ارشيف من : 2005-2008
نفطة حبر: ورضوان من الله أكبر
في المشهد الأول
استشهد أمير العشاق، اشتمّ رائحة الجنة فانسلّ من بين اخوته المجاهدين، حمل غربته وأمواج روحه العالية وغاب. غاب الفارس الليلي بعد تطوافه الطويل، وقف أمام أبواب العالم الآخر هنيهةً، ففتحت أبواب الجنان: من هذا القادم من سفرٍ طويل؟ خفقت أجنحة الملائكة واصطف الشهداء وسارعت الحور: أن املأوا للملاّح القادم الأكواب.
في المشهد الآخر:
ماذا يقول الخبر العاجل؟ لقد استشهد الحاج عماد.
الحاج عماد..
نعم استشهد الحاج عماد، يا لحزن الساحات وقهر الليالي ولوعة أذكار الأسحار! استشهد الحاج عماد، فغرقت شبابيك القرى بالدموع وغصّت حناجر الرجال بالبكاء، ويا ويل الأفعى من غصّة الرجال الرجال!
الضاحية الثكلى لملمت سريعاً جراحها ودموعها، فليس لها لاحق بترف الحزن الشخصي، بل لها العمل ولها تشييع الشهداء واحتضانهم أمواتاً كما أحياءً، كما ربتهم في أحيائها وصنعت أساطيرهم وملامحهم وتاريخهم.
كان التشييع المهيب يليق بجنازة قائد من طراز الحاج عماد..
لقد حقق الحاج عماد مغنية إنجازات نوعية يفتخر بها حزب الله، وراكم كيفياً وكمياً في مجاله النوعي عدداً من الانتصارات، وكان مبدعاً حقيقياً في مجاله الجهادي، اذ جعل من ممارسته الجهادية منارة تستضيء بها أجيال المقاومة المتعاقبة. العزاء كل العزاء لصاحب الزمان (أرواحنا لمقدمه الفداء)، ولصديق الشهيد الحميم سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله، الذي سيترك غياب "الحاج رضوان" فيه جروحاً عميقة غائرة لا تندمل. فقد كان كل منهما للآخر صديقاً حميماً وأخاً في الجهاد والمقاومة، نهلا من المعين نفسه، ودرسا في المدرسة الحسينية نفسها، وتخرجا معاً.. أحدهما شهيداً والآخر ينتظر.. إنها الأمانة التي حملاها واحتمالاها منذ عشرات القرون.
ارتحل "الحاج رضوان" وبقي إخوانه المقاومون يواصلون الرحلة الطويلة، رحلة البحث عن مرضاة الله. التقوا أحراراً وافترقوا أحراراً، متمتعين بمرضاة الله، وبطمأنينة وسكينة نابعة من الإحساس بالقيام بالواجب والتكليف الإلهي الملقى على عاتقهم. لقد انبعثت ذواتهم حرة طليقة من أجسادهم وأنفسهم، حتى غدوا بلا أجساد وبلا نفوس، لأنهم ببساطة باعوا أنفسهم لله، فربحت تجارتهم وفازوا بجنة عرضها كعرض السموات والأرض.. ورضوان من الله أكبر.
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008