ارشيف من : 2005-2008

هل أكد فينوغراد بداية نهاية "إسرائيل"؟

هل أكد فينوغراد بداية نهاية "إسرائيل"؟

كتبت ليلى نقولا الرحباني

مما لا شك فيه لكل مراقب موضوعي ان "اسرائيل" تمتلك قوة عسكرية وتكنولوجية ونووية لم يستطع ـ او بالاحرى لم يُسمح ـ لأحد من الدول العربية بامتلاكها، بل هي تمتلك من القوة العسكرية والتكنولوجية ما يفوق قدرة العرب مجتمعين، كما امتلكت هيبة وسطوة اكتسبتها بفعل الحروب التي خاضتها ضد العرب، فهي لم تدخل حرباً منذ العام 1948 إلا وانتصرت فيها، وفي بعض الاحيان كان النصر سريعاً وبساعات معدودة، كما حصل في حزيران 1967 حين انتصرت على ثلاثة من الجيوش العربية بستة ايام، أو الاصح انها حسمت المعركة خلال الساعات الست الاولى.
وهكذا، وبالرغم من تاريخها الحديث الذي لم يتجاوز الستين عاماً استطاعت "اسرائيل" أن تكرس نفسها قوة اقليمية كبرى يحسب لها حساب في المنطقة، وذلك من خلال تفوقها العسكري واسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وتفوقها التكنولوجي، وسعيها الدائم الى التوسع والاستيطان واحتلال أراضي الغير بالقوة، ونجاحها في مخططاتها التوسعية بدون محاسبة او اعتراض من المجتمع الدولي، بل وبمباركة منه في معظم الاحيان.
في العام 2000 انسحبت "اسرائيل" من الجنوب اللبناني، وكان انتصار للبنان بالتحرير، لكن "اسرائيل" غطت انسحابها من الاراضي اللبنانية بحجة تنفيذ القرار الدولي 425 وذريعة الوعود التي قطعها باراك لناخبيه خلال حملته الانتخابية، ولم تعترف "اسرائيل" بأنها هُزمت في لبنان، بل ان بعض المحللين العرب "الانهزاميين" ذهبوا الى توصيف الانسحاب بأنه "صفقة" تمت بين "اسرائيل" والمقاومة تقضي بأن تنسحب "اسرائيل" من جنوب لبنان مقابل أن تؤمن المقاومة أمن المناطق الشمالية والهدوء على الحدود بين البلدين.
اما اليوم، ها هي "اسرائيل" تعترف رسمياً بهزيمةٍ أنكرها الفريق الحاكم مدة طويلة، فما هي تداعيات هذه الهزيمة الاسرائيلية أو "الاخفاق" كما سماه فينوغراد على وجود "اسرائيل" كدولة اقليمية كبرى وفاعلة في الشرق الاوسط؟
يقول بول كينيدي في كتابه الشهير "نشوء وسقوط القوى العظمى" ان القرن العشرين هو القرن الذي شهد سقوط أكبر عدد من الإمبراطوريات كالعثمانية والفرنسية والبريطانية والسوفياتية والألمانية.‏ وعندما درس أسباب سقوط هذه الإمبراطوريات؛ وجد أن هناك ثلاثة عوامل مشتركة ساهمت في سقوط الإمبراطوريات السابقة، وهي:‏
العامل الأول اقتصادي: ويتلخص بفقدان القدرة التنافسية والإنتاجية وتجاوز بلدان أخرى للإمبراطورية اقتصادياً.
العامل الثاني: حالة التوسع الشديد في الهيمنة الخارجية التي تؤدي إلى بعثرة القوة الإمبراطورية، ما يؤدي إلى إرهاقها اقتصادياً، وهذا الإرهاق سينعكس على الميدان العسكري، فتلحق بها هزيمة عسكرية، عندئذٍ يصبح شعب الإمبراطورية غير مقتنع ولا مؤيد للهيمنة والتوسع الإمبراطوري، بل يبحث عن أمنه الداخلي كما حدث للإمبراطورية السويدية والبرتغالية.‏
العامل الثالث: الهزيمة العسكرية التي تلحق بالإمبراطورية في حرب ما، والتي تعرضها فيما بعد إلى غزو داخلي.‏
واذا انطلقنا من معايير كينيدي، وطبقناها على الحالة الاسرائيلية ـ بالرغم من أن "اسرائيل" لم تصل الى حالة الامبراطورية بالتأكيد ـ فإننا نجد ما يلي:
