ارشيف من : 2005-2008
أدرك العدو الإسرائيلي والأميركي أهميته وبسالته فرصدا العملاء والملايين لاغتياله
ربع قرن وأكثر، والحاج رضوان يعزف على قيثارة الشهادة، في عشق مثالي وتوحّد متين، لا يعرفه إلاّ الراسخون في علم الحرّيّة والكرامة العزيزة، حتّى ازدانت به، وكلّلت رأسها، بروحه الفوّاحة بالرجولة الحقّة.
ربع قرن وأكثر، والشهادة تلاحق عماد مغنية بين مسام أنفاسه، وبين طيفه وطيفه، حتّى استهدفته بحبّ لا يدرك نكهته إلاّ أولئك الذين نذروا أعمارهم فداء أوطانهم وأممهم، لتحيا من مخزون كرامتهم، وما تركوه لها من بطولات ومواقف يحفظها التاريخ حرفاً فحرفاً، وتمتشقها الأجيال عبراً ودروساً ونماذج حياة.
لم يترك الحاج رضوان أرضاً لبنانية تعتب عليه، فعرفته روابي الجنوب مقداماً، وساحات المواجهة شجاعاً، وتلال البقاع فارساً مجلّياً، وسهرات المجاهدين كوكباً منيراً لا يغيب، وما إن طلع صباح النصر، حتّى بات قائداً وركناً مؤسّساً للمقاومة، وصاحب لوائها في الكثير من انجازاتها وانتصاراتها.
منذ يفاعته، والعدوّ الإسرائيلي تذوّق أهميّة الحاج رضوان، وسحره في كلّ اللوحات التي رسمها مع إخوان له في ميدان الجهاد، وتفنّنه في إبداع ألوان غير مألوفة في القتال تخطيطاً وتنفيذاً، فرصد "الموساد" أوقاتاً مضنية من مشاريعه التخريبية، لاصطياد روحه المباركة، وحرّك شبكاته وجواسيسه وعملاءه الكبار والصغار في الداخل والخارج، للإيقاع به، أو للتأثير عليه، في غير زمان ومكان، كما حصل في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام 1994 حيث وضع العميل أحمد الحلاّق متفجّرة أودت بحياة أخيه فؤاد مغنية ومواطنين آخرين، فلم ييأس الحاج عماد، ولم يتزعزع، ولم يتراجع قيد أنملة، عن استكمال ما وضعه هدفاً نصب عينيه، وردّ في المكان الذي يؤلم هذا العدوّ، ووقف خلف انجاز استدراج الحلاّق من بين حذر "الموساد" في منطقة "الشريط المحتل" في الجنوب، إلى بيروت، حيث جرت محاكمته التي توجّت بإعدامه، ليُفقد الإسرائيليين صوابهم، ويؤكّد لهم جهوزيته الدائمة للعب معهم "وعلى المكشوف".
كما وقفت الولايات المتحدة الأميركية على براعة عماد مغنية، بعدما هالها ما رأته منه، وما عرفته عنه، فجيّشت المكافآت وقوائمها السوداء على شاكلتها، وكلّ الاستخبارات وأجهزة الأمن في غير دولة عربية وغربية منقادة لها، وذلك في سبيل اعتقاله أو اغتياله، أو قطع هواء الحرّيّة عنه، فلم يبال، ولم يستكن، وثابر على خطّه ونهمه في إقلاق راحتهم طالما أنّ الحقّ معه.
ويروي أحد الحجّاج أنّه بعد أدائه مراسم الحجّ وانتقاله إلى مطار جدة، ووصول دوره إلى العسكري المولج بالتدقيق في جواز السفر ليضع عليه ختم المغادرة، شاهد على الطاولة أمام هذا العسكري قصاصة ورق تحمل ثلاثة أسماء بينها اسم عماد مغنية، ما يدلّل على أهميته الإستراتيجية في صرح المقاومة الشامخ، فعرف عدوّه مكمن خطورته، وقرّر تصفيته، ودفع الكثير من الأموال لتحقيق حلمه حتّى يكون "العالم أفضل بدونه" كما عبّرت أميركا على لسان وزارة خارجيتها، والمقصود بالمنظور الأميركي المهين، هو عالم استباحة الكرامات واضطهاد الشعوب، حتّى تتفرّد في انتهاك الحرمات ولا يكون هنالك من رجل، كعماد مغنية يعي خطورة أفعالها ويوقظ الشعوب من سباتها وغرقها في تفاهات الحياة والمناكفات الصغيرة.
وازدادت خطورة عماد مغنية بعد الحرب الإسرائيلية الأميركية على لبنان في شهر تموز/ يوليو من العام 2006، وخروج المقاومة الإسلامية منها منتصرة ليرتفع الاهتمام باغتياله، وما أن أصدرت لجنة "فينوغراد" تقريرها وحكمها الشهير في شهر كانون الثاني/يناير 2008 متضمناً اعترافاً صريحاً بانتصار مغنية وإخوانه على أعتى جيوش العالم، حتّى كان القرار الاستخباراتي بتصفيته كجواب على هذا التقرير وما تركه من نتائج وخيمة على الصهاينة، الذين صاروا يتوجّسون خيفة من ملامسة أرض لبنان، ولكنّ أمّة تنجب عماد مغنية والسيّد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب وكلّ القادة الأبرار، لا تخشى الموت الذي بات عادة يومية في سبيل إشعال الحياة في نفوس الأوطان.
لقد كان الحاج عماد مدرسة استلهمت روح كربلاء في دروسها، وخرّجت بدورها أفواجاً من الشهداء والذين لم يبدّلوا ولن يحيدوا عن سكّة المقاومة، حتّى ولو بذلت الأرواح كلّها، ومن لم يعرفه عن كثب، فما عليه سوى أن يسأل استخبارات الصهاينة والأميركيين فهم يضمرون جواباً شافياً، فقد كان قائداً وهم يريدون الشعوب خرافاً ورعايا وأصناماً.
يكفيك فخراً يا حاج رضوان أنّك طاردت الشهادة سنوات وسنوات فوجدتها لتتزيّن هي بك.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008