ارشيف من : 2005-2008

سيد شهداء المقاومة وشيخ شهدائها: زرعا بذرة النصر ونالا إحدى الحُسنيين

سيد شهداء المقاومة وشيخ شهدائها: زرعا بذرة النصر ونالا إحدى الحُسنيين

السادس عشر من شهر شباط عام أربعة وثمانين هو تاريخ استشهاد الشيخ راغب حرب، ابن بلدة جبشيت الجنوبية، والسادس عشر من شهر شباط عام اثنين وتسعين، تاريخ استشهاد السيد عباس الموسوي، ابن بلدة النبي شيت البقاعية، الأول لُقب بـ"شيخ شهداء المقاومة الإسلامية"، والثاني بـ"سيد شهداء المقاومة الإسلامية"، وإذا كان تاريخ الاستشهاد في اليوم نفسه والشهر نفسه، له دلالته الرمزية، فإن أموراً أخرى كثيرة كان لها دلالاتها المتعددة التي تنبئ بأن هذين الرمزين الكبيرين لم يكونا شخصين عاديين يحوزان من الصفات ما يحوزه غيرهما من الناس، فهما قد امتازا بمجموعة من الخصال المشتركة التي طبعت شخصيتهما القيادية الواعية جداً لما يدور حولها من أحداث ومجريات، إضافة الى سمة مشتركة كانت تميز هذين العالمين وهي أنهما كانا يتمتعان بشخصية "ترابية"، أضفت على كل منهما هالة نورانية لم تكن لتحتجب عن كل من عرفهما عن قرب، أو تابعهما عن بعد، وعاين تواضعهما الشديد الناتج عن تلك الصفة التي لازمتهما، وكلاهما كان صاحب رأي سديد تبرز من خلاله "رؤيته الفلسفية" العميقة التي تصل الى قلب المتلقي بعبارات بسيطة جداً ومعبرة خير تعبير، عن فهمها لأمور الدنيا والآخرة،  ومآلاتهما التي هي نتيجة لا لبس فيها لما يريان أنه سيتحقق في مقبل الأيام، حيث كان لكل منهما كلمات في هذا السياق ما زالت أصداؤها تتردد في مسامع محبيهما، ومنها: "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف" القول الشهير الذي خاطب به الشيخ راغب حرب الضابط الصهيوني الذي حاول أن يصافحه، و"اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر"، الجملة التي كان يرددها السيد عباس الموسوى، تيمناً بما قاله الإمام الخميني(قده).
قبس من هدي السيد عباس الموسوي
في الوقت الذي كان فيه السيد عباس الموسوي في موقع الأمين العام لحزب الله، الذي تناط به المسؤولية السياسية التي يقع عبء إدارتها على كاهله، كان حاضراً أيضاً في مواقع الجهاد والمقاومة، يشارك إخوانه المجاهدين في مقارعة العدو الصهيوني، ويتابع تنفيذ العمليات النوعية وغيرها من العمليات الجهادية عن قرب، منتظراً النصر المبين الذي كان يرى قرب تحققه مع تنفيذ كل عملية للمقاومة الإسلامية، وهو الذي كان يعبر عن اقتراب النصر على العدو الصهيوني بكلمات مقتضبة جداً، ولكنها مليئة بالمعاني والدلالات التي تشير الى تحقق هذا النصر، حيث يقول في أحد خطاباته: "إسرائيل سقطت؟!..."، فهو كان يرى من خلال مجريات الأمور بعمق بصيرته أن "إسرائيل" التي تترنح تحت الضربات الموجعة التي تسددها المقاومة الإسلامية، مآلها الى السقوط حتماً، وهي بهذا المعنى، ووفق رؤيته تلك، قد سقطت فعلاً.
... والشيخ راغب حرب
كان الشيخ راغب حرب متحمساً منذ بدايات الاحتلال الصهيوني لأرض الجنوب لمواجهة هذا العدو بالكلمة والموقف من جهة، والسلاح من جهة أخرى، وكان يقول لزائريه "إذا أطلقنا النار على الجندي الإسرائيلي فإنه سيُجرح أو سيُقتل... وسنجرب ذلك"... كان الشيخ راغب حرب يقصد من كلامه هذا أن يُفهم البعض ممن لا يحبذون مواجهة هذا العدو، الذي يظنون أن قوته أسطورية، بأنه ليس بالصورة التي تتوهمونها، فهو من لحم ودم، وإمكانية جرحه وقتله موجودة، وما علينا سوى أن نجرب ذلك لنتيقن من هذا الأمر. وبالفعل حين واجه المقاومون هذا العدو بالعمليات الجريئة، وأوقعوا في صفوفه إصابات، وقتلوا بعض جنوده، قال الشيخ راغب حرب لمن كان يخبرهم بإمكانية مواجهة الجنود الصهاينة وجرحهم وقتلهم: "ألم أقل لكم إن الإسرائيلي يمكن أن يجرح وأن يقتل إذا واجهناه".
شهادة شيخ شهداء المقاومة
اختار الصهاينة قتل الشيخ راغب حرب من خلال بعض العملاء المأجورين ممن باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان، فهذا الرجل الصلب لم تُثنه كل الإجراءات التي اتخذوها بحقه، عن مواصلته لخيار المواجهة الذي وضعه نُصب عينيه، فلا الاعتقال والزج في السجن نفع معه، ولا التهديد والوعيد، وبالطبع لم ينفع معه أيضاً أسلوب الترغيب من خلال المهادنة والكلام الهادئ، فالشيخ راغب حرب مصرٌ على مواقفه ولا يتراجع عنها، فكان القرار بقتله الذي نُفذ مساء يوم السادس عشر من شباط عام أربعة وثمانين، ولكن كما كان يقول الشيخ راغب حرب: "دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط، وينمو". فدم الشيخ راغب نما في مقاومة الاحتلال وعملائه.
... وشهادة سيد شهداء المقاومة
كان السيد عباس الموسوي واضحاً وصريحاً في طلبه نيل الشهادة، وخاصة من خلال دعائه الذي كان يردده طالباً فيه الشهادة التي تُفني كامل الجسد "حتى تنال كل جارحة نصيبها"، وكان له ما أراد، ونال الشهادة التي كان يتمناها، بعدما أحيا الذكرى الثامنة لشهادة الشيخ راغب حرب في بلدته جبشيت، وأثناء عودته الى بيروت، أطلقت مروحية صهيونية صاروخاً أصاب السيارة التي تقله مع زوجته أم ياسر وطفلهما حسين، على طريق بلدة تفاحتا، فاستشهدوا معاً، لتكون شهادتهم مصداقاً للقول الذي كان يردده السيد عباس "اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر".
أسست شهادة الشيخ راغب حرب وشهادة السيد عباس الموسوي، لمراحل تاريخية من عمل المقاومة الإسلامية، التي أخذت من شهادتهما دفعاً قوياً للمضي قدماً في طريق مواجهة الصهاينة، حتى نيل إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008 

2008-02-15