-  بالنسبة للعامل الاقتصادي، تفيد الدراسات بأن الاقتصاد الاسرائيلي لا يحقق نمواً كافياً، بل ان "اسرائيل" تعتمد اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً على المساعدات التي تأتيها من الولايات المتحدة الاميركية، وقد تراجع الاقتصاد الاسرائيلي تراجعاً كبيراً بعد عدوانها على لبنان في تموز 2006. ومن منا ينسى ان قصف معمل الالبان اللبناني في البقاع كان بسبب تفوقه على الانتاج الاسرائيلي وكسبه للمناقصات في اوروبا. كما ان اعتماد "اسرائيل" على بيع دبابة الميركافا اسقطته "مجزرة الميركافا في وادي الحجير" في لبنان خلال العدوان، وهكذا خسر الاقتصاد الاسرائيلي مليارات الدولارات وسوقاً انتاجياً مهماً كان يعتمد عليه.
- اما بالنسبة للشعب الاسرائيلي، فإنه، ومنذ اكثر من عقد من الزمن، بات يفتش عن امنه الخاص ولم يعد كما كان من قبل يبغي التوسع والاستيطان، بل ان العامل الاساسي المؤثر على المجتمع الاسرائيلي كان ولا يزال الخسائر البشرية أولاً والمادية ثانياً، كما تشير الاحصاءات الى ان المجتمع الاسرائيلي يعاني هجرة معاكسة منذ مدة بسبب فقدان الامن والازدهار الاقتصادي.
والحقيقة ان القادة الاسرائيليين كانوا دائماً على علم بواقعهم المجتمعي، لذلك كانوا دائماً "يأخذون المعركة الى أرض العدو" ويتحاشون وقوعها على ارضهم، باستثناء هذه الحرب الاخيرة في 2006  حيث استطاعت المقاومة بصواريخها ان تهز "الشعار الامني" الذي لطالما تغنى به الاسرائيليون. وهذا اثبته ما جاء في تقرير فينوغراد في الفقرة 27: "الجبهة الداخلية كانت مشاركة في الحرب رغماً عنها. والواقع أن شمال الجليل عرف في الماضي إطلاق صواريخ الكاتيوشا، لكن هذه الحرب كانت الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الداخلية الشمالية ...". وفي مكان آخر يورد التقرير: "الجيش الاسرائيلي تصرف في الحرب كمن خشي من وقوع الإصابات في صفوف جنوده...."، وبنظرة أخرى الى نص الفقرة 32 من التقرير نجد: "تم تعيين اللجنة بسبب شعور قوي في الجمهور بالانكسار والخيبة من نتائج الحرب وأسلوب إدارتها....".
وهكذا، وباعتراف فينوغراد نفسه يكون البند الثاني من شروط كينيدي لانهيار الامبراطوريات قد تحقق بالفعل. 
اما البند الثالث من معايير كينيدي وبعد الاعتراف بالهزيمة العسكرية رسمياً، فإن الاسرائيليين بالتأكيد يخشون ـ ولو لم يعلنوا ذلك صراحة ـ من تكرار التجربة اللبنانية في الداخل الفلسطيني.
وهكذا بربط جميع هذه الامور بعضها ببعض، نعتقد ان "اسرائيل" أدركت تداعيات نتائج عدوان تموز الاستراتيجية الخطيرة على كيانها، لذا فهي تستعد وتحضّر جيشها وشعبها لحرب قادمة على لبنان، فتعد لها العدة اللوجستية والمجتمعية، لانها تدرك ان الهزيمة التي لحقت بها في لبنان ستكون لها نتائج خطيرة على وجود "اسرائيل" ككل في المنطقة ،وهذا ما اعترف به فينوغراد عندما قال في الفقرة 8: "... سواء تجاه الإنجاز العسكري المطلوب في مقابل حزب الله، أو في ما يتعلق بالمكانة الاقليمية والعالمية لـ"اسرائيل"، أو تجاه قدرتها في الدفاع عن الجبهة الداخلية الاسرائيلية من استمرار إطلاق الصواريخ، يمكن أن نقدر أن نتائج الحرب كانت "تفويتاً خطيراً" للفرصة....", وفي مكان آخر يعتبر ان هذا "الاخفاق الاسرائيلي" سيكون له "آثار بعيدة المدى على مكانة "اسرائيل"..".
اذاً، بعدما تبين ان شروط انهيار الامبراطوريات حققها انتصار لبنان التاريخي في تموز 2006، نعتقد ان "اسرائيل" تتجه الى خسارة هيمنتها وجبروتها ووظيفتها في الشرق الاوسط. فهل يمكن أن يؤدي هذا الى تحجيمها وانهيارها كدولة كبرى مهيمنة كما انهارت الامبراطوريات السابقة وتحجمت؟ الامر مرهون بالمستقبل، وبقدرة "اسرائيل" على استعادة الهيبة، وبقدرتنا على الاستفادة من العبر والتحضر لما سيأتي.
الانتقاد/ العدد 1254 ـ 15 شباط/فبراير 2008    

2008-02-15