ارشيف من : 2005-2008
16 شباط: "كلمات مع عروج الشهادة"
كتب عماد عواضة
هو السيد..الهامة الخضراء، يزرع دمه في تراب الجنوب فيشعل الأقحوان في الأقصى ويتمرد الشيخ على التراب يمشي إليه يلتحفه بأطياف في قلبه ويجمع حسين إلى حضنه.. فراشة وعصفوراً لأغصان العطر في السادس عشر.. السيد يترجل، والكلمات والحروف تمعن في الشهادة وتخرج أصابع ملونة ومن أكف العباس.. وأم ياسر تجمع جلبابها كفناً أبيض لإيمان حجو ودينا وبتول نصور وسارة حسن. تجمعهم في حضنها الطفولة الشهيدة بين فلسطين والجنوب ويأتي الشعراء يسرجون خيل القافية على درب السيد، والأدباء يصنعون النصّ من دمهم والريشة تأتي تختلط الألوان ترسم وجهه على جداريات وجوه الفقراء.. يفرح الفلاحون..هذا دمه بذار المواسم والغمامة الكامنة في عينيه تكفي لمواسم الزرع.
السيد في الجنوب.. والقلب يجتاحه متى الوصول وتقترب المسافات، ويقترب العشق وكربلاء تعلن عصف النخيل وتجر الرمال وكربلاء تهاجر.. وكربلاء تصل العباس هنا.. وحسين يذبح وأم ياسر تقتل والدم كان الأقوى وأتى الصوت والكلمة الصارخة "إن إسرائيل بقتلها السيد عباس الموسوي ستدفع ثمن حماقتها يوماً بعد يوم".
تأتي الكلمات والسيد يرحل.. والسيد يودِّع الجنوب وقبر الشيخ راغب وأطفال الشيخ، والمزارعون الذين رسم عيونهم في قلبه قبل الرحيل، وفاض السيد..وفاض الحبر صفحات وصفحات.. وكانت الكلمات والمواقف.. غزيرة الفكر والإحساس بعبق الشهادة.
وفي هذا.. جاءت كلمات القائد السيد الخامنئي على ترنيمة شغف القلب لتنعى القائد الموسوي قائلاً: ببالغ الأسف والألم العميق، تلقينا نبأ استشهاد المظلوم العلامة المجاهد الذي لا يعرف الكلل ولا الملل والقائد المضحِّي لحزب الله في لبنان.. حجة الإسلام السيد عباس الموسوي وزوجته ونجله، إثر الغارة الوحشية الجبانة للصهاينة المحتلين، والذي نال درجة الشهادة الرفيعة.
هذا السيد العالي المقام الذي مزج العلم بالعمل وتكلل بالصدق والتضحية والفداء، هذا العظيم، نال الشهادة من هذا الطريق، وحصل على السعادة الأبدية، وإن طريقه هذا سيواصله الشعب اللبناني والفلسطيني المظلوم.
إن هذه الدماء سوف تجعل من المقاومة الحقة للشعب اللبناني والفلسطيني أكثر جدية وأعمق ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وفي لحظة التشييع والجماهير تمشي إلى الجسد، والشعار أمامنا، لن نبكي سنثأر، وقف آية الله جنتي أمام الأجساد المباركة وهو يرثي: فزنا بك يا سيدنا يا بن رسول الله أقول لك، مثل قول سيدنا الإمام الحسين "ع": الآن انكسر ظهري، وانقطع رجائي، وقلّت حيلتي، إن سيدنا العباس الموسوي، لم يمت، في كل قطرة يثور ثائر جديد. إن الصهاينة لم يفوزوا بشيء لأننا ورثنا الشهادة عن الإمام الحسين "ع" يا بن رسول الله، الشهادة حظكم، هي ما كتب الله لكم، والله لا يرضى الموت لكم إلاَّ بالشهادة، وأنتم ورثتم هذه الفضيلة.
ووقف سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله في لحظة الشهادة يرثي أستاذه وقلبه ينزف دمعاً ودماً، وهو يقول: لكربلاء وُلد، وفي قلبه الحسين، وفي عروقه دمٌ يغلي بالغضب والثورة، وفي عينيه دمعة اليتيم المسكين، ونظرة إلى المستقبل الآتي.
