ارشيف من : 2005-2008

ايران في مواجهة التحديات المعاصرة

ايران في مواجهة التحديات المعاصرة

محمد رضا شيباني(*)

لقد انتجت الثورة الاسلامية في إيران منذ انتصارها نظاماً سياسياً جديداً يتميز في العديد من النواحي عن الأنظمة السياسية الأخرى المعاصرة. فهذا النظام السياسي هو أول نظام حكومي يقوم على القواعد الاسلامية ويعمل على تطبيعها كاملة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الهامة.
فتأكيداً على استعداد وجاهزية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة التحديات والأزمات المعاصرة سأشير في البداية إلى بعض أهم وأصعب هذه التحديات وأتطرق من ثم إلى مجموعة القوى والطاقات والامكانيات التي تملكها الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي تؤهلها وتؤكد قدرتها على مواجهة التحديات المعاصرة.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن التحديات التي تواجهها الجمهورية الاسلامية الإيرانية في المرحلة الراهنة تمتد لتشمل الناحيتين النظرية والفعلية أتناولها فيما يلي باختصار:
أولاً: الهيمنة أو النزعة الاستعمارية الغربية: فالهيمنة أو النزعة الاستعمارية الغربية لا تنحصر في موضوعة التفجير المعلوماتي والتكنولوجي وموجات الديموقراطية الجديدة وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، بل تتعدى ذلك إلى كونها في الحقيقة ظاهرة عالمية جديدة. فكما أراد نابليون فرض هيمنته وسيطرته على العالم فإن هناك بعض الدول التي تحاول اليوم فرض سيطرتها وهيمنتها التامة على كل أصقاع الأرض. وبتعبير آخر فإن هذه الدول تريد إخضاع بني البشر لسيطرتها السياسية المنفردة مستخدمة في ذلك كل امكانياتها الاقتصادية بما في ذلك وأهمها إماكانياتها الاعلامية والثقافية. وعلى نقيض من سياسة الهيمنة النابليونية أو الجنكيزية فإن ما يميز سياسة الهيمنة الغربية هو أنها تستند إلى قاعدة فكرية "ومذهب مدني" مصطنع. حيث يقول بعض زعماء هذه الحركة بأننا لو أردنا فرض هيمنتنا على العالم فلا بد أن نفعل ذلك من خلال السيطرة على القلوب والأدمغة والأذهان، أي لا بد من عرض مذهب جديد.
لقد تمكنت سياسة الهيمنة الغربية خلال القرن العشرين من ثلاث ظواهر أساسية، وهي الفاشية والماركسية والصهيونية. وخلافاً للفاشية والماركسية فإن الصهيونية ليس لها علاقة أو ارتباط بالأرض، فهي تعتقد مبدئياً أن سيادتها لا تستوجب بالضرورة أن يكون لها مكان خاص لكن باستطاعتها تنظيم  شبكة ارتباطات خاصة بها.
من هنا يمكن فهم مغزى بروز ظاهرة المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية التي تستميت في استهداف نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية باعتباره نظاماً يعتمد الإسلام أساساً للحكم. على أن هناك العديد من المحاور التي يسعى نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تكريسها وأهمها خمسة محاور هي:
1 - الحق 2 - السعادة 3 - الشريعة 4 - المقاومة والجهاد 5 - الولاية.
فالإسلام هو دين الحق، وإن السعادة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الإسلام، وإن الشريعة ومراعاة الحلال والحرام هي القاعدة في الحكم الإسلامي، وإن تكريس مبدأ الولاية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يجنب مراكز القرار الوقوع في شراك الطرق المسدودة.
إن الوسائل التي تستخدمها دول الهيمنة الاستعمارية الغربية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تختلف من وقت لآخر. فهي تحتج تارة بالديمقراطية وتارة بحقوق الإنسان، وأخرى بالحريات الفردية وبالملف النووي تارة أخرى.
2 - العولمة: لقد دخل العالم إلى مرحلة جديدة مع التحول الذي شهده الربع الأخير من القرن الماضي على المستويين التكنولوجي والسياسي. إن أهم ما يميز هذه المرحلة هو الانخفاض السريع في المسافات الزمنية والمكانية وتسارع عملية الإندماج بين النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم، وارتفاع حجم الانتاج والاستهلاك على نحو مرعب ما أدى إلى حصول تغيير في اتجاهات الانتاج والاستهلاك صاحبه تغييرات أساسية في البنى الاقتصادية والسياسية وفي العلاقات الاجتماعية.
تعتبر العلوم وكذلك التكنولوجيا أهم عنصر في الانتاج ومصدراً من مصادر التفوق في الوقت الحاضر، وإن النجاح في تطوير الاقتصاد يتطلب تمكين الدول من الخوض في عملية التنافس في هذا المضمار. لقد أدت العولمة إلى التركيز بشدة وبشكل غير مسبوق على الطاقات الاقتصادية والسياسية في الساحة العالمية.
