ارشيف من : 2005-2008

علماء الشيعة والسنة في العراق: مواقف موحدة وتوافق على تفعيل وثيقة مكة

علماء الشيعة والسنة في العراق: مواقف موحدة وتوافق على تفعيل وثيقة مكة

بغداد ـ عادل الجبوري
مثّل المؤتمر الأول لاتحاد علماء المسلمين في العراق الذي عقد في العاصمة العراقية بغداد يوم الاحد الماضي، الرابع من شهر شباط/ فبراير الجاري، اشارة واضحة الى حد كبير على حقيقة التوجهات المتبناة من مختلف المذاهب الدينية في العراق، ونقاط الالتقاء الكثيرة ومساحة التفاهم والتوافق والانسجام الواسعة في ما بينها.
ولأن هذا المؤتمر هو الاول من نوعه الذي يُعقد في بغداد منذ الإطاحة بالنظام السابق، فقد حظي باهتمام كبير، وبدا ان أطرافا وقوى سياسية وغير سياسية تعول عليه كثيرا في ازالة الاحتقانات والتشنجات الطائفية التي تسببت بها موجات العنف والارهاب التي ضربت مختلف مدن ومناطق العراق، وأدت الى ازهاق ارواح الناس الابرياء من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والقومية.
وما زاد مستوى الاهتمام به والتعويل عليه هو انه جاء كأنه مكمل لمؤتمر مكة المكرمة الذي عُقد في الحادي والعشرين من شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي برعاية منظمة المؤتمر الاسلامي، وخرج بإبرام وثيقة أُطلق عليها "وثيقة مكة"، حرمت اراقة الدم العراقي انطلاقا من نزعات طائفية وفتاوى تكفيرية.
ولأن الكثيرين رأوا انه لم تُفعّل وثيقة مكة بالمستوى المطلوب، حتى ان هناك من يعتقد انها بقيت حبرا على ورق، لذلك جاء مؤتمر اتحاد علماء المسلمين الاخير في بغداد ليفعّل تلك الوثيقة المهمة ويبعث فيها الروح، وهذا ما شغل حيزا غير قليل من البحث والنقاش في اوساط المشاركين في المؤتمر، وانعكس بوضوح في البيان الختامي الذي دعا بكل وضوح الى التمسك بوثيقة مكة وتفعيلها.
وإذا كان مؤتمر مكة المكرمة لم يشهد حضورا فاعلا ومؤثرا للمرجعيات الدينية في العراق برغم المباركة والتأييد له من قبلها، الا ان مؤتمر بغداد شهد حضورا ومشاركة لممثلين عن مختلف مراجع الدين الكبار، وفي مقدمتهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني.
ولعل هذه واحدة من ابرز نقاط قوة المؤتمر التي عززت فرص نجاحه، ويمكن ان تساهم فيما بعد بترجمة ما خرج به من قرارات وتوصيات الى واقع عملي على الأرض.
الى جانب ذلك فإن حجم المشاركة كان كبيرا، اذ لوحظ ان عدد كبيرا من علماء ورجال الدين تجاوز المئتين وخمسين، حضروا فيه وشاركوا بفاعلية في نقاشاته ومداولاته. وذلك الحضور الكمي تعزز بتنوع مهم وذي دلالات، تمثل اولا بحضور علمائي من مختلف مدن وأقاليم العراق: فمن محافظات إقليم كردستان شارك حوالى ستين رجل دين، ومن مدينة الرمادي شارك اكثر من اربعين رجل دين، وكذلك شارك رجال دين وعلماء وخطباء من محافظات الجنوب والفرات الاوسط، فضلا عن العاصمة بغداد.
وثانيا تمثل ذلك التنوع في تعدد عناوين وانتماءات المشاركين، اضافة الى صفاتهم ومواقعهم الشخصية، كديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني، واتحاد علماء الدين في اقليم كردستان وجماعة علماء العراق، والمرجعيات الدينية المختلفة في مدينة النجف الاشرف وأئمة الجمعة والجماعة في محافظات ومناطق عديدة من العراق.