أبو ياسر، عالم زاهد، عامل عابد، وثائر مجاهد، وفقير من بيت الفقراء، متواضع بلا تكلّف، يحب المساكين ويأنس بالفقراء، ويعشق المجاهدين، ويشتاق إلى الشهداء، ودائم التفكير بالأسرى والمعتقلين.
هكذا كربلاءُ دوماً، شهادة عظيم تصنع عظمة أمة، وجسد يحترق ليوحِّد شعباً.
إن في استشهاد سيدنا وعائلته قدرة على الاستنهاض لا يوازيها حشد كبير من العمليات الجهادية التي تقوم بها المقاومة، نحن لا نرى في استشهاده إلاَّ الانتصارات التي هي أعظم بكثير من هول الهزيمة التي توقّعها لنا العدو.
وفي يوم السابع، وقف سماحة آية الله، السيد محمد حسين فضل الله متحدثاً عن السيد الشهيد قائلاً: عاش الله في قلبه فكان إنسان الإيمان،وعاشت المقاومة في وجدانه، فكان إنسان الإسلام، وعاشت المسؤولية في وعيه، فكان إنسان الفكر، وعاشت الأمة في كل كيانه فكان إنسان الثورة. عندما انتقل إلى رحاب الله، أدركت الأمة معنى أن يعيش الإنسان لأجلها من خلال ما يعيش الله. قصة شهادته ليست كلمات نعلِّقها في الهواء، فالشهداء أرفع من كل الكلمات، لأن دمائهم هي الكلمات.
أمَّا الراحل آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين فقد رثى الشهيد قائلاً: الحديث عن الفضائل للشهيد عباس الموسوي، من نافلة القول بعد ان استشهد في سبيل الله على يد شرار خلق الله، هذه هي الفضيلة، الشهادة هي الفضيلة الكبرى التي تصغر عندها كل فضيلة.
ووقف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي يرثي حبيبه وشغف قلبه، يرثيه بكلمات من كتاب العشق لفلسطين وللأقصى، هذه الأمة مع موعد مع الدم، دمٌ يلوِّن الدم، دمٌ يلوِّن الأفق، دمٌ يلوِّن التاريخ، دمٌ يلوِّن الدم، ونهر لا يتوقف دفاعاً عن العقيدة والأرض والأفق والتاريخ، دفاعاً عن العدالة والحرية والكرامة.
من حمزة إلى أبي عبد الله الحسين، إلى عباس الموسوي، سلامٌ عليكم يا أهل بيت رسول الله، تضيئون بدمكم الطاهر هذا الحوض وهذا الوادي كلما أظلمت الدنيا واشتدّ الكرب، يريد الأوغاد أن يكسروا ظهري، وظهري جسر الوصل والوجد والتواصل لأمة حزب الله التي لا تموت.
كان عباس الموسوي يوغل جنوباً، وكان دوماً على خط النار بوجهه الأسمر الشامخ، وقبضته الخمينية وصوته الهادئ الوديع، يخبّئ حزباً لأمة وغضبها وعنفوانها، أيها الفدائي العظيم، كنت أحسدك وأنا أراك فلسطينياً أكثر مني، يحمل همّ فلسطين والانتفاضة والأطفال والفقراء والوحدة والجهاد والعمل.
أما الأمين العام للجبهة الشعبية للقيادة العامة السيد أحمد جبريل "أبو جهاد"، فوقف قائلاً: هؤلاء الصهاينة اعتقدوا أن باغتيالهم للسيد عباس سيحققون أهدافاً عديدة، ونحن نقول لهم، نحن لا نرتعب ولا نخاف، فتاريخ هذه الأمة حافل بالبطولات.
أما السيد أبو موسى الأمين العام لحركة فتح الانتفاضة، فرثاه قائلاً: ألم تكن هذه طريق الإمام الحسين في كربلاء، ونحن لنا في كل يوم كربلاء، ولو اختلف الزمان والمكان.
هي طريق المجاهدين في الجنوب وفلسطين، إنها المواجهة بين الحق والباطل، وفي الصراع بين الاثنين لا لا تردد، وإلاّ لما خرج الإمام الحسين مع سبعين من أنصاره، وكما ثار عمر المختار، ولَما كبَّر الشيخ القسام على جبل فلسطين "الله أكبر".
