ارشيف من : 2005-2008
طهران والقاهرة: تعاون وتفاهم وعودة قريبة للعلاقات الرسمية
طهران ـ محمد محسن
"أكثر الاسماء الرائجة للنساء زهراء وفاطمة وللرجال محمد وعلي وحسن وحسين" هكذا جاءت نتيجة الاحصاءات في كل من طهران والقاهرة, يضيف الكاتب الايراني سعد الله زارعي في معرض تأكيده على المشتركات الثقافية والاجتماعية التاريخية العريقة بين ايران ومصر.
"على الرغم من قطع العلاقات الديبلوماسية عام 1979 فإن العلاقات بين شعبي ونخب البلدين تكاد تكون الأفضل بين البلدان الاسلامية, فعلى سبيل المثال أهم الجامعات المصرية تضم 140 مقعداً لتدريس الادب الفارسي و100 استاذ و800 طالب جامعي"، وهكذا يؤكد وزير الخارجية المصرية احمد ابو الغيط بأن مكاتب المصالح في البلدين اكثر نشاطا وفعالية من الكثير من السفارات، وان مسؤوليهما هما على مستوى سفير، وان علمي ايران ومصر يرفرفان في القاهرة ومصر.
"مسألة التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين ستكون في غضون مدة قصيرة جدا وستشهد نقلة نوعية" كما قال رئيس مجلس الشورى الاسلامي حداد عادل أثناء زيارة هي الاولى من نوعها للقاهرة التقى خلالها الرئيس والمسؤولين المصريين بعد مشاركته في لقاء المجالس الاسلامية.
من المفارقات العجيبة ان محور العلاقات وقطعها وإعادتها بين القاهرة وطهران كان على الدوام "القضية الفلسطينية والموقف من العدو الصهيوني"! كما يشير احد المحللين الايرانيين, "مصر عبد الناصر" قامت في العام 1960 بقطع العلاقات مع النظام الشاهنشاهي في ايران بسبب تعامله مع "اسرائيل" حيث شكلت علاقاته انذاك بالكيان الغاصب اختراقا اسرائيليا ـ اميركيا للجبهة الاسلامية العربية المعادية لـ"اسرائيل"، ولعلها كانت ايضا من اهم اسباب سقوطه حيث قامت الانتفاضات الشعبية بقيادة الامام الخميني ضد النظام "والشاه العميل لاسرائيل"
ولم ترجع المياه الى مجاريها الا بعد اكثر من عقد ونصف بين حكومتي البلدين اللذين يجمعهما الكثير من العمق الحضاري والتاريخي والديني, فاطميو مصر الذين حكموا لمدة 200 سنة ينتسبون الى اسماعيلية ايران، والتحالف مع الحكم الصفوي في ايران وصل الى حد ارسال 30000 الف جندي مصري لدعم الملك الايراني في وجه اعدائه ومعارضيه. وكانت تهمة التعامل مع عبد الناصر توجه للثورة الاسلامية وإمامها من قبل الاعلام الغربي بسبب المواقف الاصيلة المدافعة عن الشعب الفلسطيني من قبل الامام والعلماء الثوريين كالشهيد نواب صفوي وآية الله كاشاني وغيرهما.
ودارت الايام لتنتصر الثورة الاسلامية وتقوم الجمهورية الفتية بقطع علاقاتها مع اسرائيل واهداء السفارة الاسرائيلية الى المقاومة الفلسطينية، واعلانها الدفاع عن فلسطين والقدس كاستراتيجية توحد المسلمين جميعا ضد "النظام الغاصب للقدس". لكن خطوة الرئيس المصري انور السادات بالسفر الى تل ابيب وابرامه معاهدة كمب ديفيد التي اخرجت مصر رسميا من معادلة الصراع, دفعت بايران كأكثر الدول الاسلامية والعربية الى قطع العلاقات مع نظام السادات. ولئن ذكرت أسباب اخرى لقطع العلاقات كاستقبال السادات للشاه المخلوع بعد رفض الدول الاخرى وحتى اميركا استقباله، او اطلاق اسم الشهيد خالد الاسلامبولي منفذ حكم الاعدام بالسادات على اسم شارع في طهران، وكذلك الدعم المصري لصدام خلال حربه على ايران بالعتاد والمقاتلين وغيرها، الا ان قضية فلسطين والموقف من "اسرائيل" كانت ولا تزال المحور الاساسي لهذه العلاقات.
