ارشيف من : 2005-2008
تركيا: خطوة هامة جديدة
شهدت تركيا انقلابات عسكرية عديدة قبل العام 1980، لكن حكم العسكر كان، بعد انقلاب العام 1980، هو الذي بادر إلى منع ارتداء الحجاب، على الأرجح بسبب الصحوة التي حدثت انطلاقاً من تفجر الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979.. وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، تعهد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، بالعمل على إلغاء الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات، وجاء فوز حزب العدالة والتنمية الكاسح ليجعل من إلغاء الحظر أمراً في متناول اليد، وخصوصاً أن مطلب الحجاب كان قد اكتسب المزيد من القوة خلال السنوات الأخيرة من خلال التناقضات التي تعاني منها الممارسة العلمانية لجهة تقديس الحرية الشخصية بوجه عام واعتراضها على هذا الحيز من الحرية المتمثل، بين أمور أخرى، بحرمان الناس من حقهم في أن يختاروا نوعية ثيابهم. وقد برزت بعض هذه التناقضات في مسألة الحريات التي يفترض بتركيا احترامها كشرط من شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومكنت حزب العدالة والتنمية من تعزيز حججه الخاصة بالحجاب انطلاقاً من هذا المبدأ بالذات. كما برزت في قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي سبق ورفعت إليها شكاوى من مئات النساء التركيات، بينهن زوجة رئيس الجمهورية الحالي، عبد الله غل، فردت تلك المحكمة بأن حظر الحجاب في الجامعات هو تعدّ على حق النساء في التعلم ويشكل تمييزاً ضدهن، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن هذا الحظر مبرر لحفظ النظام ولتوخي المساواة بين معتنقي مختلف الأديان (علماً بأن 99 بالمئة من سكان تركيا مسلمون). ومع اقتراب موعد التصويت الإيجابي من قبل البرلمان التركي على تعديل قانون الحظر، بعد تأييد حزب الحركة القومية المعارض لمطلب التعديل، الأمر الذي يؤمن أكثرية الثلثين المطلوبة دستورياً لإجراء التعديل، ارتفعت حدة المواجهة حول الموضوع بين مختلف التشكيلات السياسية التركية. ففي الوقت الذي يشدد فيه قياديو حزب العدالة والتنمية، وسط تأييد شعبي ملموس، على أن ارتداء الحجاب (صيغته المطروحة هي عبارة عن غطاء لا يخفي كامل الرأس) هو مسألة تتعلق بالحريات، اعتبرت الأحزاب العلمانية وبعض قيادات الجيش والعديد من القضاة وأساتذة الجامعات أن تعديل القانون أمر لا ينبغي السماح به. وتتلخص حجج المعترضين الذين يهيئون أنفسهم لمواجهة مع الحكومة حول الموضوع في المحكمة الدستورية، بعد أن أصبح التصويت الإيجابي في البرلمان أمراً شبه مؤكد، بالتخوف من أن يكون دخول الحجاب إلى الجامعة مقدمة لدخوله إلى المدارس الابتدائية وسائر المؤسسات والإدارات العامة، ما يعني، بنظرهم، تراجعاً عن مبدأ الفصل بين الدين والدولة. إلى حجج أخرى من قبيل إمكانية التسبب بدخول "الفوضى" إلى الجامعات. ولم تقدم شروحات لمعنى تلك الفوضى، إلا أنه من الواضح أن اختيار هذه اللفظة يذهب باتجاه ما تثيره من تداعيات أفكار وإيماءات تلامس، في نهاية المطاف، مفاهيم الأصولية والتطرف والإرهاب التي باتت تستخدم في عصر الهجوم الأميركي على محور الشر، كمرادفات للإسلام.
وفي ظل حالة الإفلاس التي تعاني منها قوى التغرب في المنطقة، يبدو أن "الاستنجاد" بالغرب تحت أسماء الشرعية الدولية والمجتمع الدولي قد أصبح منهجاً تعتمده تلك القوى في مواجهة طموحات الشعوب الساعية إلى الانعتاق. وإلا فما معنى الجلبة التي أثيرت حول تصريح تحدث فيه أردوغان عن عدم صحة اتباع الغرب في عادات "لا تتفق مع قيمنا"، لتتمخض عن نظرية مفادها: كيف نأمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا كان رئيس الوزراء يعتبر الغرب غير أخلاقي؟ الجهات نفسها عبرت عن مأزوميتها باعتبار طرح الموضوع من قبل حزب العدالة والتنمية تغطية على مشاكل الشعب الحقيقية... في وقت لم يسبق لتركيا أن حققت أرقام نمو بمستوى تلك التي حققتها في ظل هذا الحزب بالذات.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008