أما الأستاذ عصام المحايري في الحزب القومي الطوارئ فرثاه قائلا: السيد عباس الموسوي انطلق جهاده ضد الطواغيت، طواغيت الاستبداد والفساد، ليكتمل شرف استحقاقه لعبوديته والإنسانية لله "عز وجل". إنه في جهاده واستشهاده شاهدٌ على تطهير أرضنا من رجس الاغتصاب الصهيوني.
أما داوود باز (الحزب القومي) فرثاه بالقول: دمك هذا فيض الإيمان وحنين النفس إلى ملاقاة ربها راضيةً مرضية، وشوق حميم إلى الجنوب لتزهر النفس وتنبت أملاً بنصر قريب، هنيئا أيها السيد الشهيد بجنب جدك رسول الله "ص" وهنيئاً للجنوب تلفه بعباءتك فينعم بالدفء.
أما حجة الإسلام علي أكبر حجازي ممثلاً الجمهورية الإسلامية فوقف قائلاً: بتقديمكم قائداً كبيراً مع زوجته وابنه تنالون أجراً كبيراً، لأنكم بذلك أحييتم كربلاء من جديد، في هذه المرحلة الحساسة فقد أوجد هذا الدم ثورة جديدة في هذا العالم، وأثبت أنكم الثابتون والتابعون بحق للخط المقدس.
أما الشيخ سيد بركة من علماء فلسطين فوقف راثياً بكلمات مفعمة بالحب والشوق: سيدي ماذا يفعل المشتاقون إليك؟ سيدي ماذا لمن يشبعوا ولم يرتووا من كلماتك؟ ومن النظر إلى وجهك الكريم، سيدي قل لربك إنك تحبنا والله وحده يعلم إننا نحبك، سيدي عباس كنت قائداً فلسطينياً بالمعنى الأشمل لقيادة فلسطين، سيد عباس ها هي فلسطين في قلبك فأصبحت في قلب فلسطين.
الأمين العام للحزب الشيوعي الأستاذ الشهيد جورج حاوي رثاه بكلمات نابعة من عمق المقاومة حيث قال: هنيئاً لحزبك على الموقع الطبيعي الذي يحتله في مقاومة الأعداء ومقارعة المحتلين وحماتهم الأميركيين، الاستشهاد جاء في وجه أعتى الغزاة، وما القاتل إلاّ النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وتشكّل فيه عصابات صهيونية.
كلمة رئيس حركة أمل الذي مثّله الأستاذ هيثم جمعة، فقد توجه إلى السيد الشهيد قائلاً: السلام عليك يا رجل القضية والمواقف، أيها المتسربل جلالةً وهيبة، أنا لست أمام فعل الموت إنما أمام فعل الحياة، أليس الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لقد سعى السيد الشهيد إلى تحقيق أهدافه بإخلاص كبير وتفان أكبر، لقد وعى أن البناء الأساس للأمة هو بناء الإنسان المؤمن الملتزم، عاش الشهيد لأجل أرضه ومقدساته، عاش لأجل فلسطين وأبناء فلسطين والقدس الشريف ولأجل ذلك استشهد، استشهد السيد فداءً للإسلام، ولأنه رفض المساومة، وستبقى المقاومة في قلوب شعبنا فالموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
أما أبو محمد مصطفى من حركة حماس فقد وقف قائلاً للسيد عباس: أيها العالم المجاهد في زمن غلب فيه علماء السوء الرسميون، أيها القدوة في زمن عزَّ فيه القدوة، من فلسطين التي أحببت، فلسطين المؤشر الحقيقي لعزة المسلمين، فلسطين هي مقياس الحرارة للكرامة، أيها الشهيد عجزوا ان ينالوا منك في ساح الوغى وأنت تمتشقُ السلاح وتطلب الشهادة، فنالوا منك غيلةً وغدراً.
أما الشيخ سعيد شعبان فوقف قائلاً: الشهيد عرف الحق فأدركه وسمع قوله تعالى "وأخرجوهم من حيث أخرجوكم"، لذلك عزم على إخراجهم، إنه الإذن الإلهي للقتال والمواجهة، وكل الذين يحاولون منعنا من المقاومة يعارضون الإذن الإلهي، والذين يتحدثون عن نزع سلاح المقاومة هم أعداء المقاومة.
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008