فهناك في الوقت الحاضر 15 دولة تنتج 84 بالمئة من مجموع حجم الانتاج الصناعي العالمي، ويعود حوالى 75 بالمئة من هذه النسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية واليابان والمانيا، فيما تتولى الولايات المتحدة الأميركية وكذلك دول  الاتحاد الأوروبي ودول شرق وجنوبي شرق آسيا حوالى 80 بالمئة من مجموع عمليات التصدير والاستيراد التي تجري في داخل هذه المناطق نفسها أساساً. ثم إن 97 بالمئة من كل الاختراعات التي يتم تسجيلها في العالم تعود إلى البلدان الصناعية النامية.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الدول التي تعمل على توفير الطاقات والإمكانيات المطلوبة لخلق الفرص الجديدة هي وحدها القادرة على الاستفادة من العولمة واتخاذ  السياسات المناسبة لتجنب مساوئها أو الحد منها.
وبرغم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تكن تملك في السنوات الأولى التي تلت انتصار الثورة الاسلامية استراتيجية أو خطة لمواجهة التحديات والاستفادة من فرص العولمة، إلا أنها خطة خطوات كبيرة ومؤثرة في السنوات الأخيرة باتجاه إزالة ما ترتب على ذلك من مشاكل وصعوبات. فبعد محاولتها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بادرت الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى إجراء تعديلات على نظامها النقدي وتجارتها الخارجية ووضع خطة تتناسب مع الظروف  المذكورة، وهي قد ساعدت البلاد إلى حد كبير في هذا المضمار.
لقد كان هذا التحدي والتحدي الذي سبقه أهم تحديين واجهتهما الجمهورية الاسلامية الإيرانية وحملا معهما مجموعة تحديات أخرى لم تكن أقل وطأة.
هنا نلقي نظرة على ما تملكه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إمكانيات وقدرات تؤهلها وتمكنها من مواجهة مختلف التحديات النظرية والفعلية التي تواجهها في الوقت الراهن:
1 - النموذج الإسلامي المطروح في إيران: فالإسلام المطروح في الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم على نقيض من الإسلام الطالباني أو الإسلام الأميركي، هو اسلام يتميز بانفتاحه الفكري والثقافي والتزامه بالأصول الإسلامية والحداثة والحركة والنشاط، وقد أفرز نظام حكم يستند إلى رأي الشعب ولم يتزحزح عن طريقه الرئيسية طوال الأعوام الـ28 الماضية برغم كل الضغوط. لذلك فهو مؤهل ليكون النموذج الذي يقتدي به المسلمون في العالم.
فالأيديولوجية الإسلامية كمنطلق فكري وكأساس لنظام الحكم كانت وراء تدعيم وتوطيد الروح الوطنية كما كانت وراء خلق رؤية جديدة للعالم تجلت في الديمقراطية الدينية كنموذج جديد يعرض على شعوب العالم. إن التفاف الجماهير حول ايديولوجية الدولة في النظام الدولي الراهن إنما يعمل على تعزيز الروح الوطنية ويحد من وطأة التحديات التي تواجه البلاد أثناء الأزمات وعلى الصعيد الداخلي أيضاً فإن الايديولوجية الإسلامية تعمل على رفع المعنويات لدى جماهير الشعب وزيادة التفافها حول الوطن والدولة وتوفير مزيد من الطاقات والإمكانيات باتجاه تدعيم قدرات الدولة.
كذلك فإن العامل الايديولوجي يلعب دوراً بسط وتدعيم شرعية النظام السياسي. فبقدر ما ترتفع نسبة هذه الشرعية ترتفع قدرة الدولة على اتخاذ القرارات المصيرية بنفس القدر أيضاً موفرة بذلك المناخ اللازم لإجراء عملية التطوير في البنى التحتية بسرعة أكبر.
2 ـ عملية اتخاذ القرارات:إن الأسلوب الذي يتبعه رجالات الدولة في اتخاذ قراراتهم على الصعيد الداخلي والخارجي لإقامة جسور وعلاقات قوية ومتينة مع الشركاء الآخرين تحقيقاً لمتطلبات البلاد وتحقيق مصالح الدولة يشكل أحد أهم العناصر المؤثرة في ازدياد أو انخفاض قدرة الدولة والوطن.
فهناك العديد من المفكرين في الغرب الذين يرون بأن قدرة مراكز القرار على حل الأزمات من خلال التعاون والحوار إنما تدل على كفاءة هؤلاء الرجالات ومهارتهم الكبيرة في ادارة الأزمات كما أنها دليل على جدارتهم.
إن وجود مثل هذه الكفاءة والمهارة مشهود لها لدى قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورجالات الدولة في إيران. وليس أدل على ذلك من الأسلوب الذي اتبعته حكومة الجمهورية الاسلامية الإيرانية حتى الآن في إدارة الملف النووي.
3 ـ القدرة العسكرية : يعمل جميع اللاعبين على الساحة الدولية باتجاه تدعيم قدرتهم العسكرية والدفاعية بما يحمي وحدة الأرض وسيادة البلاد فالحصول على السلاح المتطور واستخدام التكنولوجيا المتطورة وحيازة الطاقات الماهرة هو أحد الأساليب الهادفة إلى تدعيم القدرة القتالية والدفاعية.
