ارشيف من : 2005-2008
الادعاء في ملف مجزرة مار مخايل ـ الشياح بمواد تصل عقوبتها إلى 10 سنوات
خلصت التحقيقات الأوّلية التي قامت بها لجنة قضائية أمنية في جريمة مار مخايل ـ الشيّاح، إلى جملة حقائق عن تورّط عسكريين من الجيش اللبناني في القتل، وإن لم تكن الغاية المرجوّة هي القتل عن سابق تصوّر وتصميم، ما دفع بالنيابة العامة العسكرية إلى التعاطي معها بحزم والذهاب إلى أقصى الممكن بالادعاء بسلاح الجناية، وهو ما يحصل للمرّة الأولى في ملف من هذا النوع، وعدم الاقتصار على المطالبة بتنفيذ المواد القانونية ذات الأحكام الجنحية كما كان يجري عادة في السابق.
فقد أفضت التحقيقات الأوّلية إلى تكوين قناعة حسّيّة لدى القاضيين جان فهد ورهيف رمضان وقائد الشرطة العسكرية العميد نبيل غفري، بأنّ أوّل شهيد في هذه المجزرة وهو أحمد حمزة، لم يصب برصاصات الغدر القاتل التي انطلقت من محلّة عين الرمانة، حيث توجد استحالة لإصابته من هناك، فضلاً عن أنّ الرصاصة المستخرجة منه والعائدة لرشّاش من نوع "كلاشينكوف"، لم تتطابق مع الرشّاش الذي عثر عليه في غرفة ناطور أحد المباني في عين الرمّانة بعدما جرت مقارنة علمية ومخبرية للرصاصة والرشّاش في المختبرات العلمية، وكانت النتيجة سلبية لجهة التطابق، بمعنى أنّ إصابة حمزة لم تأتِ من رصاصة أطلقها حامل الرشّاش المذكور، وإنّما أصيب برصاصة من رشّاش آخر استخدمه مجهول لتأجيج مسرح الأحداث قبل أن يتوارى عن الأنظار، بدليل أنّ التحقيقات والتحرّيات والاستقصاءات لم تتمكّن من التوصّل إلى معرفة هويّته لتوقيفه.
وهذا الأمر أدّى إلى الادعاء على مجهول بقتل حمزة، وهو لن يصبح معلوماً إلاّ في حال توقيفه في حادثة أو جريمة أخرى، أو إذا ما فضحه من حرّضه لارتكاب جريمة القتل العمد بغية إشعال المزيد من الحرائق والدماء، وإخراج الاحتجاج الشعبي العفوي على استمرار انقطاع التيّار الكهربائي وتردّي الأوضاع المعيشية عن طريقه وخطّته الأساسية، وذلك في سبيل توسيع رقعة الفتنة لضرب التلاحم والتضامن الذي تجلّى في غير مناسبة بين الجيش والمقاومة وشعب المقاومة أيضاً في ساحة مواجهة العدوّ الإسرائيلي.
ولم يستبعد فهد أن يكون القاتل من صفوف الجيش اللبناني، فشمل بادعائه عسكريين ومدنيين على حدّ سواء.
التدقيق بالتحقيق
ففي اجتماع مطوّل دام سبع ساعات في مكتب النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا في قصر عدل بيروت، وضمّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي جان فهد، ومعاون مفوّض الحكومة القاضي رهيف رمضان، وانتهى قرابة الساعة العاشرة من مساء يوم الاثنين في 11 شباط/ فبراير الجاري، جرى عرض دقيق لما آلت إليه نتائج تحقيقات اللجنة القضائية الأمنية من استجوابات وسماع إفادات شهود ومعاينة لمسرح الجريمة والأدلّة المضبوطة، وما التقطته كاميرات المراقبة من صور حيّة وما تضمّنته كاميرات محطّات التلفزيونات التي نقلت نفسها إلى موقع الحدث وبالغت في تصوير مجريات الأحداث بحسب نظرتها السياسية إليه، وماهية الجرائم المرتكبة والوصف القانوني اللازم لها.
الادعاء
وفي المحصّلة أصدر القاضي فهد ادعاءه بموجب ورقة طلب، فصّل فيها كلّ حالة، وذلك على الشكل التالي:
- الادعاء على مجهول ومن يظهره التحقيق من مدنيين وعسكريين، لإقدامه في منطقة مار مخايل ـ الشيّاح في 27-1-2008، على قتل أحمد حمزة وإصابته إصابة قاتلة، وهو الجرم المنصوص عليه في المادة 550 معطوفة على المادة 560 من قانون العقوبات، والمادة 72 من قانون الأسلحة.
- الادعاء على ضابطين (برتبة رائد) وأحد عشر عسكرياً ـ بينهم أحد عشر موجودون ـ وكلّ من يظهره التحقيق من مدنيين وعسكريين، بأنّهم أقدموا على مخالفة التعليمات العسكرية، وعلى إطلاق النار باتجاه المتظاهرين من غير قصد القتل، وتسبّبوا بوفاة ستّة مدنيين وجرح آخرين، وهي الجرائم المنصوص عليها في المادة 166 من قانون القضاء العسكري، والمواد 550، و377، و556، و557 معطوفة على المادة 560 من قانون العقوبات.
- الادعاء على ضابط وخمسة عسكريين موجودين أقدموا على مخالفة التعليمات العسكرية أثناء تنفيذ مهامهم من غير التسبّب بإيذاء عدد من الأشخاص، وهي الجرائم المنصوص عليها في المادة 166 قضاء عسكري، و277، و550، و556 عقوبات معطوفة على المادة 560 عقوبات.