فبعد مرور ثلاثة عقود من قطع العلاقات وما جرى فيها من احداث تاريخية مفصلية كسقوط الاتحاد السوفياتي وانتصار المقاومة في لبنان وفلسطين واحداث 11 ايلول وغزو العراق وافغانستان وما شهدته المنطقة من تحديات ومخاطر، اضافة الى واقع يقول بأن الشارع المصري بقي في طليعة المعادين للصهاينة واميركا على الرغم من العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل, كلها عوامل ساهمت في اعادة التفكير الجدي والعاجل في فتح صفحة جديدة بين البلدين. وقد شهدت هذه المرحلة خطوات كان اهمها لقاء الرئيس الايراني السابق السيد خاتمي بالرئيس المصري مبارك، وتبادل الوفود التي ادت الى فتح مكاتب تمثيل المصالح في العاصمتين مع بدايات التسعينيات.
الاهتمام المصري بالمسألة العراقية لجهة تداعيات سقوط بغداد وما تلاها دفع القاهرة الى تقارب اكثر مع جارة العراق التي استخدمت كل ثقلها السياسي والمعنوي لاحلال الامن والوحدة في العراق، واستقبلت وفد مصر المشارك في مؤتمر جوار العراق، كما شارك وزير الخارجية متكي في مؤتمر شرم الشيخ فكان التنسيق المصري الايراني على الساحة العراقية مثالا لاستشعار خطر الفتنة والاحتلال الاميركي وضرورة مساعدة الشعب العراقي على استعادة امنه واستقلاله.
كذلك استقبل الايرانيون بارتياح بالغ مواقف القاهرة الايجابية من حق ايران النووي السلمي في المجامع الاسلامية والعربية ودول عدم الانحياز فكانت الاشارات الايجابية تتوالى من القاهرة التي ترغب ايضا في تعاون نووي لانتاج الطاقة في مصر، ويرى المتابعون انه سيكون مع ايران بشكل سهل وبناء بدل الدخول في عمليات ابتزاز اميركية مقابل المساعدة في هذا المجال وسط رفض اسرائيلي واضح.
حكومة الرئيس احمدي نجاد تلقت كل هذه الاشارات وسط ترحيب قائد الثورة الامام الخامنئي بكل ما من شأنه ان يلم الشمل ويحمي الشعب الفلسطيني ويؤمن المصالح الوطنية والاسلامية للبلدين، وخاصة في العام الايراني الذي اطلق عليه القائد اسم عام "الوحدة والانسجام الاسلامي".
نجاد الذي انفتح بأخوية وجرأة على المحيط العربي وسط استراتيجية اميركية باستبدال العداء لـ"اسرائيل" بمعزوفة الخطر الايراني ـ تارة خطر نووي وطورا خطر الهلال الشيعي والمشروع الفارسي ـ اعلن من الامارات ان فتح السفارة رسميا في القاهرة لا يحتاج عنده الى اكثر من عدة ساعات، والامر مرهون بارادة الحكومة المصرية.
القاهرة ردت التحية بمثلها وسط ضغوط اميركية ـ اسرائيلية لمنع تطبيع العلاقات الرسمية، التي اعلن مبارك انه لن يرضخ لاي نوع من الضغوط في هذا المجال.
ايران اعلنت استعدادها لارسال نصف مليون زائر ايراني سنويا للمراقد المقدسة عند المصريين والايرانيين على السواء، وافتتحت خط انتاج للسيارات في مصر وتم انشاء بنك مشترك ولجان اقتصادية لاستيراد القمح الايراني باسعار تنافس القمح الاميركي، وكذلك افتتح المصريون مصنعا للسكر في جنوب ايران وسط ترحيب شعبي مصري جمع بين الاسلاميين واليساريين والناصريين والدولة، بالتعاون مع ايران الإسلامية.
وكما ذكرنا فلسطين هي المعيار والاساس: فقد اتصل احمدي نجاد لاول مرة بالرئيس مبارك بعد حصار غزة طالبا منه العمل على فك الحصار ودعم مظلومي غزة في خطوة اعتبرها المراقبون نقطة تحول في هذه الازمة.
وكانت زيارة حداد عادل والوفد البرلماني واجواء الازهر المرحبة والمطالبة بأعلى درجات التعاون والاخوة بين جناحي العالم الاسلامي وجسر الوحدة بين المسلمين والداعم للقدس وشعب فلسطين كرمز لكرامة الامة ومحور وحدتها.
العلاقات جيدة اذاً وتتحسن بسرعة وتبقى خطوة الاعلان الرسمي كتتويج لمرحلة متجددة من الاحساس بالمسؤولية والخطر والعمل المشترك لما فيه مصلحة الشعبين.
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008