ارشيف من : 2005-2008

لماذا لجأ الفريق المغتصب للسلطة إلى التهديد بالحرب؟ وهل بات قادراً على خوض غمارها؟

لماذا لجأ الفريق المغتصب للسلطة إلى التهديد بالحرب؟ وهل بات قادراً على خوض غمارها؟

يروي بعض المقربين من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أنه بعدما أنهى خطابه "الحربجي" الشهير الأحد الماضي أمام الجمعية العمومية للحزب، والذي هدد فيه بـ"حرق الأخضر واليابس"، وبعدما خرج الاعلاميون من القاعة أنه بادر المشاركين بالقول "ان ما قلته من كلام تصعيدي هو للإعلام فقط، وأريده توازناً معنوياً مع المعارضة، ولا أريد منكم أن تفكروا حتى بحمل سكين استعداداً لأي مواجهة مع أحد".
ويضيف هؤلاء أن بعض الحاضرين جرؤ في حضرته على القول له "ولكن التصعيد الذي بادرت اليه غير معقول، والكلام الذي قلته ستكون له ارتداداته السياسية وتبعاته العملية".
وعندها سألهم، ما المطلوب أن نفعله لنخفف من وقع الأمر، فكان الاقتراح بالإدلاء بتصريح تهدئة يمتص أبعاد كلامه ويخفف من وقعه ومن عاصفة الردود المستنكرة له في كل الأوساط، وهذا ما حصل.
وإذا كان يحلو لبعض المراقبين، أن يدرجوا هذا الكلام الجنبلاطي في خانة تقلباته وهوائياته وبهلوانياته السياسية المعهودة التي تبيح له قول الشيء ونقيضه بين عشية وضحاها، وهي ظاهرة باتت متأصلة تعبر عن لا توازن هذا الرجل، وضياعه وغرقه في لجة المخاوف والهواجس، فإن من يأخذ الأمر على محمل آخر عندما يربط بين التصعيد الجنبلاطي وبين تصعيد مماثل أطلقه رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الدين الحريري، وأعلن فيه أنه مستعد "للمواجهة"، وبين كلام مشابه قاله قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع، يجد فيه سياقا متصلا وراءه عقل واحد قرر أن يرفع من وتيرة الخطاب السياسي لفريق الموالاة كله إلى درجة التهديد بالجنوح إلى "الحرب الأهلية" أو على الأقل استعادة مصطلحاتها ومناخاتها الكريهة التي تذكّر الجيل الذي عايش بدايات تلك الحرب بكلام مؤسس حزب الكتائب بيار الجميل عندما قال عبارته المشؤومة "المحفورة" في ذاكرة "المأساة" اللبنانية وهي "لتكن الحرب ولينتصر الأقوى".
ولقد أشفع فريق الموالاة هذا الانتقال نحو تبني خطاب الحرب، بجملة ممارسات عدوانية على الأرض تبعث لمن يعنيهم الأمر برسائل توحي بأنه بات مهيأ مادياً للمواجهة، وقد تجسد ذلك بالعراضات المسلحة في بيروت والشمال وبالاستفزازات في عاليه والجبل.
"التصعيد" والتهديد بوضع الحراب على جداول أعماله ليس جديداً على سلوك الفريق المغتصب للسلطة، وعلى خطابه السياسي، فأحداث الجامعة العربية وقبلها محلة قصقص وسواها العشرات في بيروت والجبل، اضافة إلى المجموعات الميليشياوية السارحة في شوارع طرابلس وبعض أحياء بيروت شاهدة على أن هذا الفريق كان يتوسل دوماً الايحاء بأنه يمتلك أنياباً جاهزة للنهش والعض، ولكنه شاء هذه المرة أن يعطي انطباعاً أكثر وضوحاً فحواه أنه لم يعد في موقع الدفاع، بل انتقل إلى موقع القادر على الهجوم والمنازلة، وعليه فإن السؤال المطروح بإلحاح هل غادر هذا الفريق فعلاً شعار "حب الحياة" والتعلق بها الذي طالما تغنى به ورفعه ليتبنى شعار المواجهة والنزال؟ واستطراداً هل هذا التصعيد بهذه التوتيرة العالية هو تصعيد موسمي على صلة بالتحضير للاحتفالات بالذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، أم أن فكرة توسل العنف باتت أصيلة راسخة في عقل الفريق الشباطي؟
بطبيعة الحال تتعدد الرؤى  والإجابات عن هذه التساؤلات، ولكن الأمر الذي يكاد يكون مجمعاً عليه هو أن هذا الفريق بات مضطراً في الآونة الأخيرة لأن يرفع من وتيرة خطابه التصعيدي إلى درجة المجاهرة بالاستعداد للمواجهة لاعتبارات وحسابات عدة تتصل بحاضر هذا الفريق ومستقبله، أبرزها:
1 ـ إن ثمة إيحاءً من داعمي هذا الفريق ورعاته الاقليميين، تطلب منهم سلوك هذا المسلك الوعر، وبالتالي تبني خطاب "الحرب" ودفع الأمور إلى "حافة الهاوية".
2 ـ الظهور بمظهر الممسك بزمام المبادرة سياسياً وعملياً، بعدما أبرز تطور الأحداث عجز هذا الفريق عن الإتيان برئيس من لونه يملأ الفراغ الرئاسي الحاصل، أو على الأقل إرساء معادلة يظهر فيها بأنه القادر على الفعل، وليس محاصراً من قبل المعارضة التي فرضت عليه تقديم التنازل تلو التنازل، والتخلي عن فكرة انه القادر على إرساء معادلة سياسة بمعزل عن هذه المعارضة، التي كان يصفها بأنها "ظاهرة صوتية" أو "حالة انقلابية" لا تتمتع بأي حضور.