- الادعاء على مدنيين اثنين موجودين بجرم حيازة مسدّس حربي من دون ترخيص، والاشتراك في أعمال شغب ومعاملة عناصر الجيش بالشدّة، وهي الجرائم المنصوص عليها في المادة 72 من قانون الأسلحة، و346، و348، و381 من قانون العقوبات.
- الادعاء على 58 مدنياً بينهم خمسة موجودون، إضافة إلى كلّ من يظهره التحقيق، بأنّهم أقدموا على القيام بأعمال الشغب ومعاملة عناصر الجيش بالشدّة، وهي الجرائم المنصوص عليها في المواد: 346، و348، و381 من قانون العقوبات.
- الادعاء على كلّ من يظهره التحقيق من المدنيين بإقدامهم على إضرام النار في سيّارات مدنية وإلحاق الضرر بأملاك خاصة، ومحاولة قتل عناصر من الجيش ومن المدنيين بإطلاق النار، وإلقاء القنابل عليهم وإصابة أحد الضبّاط في خوذته، وإطلاق النار على آليات عسكرية وإلحاق الأضرار بها، وهي الجرائم المنصوص عليها في المواد: 547/201، و590، و733 من قانون العقوبات، والمواد: 72 و75 و76 من قانون الأسلحة.
- الادعاء على كلّ من يظهره التحقيق بإلقاء قنبلة يدوية في منطقة عين الرمانة محاولاً قتل الموجودين في الشارع، وهي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 547/201 عقوبات، والمادتين: 72 و76 أسلحة.
جنايتان لا جنح
ويلاحظ أنّ هذا الادعاء تضمّن للمرّة الأولى في تاريخ المؤسّسة العسكرية وفي تاريخ الأحداث التي وقعت بين الجيش اللبناني ومواطنين مسالمين واستخدم فيها الرصاص الحيّ، جنايتين معاً، بعدما كانت كلّ الادعاءات السابقة في حوادث مماثلة تقتصر على جنح، وهذا ما يعزّز الاعتقاد لدى المتابعين لهذه المجزرة وللتحقيق فيها، بأنّ اللجنة القضائية الأمنية بذلت جهوداً مضنية وبعيداً عن أي تأثيرات جانبية وسياسية، في تعاطيها مع هذا الملفّ بجدّية تامة، فحرصت على سمعة الجيش وهيبته كحافظ لأمن البلاد والعباد، وأعطت الوصف القانوني الملائم للشهداء والجرحى عبر المطالبة بالاقتصاص من العسكريين الذين خالفوا التعليمات العسكرية وتعاطوا معهم بلغة الرصاص بدلاً من استخدام وسائل قمع أكثر حضارية ورقياً وسلماً كما حصل في لبنان في غير حادثة، وكما يقع في غير دولة أجنبية متمدّنة.
والجنايتان المقصودتان هما المنصوص عليهما في المادتين: 550 و557 من قانون العقوبات. فالأولى تنصّ على أنّه "من تسبّب بموت إنسان من غير قصد القتل، بالضرب أو العنف أو الشدّة أو بأيّ عمل آخر مقصود، عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقلّ". والثانية تقضي بأنّه "إذا أدّى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدها، أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبّب في إحداث تشويه جسيم أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر".
ويستشفّ من مضمون المادتين أنّهما جنايتان، وتفسيرهما القانوني هو التالي:
أولاً: بالنسبة للمادة 550، فهي تفترض في هذا الملفّ أنّ الجيش اللبناني أطلق نيران أسلحته الرشّاشة على المتظاهرين ليس بنيّة القتل، وإنّما بغاية الإصابة والتفريق وشرذمة صفوف المحتجين ومنعهم من محاولة إحراق الدواليب ثانية، ولذلك تحدّثت هذه المادة عن التسبّب بموت إنسان من غير قصد القتل.
وثانياً: بالنسبة للمادة 557، فهي أتت لحفظ حقوق الجرحى الذين تعرّضوا لإصابات بالغة، حيث تبيّن أن هناك من بُترت إصبعه أو تأذّت خاصرته، وربّما لا يشفى منها نهائياً، وتبقى ملازمة له كتشوّه أو عاهة!!
وإذا ما تكوّنت لدى المحكمة العسكرية خلال مرحلة المحاكمة قناعة بتجريم الضبّاط والعسكريين بهاتين الجنايتين، أو بإحداهما على الأقلّ، وأصدرت حكمها سنداً لذلك، فإنّها تكون قد مهّدت الطريق أمام قيادة الجيش اللبناني لتجريدهم من رتبهم العسكرية وطردهم من هيكلها.
ولا بدّ من التوضيح أنّه من الصعب تغيير هذا الادعاء، فلا يحقّ لقاضي التحقيق العسكري استبدال ادعاء آخر به، بل على العكس تماماً فهو ملزم به. وإذا ما ظهرت معطيات جديدة خلال التحقيق تؤدّي على سبيل المثال إلى معرفة مطلق النار على الشهيد أحمد حمزة وغايته من الإجهاز عليه، يرفع قاضي التحقيق الملفّ إلى النيابة العامة العسكرية مع المعلومات الجديدة المتوافرة، لتدعي على هذا الشخص بمواد إضافية. كما أنّ المحكمة العسكرية مضطرّة للالتزام بما يصدر في القرار الاتهامي في نهاية المطاف، من مواد اتهامية، مع استنسابية لها في طريقة تطبيقها وتحديد العقوبة المطلوبة.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008