لقد تحولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد انتصار الثورة الإسلامية إلى أحد أقوى بلدان المنطقة من حيث القدرة العسكرية وذلك بفضل خروجها منتصرة من حرب الثماني سنوات وبفضل امتلاكها التكنولوجيا الدفاعية والاستفادة من رصيدها الشعبي.
4 ـ العامل الاجتماعي والبشري: إن التعداد السكاني ومهارة الإيرانيين في دفع عجلة التنمية والتطوير وخصوصياتهم الروحية بالإضافة إلى مستوى التلاحم والتكاتف الوطني الكبير بين أبناء الشعب الإيراني يشكل أحد أهم العناصر أو العوامل الرئيسية التي ساهمت في بلورة القدرة الوطنية في إيران.
فالجمهورية الإسلامية الإيرانية بتعدادها السكاني البالغ 70 مليون نسمة تعيش وضعاً مريحاً في الوقت الحاضر.
ان التحضيات التي بذلها الإيرانيون في جهادهم ضد الاعتداءات الخارجية قد ساهمت في تدعيم عزائمهم ومعنوياتهم وقناعتهم بقدرتهم على مواجهة  التحديات.
وبرغم أن ايران دولة كبيرة تستوعب العديد من الفئات من مختلف الأعراق والقوميات لكنها حافظت على وحدة أرضها ووحدة كيانها بفضل تفكيرها الإسلامي الأصيل وبفضل وجود مظلتها التاريخية المتمثلة في الهوية الإيرانية، وكذلك بفضل تأثير الدين الإسلامي الذي امتد على مستوى البلاد عموماً، كما أنها عاشت في ذروة من التوافق الوطني طوال كل العصور.
5 ـ الاقتصاد: ثم أن الاقتصاد يمتاز بأهمية كبيرة باعتباره العنصر أو العامل الذي يساهم في تأمين رفاهية المجتمع وتحسين أوضاعهم المعيشية، وكذلك في توفير مصادر المال الذي تحتاجه الدولة إن على صعيد نفقاتها الدفاعية أو التربوية أو على الصعد الأخرى. إن حيازة إيران لاقتصاد قوي ومتين هو  الآخر يشكل عنصراً من عناصر قوة الدولة الإيرانية.
وإذا كانت إيران لم توفق حتى الآن في تحسين مستوى صادراتها  غير النفطية واستدراج الاستثمارات الأجنبية أو في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة (HIGH TEC) فإنها لم تتوقف عن محاولاتها في دفع عجلة سياستها وجهودها في هذا المضمار، ثم أن ايران تحظى باهتمام كبير لدى أقطاب الاقتصاد العالمي بسبب حيازتها ذخائر النفط والغاز الاستراتيجية وبسبب تصديرها لهذه المادة القيمة والمؤثرة على الاقتصاد العالمي. ويمكن القول بإجمال بأن الدور الذي يلعبه هذا العامل في تدعيم قدرة الدولة الإسلامية يتقدم ويتطور باستمرار بعد مجموعة  المحاولات التي بذلت مؤخراً على صعيد تحسين السياسة  الاقتصادية.
6 ـ الموقع الجغرافي: إن مساحة إيران وجغرافيتها وطبيعة أرضها ووضعها الإقليمي ومجاورتها للمناطق المتفجرة أو الهادئة تعد أيضاً من العوامل الهامة في تدعيم قدرة إيران.
ومن الخصائص الأخرى التي تمتاز بها الجمهورية الاسلامية الإيرانية هي وديانها وجبالها وغاباتها المنتشرة في البلاد، وكذلك تعدادها السكاني الموزع على المناطق بشكل متناسب. كما أن إيران تمتاز بخصوصية أخرى تتمثل في شكلها الهندسي وبوجود مراكزها الصناعية ومجاميعها السكانية الضخمة في وسط البلاد.
ثم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مفترق طرق المواصلات العالمية فضلاً عن وجودها بالقرب من المياه الاقليمية الدولية واشرافها على أهم مضيق بحري في المنطقة، وهو ما يمنحها موقعاً اقليمياً متميزاً.
واضافة إلى كل العوامل التي ذكرتها فإن ايران تحظى بأهم مصادر الطاقة في العالم وبالعديد من المواهب الطبيعية وتلاحم وتكاتف كبير بين الحكومة والشعب ومستوى مرتفع من المشاركة الجماهيرية في مراكز القرار وفي  الانتخابات، وقبل كل هذا وذاك وجود قيادة حكيمة تدير دفة البلاد، وهو ما منح الجمهورية الإسلامية الإيرانية تركيبة متناسقة من عناصر القوة تمكن الدولة والشعب من مواجهة التحديات الراهنة والرد على كل المخططات التي تستهدف البلاد.
لقد أخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على عاتقها من خلال وضع خطتها العشرينية العمل على تدعيم كل عناصر القوة لديها في إطار حركة علمية متطورة تؤهلها لتسلق القمم العلمية واكتشاف كل ما هو جديد في مجال العلوم.
ولا شك فإن قوة إيران ستتجلى في العمل على دفع عجلة التقدم والسلام والأمن والاستقرار في المنطقة ان شاء الله.
(*) سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية في بيروت
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008

2008-02-08