3 ـ العمل على انتزاع "ورقة الشارع" من يد قوى المعارضة، وهي الورقة التي حاصرت حكومة السنيورة الى حد الاختناق خصوصاً بعد أحداث محلة مار مخايل، التي يعتقد فريق السلطة أنها حاصرت المعارضة ودفعتها إلى إسقاط ورقة التحركات الشعبية من "أجندتها" بغية افقادها واحداً من عناصر قوتها، وجعلها في وضع المغلول العاجز عن الفعل.
4 ـ العمل على استعادة التوازن المادي والمعنوي لفريق السلطة الذي بات رموزه وأركانه يجاهرون في الآونة الأخيرة بأن "معادلة القوة" التي تملكها المعارضة، لا يمكن له مضاهاتها ومجاراتها.
وعليه فإن جمهور هذا الفريق عاش حالة قنوط ويأس من هذا الأمر، وبالتالي بدأ يفقد تدريجياً ثقته بـ"قيادته".
لقد عبّر جنبلاط في مجالسه الخاصة خير تعبير عن هذه الحالة عندما قال: "لقد تعاملت المعارضة معنا وكأننا في حالة انهيار، خصوصاً بعدما اضطررنا إلى تقديم تنازلات مذلة عما كنا نعتبره ثوابت، ولم نحصل على التسوية المشرفة.
وبمعنى آخر أراد فريق السلطة عبر رفع عقيرته بالصياح والتهديد وعبر "تضخيم" متعمد لحجم استعداداته العملانية للمواجهة، ارساء معادلة قوة تظهر جهوزيته للمواجهة.
5 ـ حاجة هذا الفريق المستمرة إلى "مقويات" تجمع شتاته، وتشد من أزره، وتؤكد أنه ما زال على رجله، وبطبيعة الحال لم تعد "المقويات" الخارجة المتمثلة برسائل الدعم وتصريحات التأييد وزيارات الاسناد، كافية ومجدية خصوصاً من الادارة الأميركية التي يعلم تمام العلم، أنها على وشك  الرحيل، أو أنها دخلت في مرحلة الغيبوبة و"الكوما" التي تفرضها معركة الانتخابات الرئاسية التي ستمتد أشهراً.
6 ـ لم يعد خافياً أن هذا الفريق يسارع إلى رفع صوته بالصراخ والتهديد، بغية الظهور بمظهر المعادل للمعارضة قوة وامكانيات واستعدادات، لقطع الطريق على انضاج تسوية يعتقد انها تتم في عواصم خارجية، وستفرض عليه تقديم المزيد من التنازلات أو على الأقل لتحسين شروطه فيها، ولكي لا تكون على حسابه. ولم يعد خافياً أن هذا الفريق في الوقت الذي يرغي ويزبد فيه، قد يحرص على تقديم كشف حساب فيما يعتقد أنها تنازلات أجبر على تقديمها، بدءاً من تنازله عن شعار الاتيان برئيس من لونه أو من رحمه السياسي، مروراً بقبوله برئيس توافقي واستعداده للقبول بتعديل الدستور، ولا يفوته أن يشير إلى أنه اضطر مكرهاً على الدخول في مفاوضات على تشكيل الحكومة المقبلة وحصص الأفرقاء فيها، وهو الذي يعتبر ذلك واحداً من خطوطه الحمراء المتعددة.
لذا، لا يستبعد البعض أن تكون هذه "الفورة" التصعيدية التي لجأ اليها فريق السلطة هي مقدمة الكي، بزعم أن أي تسوية ستظهر لاحقاً أو يستشعر حصولها، انما تمت تحت ضغط حراكه السياسي.
7 ـ لا يفوت بعض المراقبين السياسيين أن يدرج التصلب والصخب الذي تحدثه تصريحات رموز الموالاة بأنها ربما تكون استدعاء أو تغطية لفعل من خارج السياقات المرئية كمثل التدويل أو سواه من أمور يراهن عليها العقل الباطني لهذا الفريق، ولا سيما أنه عاش طويلاً على رهانات الضربات الأميركية الاسرائيلية المتوقعة لكل من سوريا والجمهورية الاسلامية الايرانية.
واذا كان كل هذا التصعيد الذي يلجأ فريق الموالاة إلى اتباعه هو اجراء وقائي للحؤول دون انفراط عقده وعقد جمهوره الذي عيشوه طويلاً على مقولة إن المعارضة هي الواقفة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، فإن ثمة سؤالا مفاده هل العقل السياسي لهذا الفريق يخلو تماماً من أي حيز للتفكير بالإقدام على مغامرة ولوج حرب أهلية يهدد بحصولها؟
اللافت أن هذا الفريق دأب خلال الأيام القليلة الماضية، على تكريس قسم كبير من تصريحاته وجهده لكي يثبت أنه ليس جاداً على خوض غمار هذا الخيار وتحمل تبعاته. والواضح أن الفريق عينه سهى عن باله، في ذروة حالة اليأس التي يقاسيها "أن السياسة جدها جد وهزلها جد، وفق قول للرئيس نبيه بري، وبات لزاماً على هذا الفريق أن تحترق أصابعه بلهيب حرب يهدد بها قبل حدوثها، فكيف إذا جرّب فعلاً مثل هذه الحرب التي يهدد بها ويتوعد بالنزول إلى ميدانها.
وقديماً قال الشاعر العربي في  معرض تحذيره من مخاطر الحرب: هي الحرب ما ذقتم وما علمتم.
فكيف اذا كان يهدد بها من هو أعجز عن فعلها.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008
 

2008-02-15