ارشيف من : 2005-2008
ايران الدولة الفضائية رقم 12: انجاز اضافي يتوج قوتها المتصاعدة
الانجاز الذي حققته الجمهورية الاسلامية على اعتاب الاحتفال بالذكرى التاسعة والعشرين لانتصار ثورتها بإطلاقها بنجاح صاروخاً مخصصاً لحمل الاقمار الاصطناعية، ودخولها نادي الدول الفضائية لتحمل الرقم 12 فيه، حيث دشنت اول مركز فضائي لها يتضمن قمراً صناعياً ومحطة مراقبة تحت الأرض ومنصة اطلاق، ليس حدثاً عادياً، لا من الناحية العلمية ولا من الناحية السياسية لا سيما في هذا التوقيت بالذات.
فهذا الاختراق الكبير لايران برغم عدم تقديمها الكثير من التفاصيل حول مدى الصاروخ الذي حمل اسم "سفير" وقوته والارتفاع الذي وصل اليه، يشكل واحدا من مظاهر القوة التي تتمتع بها هذه الدولة وتواصل ضخ المزيد من العناصر فيها في المجالات كافة، برغم الحصار الذي تتعرض له والضغوطات التي تمارس عليها، والتلويح بالعدوان عليها على خلفية برنامجها النووي الذي قطعت فيه شوطاً كبيراً بجهود ابنائها العلماء، وتكاد تبلغ مرحلة الاكتفاء الذاتي المطلق في هذا المجال.
ويأتي الحدث الفضائي استكمالا لعملية تطوير مستمرة لهذا المجال حيث كانت ايران اختبرت في شباط/ فبراير 2007 بنجاح اول صاروخ فضائي يصل الى ارتفاع 150 كلم، ما يجعله تقنيا في الفضاء الذي يبدأ اعتبارا من مئة كلم حسب
الاتحاد الدولي للطيران، لكنه غير كاف لوضع قمر صناعي في مدار منخفض. لكن الصاروخ الجديد استكمل المواصفات الضرورية لاتمام عملية وضع قمر اصطناعي، حيث ان المركز الواقع في منطقة صحراوية نائية شمال ايران سيستخدم لاطلاق اول قمر اصطناعي ايراني الصنع اطلق عليه اسم "اوميد" (امل) في ايار/ مايو او حزيران/ يونيو من هذا العام.
وبحسب الاعلانات الرسمية فإن ايران تنوي بحلول العام 2015 "صنع قمرين اصطناعيين للاتصالات والابحاث ومحطة لقياس البعد فضلا عن قمر اصطناعي مشترك مع دول اسلامية".
وتملك ايران حاليا قمرا اصطناعيا واحدا هو "سينا-1" المصنع في روسيا والذي
وضعه صاروخ روسي في المدار في تشرين الاول/ اكتوبر 2005 من موقع اطلاق في روسيا. وهي كلفت روسيا صنع قمر اصطناعي ثان يدعى "زوريه" بموجب اتفاق وقع في كانون الثاني/ يناير 2005 الا ان انجازه تأخر بسبب رفض مؤسسات اوروبية تصنيع اجزاء من هذا القمر وتسليمها لروسيا لانها لا تريد المساهمة في صنع قمر صناعي ايراني.
ازاء هذه المواقف وضعت طهران خطوتها الجديدة في اطار معركتها ضد الهيمنة الغربية. وكان واضحا الرئيس محمود احمدي نجاد بقوله خلال افتتاح المركز انه "لا يمكن لأي قوة أن تقف بوجه الامة الايرانية"، مهاجماً نظام الهيمنة الذي يذل الشعوب والأمم عبر الايحاء بأنها عاجزة، واضعاً ما حصل في اطار وجوب ان "يكون لدينا وجود ناشط وفاعل في الفضاء".
