نتائجها محكومة بالمراجعة الأخيرة المرتقبة من الأطرف كافة. وإذا لم يظهر الطرفان في لبنان استعداداً جدياً للتنازل، فإنه يصعب على موسى تحريك ما عجز عن تحريكه في المرة السابقة، إضافة إلى أن أزمة الثقة سوف تتجاوز حدود الصراخ السياسي إلى مستويات خطيرة.
رابعاً: إن سلة الحل كما عرضت في اجتماعات وزراء الخارجية العرب وكما نوقشت في أندية دبلوماسية غربية وعربية أخرى، لم يعد بالإمكان تجزئتها، وبالتالي فإن ما حاول المصريون ومعهم السعودية فرضه أو الحثّ باتجاه تبنّيه، لناحية إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية أولاً، ومن ثم إطلاق النقاش بشأن الملفات الأخرى، لم يعد ممكناً بعد أحداث الأحد الماضي، لأن المشكلة في طريقة التعامل مع أي احتجاجات مطلبية أو سياسية ذات غلاف مطلبي، وبالتالي طريقة تصرّف الجيش اللبناني إزاء المتظاهرين والخشية عند المعارضين من أن تكون هذه رسالة مقصودة لما هو وارد كاحتمال قوي بأن تلجأ قوى المعارضة إلى تحرك سياسي ـ شعبي في كل لبنان للوصول إلى تحقيق ما تراه عادلاً لها. وبالتالي فإن التفاهم على البند الرئاسي لن يكون بمعزل عن الاتفاق الشامل على كل الأمور.
وبحسب المرجع، فإن الوقائع الراهنة لا تشير إلى متغيرات كبيرة، وإن انقطاع التواصل معطوفاً على تعطل المبادرات الخارجية وعلى ما يجري في الشارع يمكن أن يعكس صورة سوداوية عمّا هو آتٍ، ولذلك فإن المتغيرات المطلوبة ليست محلية الصنع بأكملها. ويلفت المرجع إلى أن الإصرار على إنتاج تفاهمات سعودية ـ سورية لا يهدف إلى أكثر من عكس هذا التفاهم ارتخاءً على ساحة تتأثر بقوة بهذه العلاقات.
إلا أن المرجع الذي قلّ تفاؤله خلال الأيام الأخيرة، يلفت إلى ما يعتقد أنه أكثر خطورة، وهو عودة النقاش داخل الغرف الضيقة لقوى "14 آذار" إلى ملفات تعكس تجدد رهانات على متغيرات إقليمية، وعاد الحديث عن حرب أميركية شاملة على إيران وانعكاسات ذلك على سوريا مباشرة، مع إضافات قد تعكس تمنيات أو توصيات خارجية من النوع الذي يفتح الباب على توقع حرب إسرائيلية جديدة على لبنان أو على سوريا. وإذا كان هذا الرهان قد تحول إلى قاعدة للبحث لدى فريق "14 آذار"، فإن من شأن ذلك فتح المجال أمام وقائع وصعوبات من النوع الذي لا يبشّر بخير.
المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية