ارشيف من : 2005-2008

حروب المياه.. قادمة!

حروب المياه.. قادمة!

المياه العذبة نتيجة لعوامل مناخية وطبيعية وديموغرافية وبيئية. كما ان نحو 93 دولة ستشهد نقصاً في المياه في العقود الثلاثة القادمة، حيث ستزيد الحاجات بنحو 60 في المئة، في حين لن تتطور الموارد المائية سوى بمعدلات ضعيفة.‏

وتعتبر المنطقة العربية الواقعة بين المحيط الاطلسي وإيران، من ضمن المناطق التي تعاني نقصاً في مصادر المياه. وستحتاج الى استثمار نحو 40 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. بهدف مواجهة النقص الحاد في إمدادات المياه العذبة التي باتت تشكل احدى الصعوبات الرئيسة في وجه التنمية في بعض القطاعات الاستراتيجية مثل الزراعة والسياحة. ومن المرجح ان تنفق الدول العربية واحدا بالمئة من اجمالي ناتجها المحلي سنويا لتأمين موارد كافية من المياه، وخاصة في المدن حيث التجمعات السكانية الكبرى.‏

ومن المفترض ان تنفق الحكومات العربية نحو 34 مليار دولار في مد شبكات المياه ومعالجتها على ان تسهم الجهات الدولية المانحة بنحو 8 مليارات دولار، كما تحصل الحكومات على الموارد المتبقية للاستثمار المائي عبر المزيد من الاجراءات مثل زيادة اسعار الخدمات وتحسين الجباية وخفض حجم التسرب المائي من خلال تقنيات جديدة يمكن ان يساهم فيها القطاع الخاص.‏

ويعيش في الوطن العربي نحو 45 مليون شخص لا يحصلون على مصادر مياه نظيفة بسبب عدم كفاية الامدادات. وهم في معظمهم من الفقراء الذين يعيشون في المناطق النائية، او في تجمعات سكانية حول المناطق الحضرية وهم الأكثر عرضة لانتشار الامراض التي تنتقل عبر المياه. كما ان قلة المياه تحول دون تحسن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية. ولا يزال ملايين السكان في المنطقة العربية يعتمدون على باعة المياه، وهم في الغالب مؤسسات صغيرة تقدم هذه الخدمات للسكان الفقراء.‏

وتعتبر تحلية مياه البحر في السعودية وبعض دول الخليج العربي حلولا تسهم في امدادات المياه للاغراض البلدية والصناعية. الا ان البلدان الفقيرة في الوطن العربي لم تحاول بعد تطوير هذه الوسيلة نظرا لكلفتها المرتفعة ولتوافر امدادات بديلة اقل كلفة.‏

وتجدر الاشارة الى ان قطر هي من اكثر دول المنطقة اعتمادا على مصادر المياه المحلاة بنسبة 98 في المئة من حاجتها اليومية، تليها الكويت بنحو 80 في المئة ثم الامارات بـ 60 بالمئة والبحرين بـ 50 بالمئة والسعودية بـ 40 بالمئة وليبيا بـ 20 بالمئة. اما في المغرب فتقل النسبة عن 2 بالمئة. ويرصد المغرب منذ سنوات طويلة نحو مليار دولار لبناء السدود ومد شبكات مياه الشرب. لكن على رغم الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة لا يزال نحو 10 بالمئة من السكان لا يحصلون على موارد مائية عالية الجودة.‏

ان القيمة الاقتصادية للماء ستكون المرجعية مستقبلا في تحديد اسعار بعض المنتجات والخدمات. اذ سينفق الفرد الواحد نحو اثنين في المئة من دخله على الماء على رغم استمرار الدعم الحكومي للأسعار. وتتميز المنطقة العربية بسيطرة الزراعة على استهلاك مجمل الموارد المائية أي نحو 88 بالمئة منها. بينما لا يتجاوز الاستهلاك الصناعي نسبة 6 بالمئة، على الرغم من ان الزراعة لا تساهم سوى في 10 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للوطن العربي.‏

وتعتبر المنطقة العربية ايضا فقيرة في مصادر المياه اذا قورنت بالمعدل الدولي المقدر بنحو 7675 مترا مكعبا اذ تبلغ النسبة في الوطن العربي حاليا نحو 1436 مترا مكعبا. ومع انتقال اعداد كبيرة من سكان الأرياف للاستقرار في المدن العربية في السنوات العشر المقبلة ستزداد الحاجة لاستخدامات المياه مع تغير نمط العيش، وهو ما سيزيد الاعباء على الحكومات التي عليها اما الاستمرار في دعم كلفة مياه الشفة او زيادة الرسوم. ان التنافس على المياه مشكلة قديمة جدا، وفي السياق ترد كلمة Rival الانكليزية التي تعني «المنافس». وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Rivolis التي تعني «الشخص الذي يستخدم نهرا يستخدمه شخص آخر» وفي ذلك إشارة الى ان المنافسة اصلا مشتقة من المنافسة على استخدام المياه.‏

تبدأ المشكلة الحقيقية للمياه، حين تكون كمياتها القادمة من الانهار والبحيرات والمياه الجوفية والاراضي الرطبة غير مدارة بطريقة مناسبة. وعلى رغم ان لدى معظم البلدان آليات لتخصيص المياه وحل الصراعات داخل حدودها. ولكن الصراعات بين الدول على المياه تبقى قائمة.‏

تعتبر مشكلة المياه في الاراضي الفلسطينية المحتلة ابرز مثال على ذلك حيث يبلغ عدد السكان الفلسطينيين نصف عدد سكان اسرائيل. لكنهم يستهلكون من المياه 10 او15 بالمئة فقط مما يستهكله الاسرائيليون. وفي الضفة الغربية يستخدم المستوطن الاسرائيلي ما يقارب تسعة اضعاف ما يستخدمه الفلسطيني. وهذا يعني ان الفلسطينيين يعانون من اعلى مستويات نقص المياه في العالم. ويساهم في تأجيج المشكلة حجم التوافر الفعلي للمياه، اضافة بالطبع الى السياسات. ويؤدي نقص المياه الى اعاقة قدرة المزارعين على انتاج الغذاء وكسب العيش، في حين ان القواعد الحالية غير عادلة في توزيع الاحواض المائية المشتركة.‏

تتشارك سوريا والعراق وتركيا في أهم مصادر المياه، حيث تنبع وتمر من هذه البلدان الثلاثة انهار كثيرة بينها نهران كبيران هما دجلة والفرات. وهناك عدد من الانهار المهمة واخرى اقل اهمية.. ومنذ بدء تشكل الدول الحديثة في الشرق الاوسط بداية القرن العشرين اخذت تتكون ملامح مشكلة مائية تتعلق باقتسام المياه المشتركة بين هذه الدول الثلاث لكن هذه المشكلة لم تتبلور، وتأخذ شكلا ضاغطا الا في الربع الأخير من القرن العشرين، بفعل امرين اولهما توجه تركيا للتحكم بمنابع وتدفق مياه الانهار الذاهبة الى سوريا والعراق، والثاني دخول قضية المياه، في سلة المشكلات السياسية القائمة بين دول المنطقة.‏

ثمة تدهور للامن المائي العربي لأسباب عدة ابرزها، محدودية مساحة المناطق المطيرة التي لا تتجاوز 10 بالمئة من المساحة الكلية للوطن العربي. هذا بالاضافة الى اتساع مساحة التصحر، وتلوث الثروة المائية بالنفايات الصناعية والزراعية والمنزلية، وسوء استخدام المياه مع هدر الموارد من خلال اتباع طرق ري تقليدية في القطاع الزراعي الذي يستهلك الكمية الأكبر من المياه واستغلال مياه الانهار في دول الجوار الاقليمي، وتحديدا من خلال المشاريع المائية في تركيا وإسرائيل وأثيوبيا قبل التوصل الى اتفاقات إقليمية مناسبة.‏

من شأن هذه الاسباب زيادة الفجوة بين كميات المياه المتاحة والكميات المطلوبة للتصنيع والزراعة والشرب وتوليد الطاقة مع الزيادة السكانية المتوقعة في الدول العربية ستتسع الفجوة وسيزداد الطلب على المياه وقد يؤدي ذلك الى تفاقم النزاع على المياه في الشرق الاوسط. لا تتوفر المياه العذبة بكميات متساوية بين الدول، ولا تتناسب وفرة المياه مع توزيع السكان، فبينما تشكو الصين ومصر والسعودية من نقص المياه، ثمة دول وفيرة المياه كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل والنرويج وأندونيسيا. وامام ازدياد الحاجة الى المياه بالتزامن مع الزيادة السكانية وتدهور البيئة الطبيعية اخذت تنشأ نزاعات دولية على المياه بما يهدد الأمن الدولي، وقد أشار مؤتمر باريس للمياه والتنمية المستدامة في العام 1998 الى دخول المياه سببا مباشرا للتوتر الدولي وللنزاعات. والوطن العربي ليس بعيدا بأي حال عن تلك المشكلة. بل هو في قلبها تماما.‏

(*) كاتب لبناني‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية/ التاريخ: 23/1/2008‏

2008-01-23