على ان ابرز تعبيرات نظام الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة هو ان برنامج الصواريخ الايرانية يخضع للعقوبات التي تفرضها الامم المتحدة مثله مثل برنامج التخصيب النووي، وهي تثير مخاوف مستمرة من أي تقدم تحرزه طهران، ومنه البرنامج الفضائي الايراني، حيث يرى الغربيون ان الهدف من البرنامج الباليستي الايراني ليس سوى خدمة البرنامج النووي.
وفي هذا السياق سارعت واشنطن عبر الناطقة باسم البيت الابيض دانا بيرينو، وبعد ساعات فقط من اطلاق الصاروخ، الى وصف ما حصل بالأمر المؤسف لان ذلك "يزيد عزلتهم عن بقية دول العالم" حسب تعبيرها، فيما اضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورمك على ما ذكرته بالقول ان "نوع التكنولوجيا والامكانيات الضرورية لاطلاق آلية فضائية الى المدار هي نفسها المستخدمة لاطلاق صواريخ بالستية بعيدة المدى"، مضيفا انه امر "مثير للقلق". واضاف ماكورماك ان "مجلس الامن واعضاءً آخرين في المجموعة الدولية اعربوا عن قلقهم العميق من تطوير ايران صواريخ بالستية قصيرة وبعيدة المدى"، معتبرا ان "سبب هذا القلق هو استمرار بحوثها لتخصيب اليورانيوم الذي يمكن ان يستخدم لصنع سلاح نووي". كما كان لافتاً تعبير روسيا عبر نائب وزير خارجيتها الكسندر لوسيوكوف عن قلقها عندما اعتبر ما حصل بأنه "يثير شكوكاً حول رغبة ايران في صنع اسلحة نووية، لان الصواريخ البعيدة المدى هي أحد أسس برنامج التسلح".
وبمعزل عن خلفيات الموقف الروسي النادر فإن التصريحات الهجومية الاميركية ردت عليها طهران اولاً بالتقليل من اهميتها، وثانياً بالتأكيد أن هذا "القلق صادر عن دول تملك اسلحة الدمار الشامل وتطورها باستمرار وتقوم سياستها على التهديد والوعيد".
كما ان ايران بإطلاقها الصاروخ ضربت عُرض الحائط بكل محاولات مجلس الامن الدولي الجارية حالياً لفرض عقوبات على ايران تشمل اجراءات جديدة كالحظر الشامل على سفر مسؤولين مرتبطين ببرنامجي طهران النووي والصاروخي، اضافة الى تفتيش الشحنات من ايران واليها.
على ان هذا الحدث تزامن مع تقديرين: واحد للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقراً له تحدث فيه عن تراجع خطر شن عدوان عسكري اميركي على ايران بالرغم من تصميم طهران على الاستخفاف بقرارات الأمم المتحدة، واحراز طهران في المقابل تقدماً في انتاج جيل جديد من اجهزة الطرد النووي.
اما التقدير الثاني المتصل فمن مئير داغان رئيس الموساد الاسرائيلي الذي قال ان ايران ستملك القدرة النووية العسكرية خلال ثلاث سنوات وفق ما صرح به امام لجنة الشؤون الخارجية والحرب في جلسة مغلقة للكنيست.
من هنا فإن مضي ايران في تحقيق الانجاز العلمي تلو الآخر، سواء في المجال النووي أو الصواريخ البالستية أو الفضاء، يعد انتكاسة لكل محاولات تعطيل قدراتها ومنعها من بلوغ مراحل متقدمة جداً، ورسالة بأنها غير آبهة بكل التهديد والتهويل الذي يمارس عليها، وغير مكترثة لأي تأويل يخرج أي انجاز تقوم به عن سياقه الطبيعي والمشروع. والخلاصة ان الجمهورية الاسلامية اضافت لقباً جديدا الى ألقابها وهو انها اصبحت دولة فضائية بعدما طوبت نفسها دولة نووية في اطار تصاعد قوتها لتحتل مرتبة متقدمة جداً في عالم الأقوياء.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008