والى جانب الحضور الكمي والنوعي لذلك المؤتمر كانت الأطروحات والرؤى ووجهات النظر التي شهدها من الاهمية بمكان بحيث يمكن القول انها وضعت الكثير من النقاط على الحروف. فإدانة الارهاب بكل اشكاله ومظاهره وأدواته كان مطلب كل المشاركين في المؤتمر بلا استثناء، الذين شددوا أيضا على الوحدة والتكاتف بين العراقيين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والطائفية.
الشيخ محمود الصميدعي احد ابرز الخطباء السنة قال: "اليوم لا فرق بين عمر وعلي، لا بين هذه الطائفة وتلك، واليوم لا شتائم لأصحاب النبي ولا كنية رافضة، والعراق واحد وشعبه واحد، ولا يمكن لنا ان نردع الارهاب الا باليد الواحدة، ويجب ان نكون كملة واحدة على أعدائنا الذين يريدون لنا الارهاب".
اما الشيخ خالد العطية النائب الاول لرئيس مجلس النواب القريب من اوساط المرجعية الدينية في محافظة النجف الاشرف، فقد دعا الى مواجهة محاولات شق الصف العراقي، وطالب بأن يكون المؤتمر انطلاقة فاعلة لوأد الخلافات وحل المشكلات والتصدي لكل اعمال العنف والإجرام وتقريب وجهات النظر.
ووصف رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري المؤتمر الاول للاتحاد العام لعلماء المسلمين في العراق بأنه نصرة للدين وإزالة الحيف الذي اعتراه من عبث العابثين من شذاذ الآفاق وصناع الجريمة، لتنبثق الوحدة الاسلامية الحقة بكل معاني الكلمة متمثلة باتحاد علماء المسلمين. مشيرا الى ان ارض العراق هي ارض الفقهاء.. ومشددا على ثقافة نشر المحبة والسلام، تلك الثقافة التي تضع مصالح الامة فوق مصالح الاحزاب والفئويات. في حين أكد رئيس ديوان الوقف السني الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي أن هذا المؤتمر هو اكبر مؤتمر لعلماء المسلمين ليعلنوا امام الله اولا وأمام الشعب ثانيا عهدا نطوي به جميع النعرات الطائفية وكل الخلافات وحالات القتل والخطف والتفخيخ والتفجير، داعيا جميع العلماء من الشيعة والسنة الى توحيد الخطاب والابتعاد عن النهج الطائفي.
والأهمية الثالثة للمؤتمر تنطلق من توقيت ومكان انعقاده، فمن حيث التوقيت جاء انعقاد المؤتمر في وقت يشهد العراق استقرارا وتحسنا أمنيا ملحوظا بفضل جهود الحكومة ومختلف الاطراف المخلصة والحريصة على حاضر البلاد ومستقبلها.
ومن حيث مكان انعقاده، مثل اختيار العاصمة بغداد لذلك رسالة لها دلالات ومعانٍ متعددة. فاجتماع مئات من رجال وعلماء الدين هنا في بغداد يعني وجود مستوى كبير من الانسجام والتوافق في الرؤى والتصورات، ويعني رغبة حقيقية لدعم استقرار البلد ووأد ما تبقى من الفتنة التي حاولت الجماعات الارهابية التكفيرية والصدامية بثها في كل أنحاء العراق.
ويبقى الامر الاهم هو الاتجاه الى ترجمة ما اتُفق عليه وإقراره في المؤتمر الى واقع عملي على الارض. ولاشك ان الدور الذي يمكن ان يضطلع به علماء الدين والاوساط والمؤسسات الدينية لا يقل أهمية عن دور السياسيين والنخب السياسية، ان لم يكن اكثر اهمية وحساسية وخطورة منه، وهذه نقطة اخرى من النقاط التي تضفي أهمية على المؤتمر.
ومما تجدر الاشارة اليه هو ان الهيكل التنظيمي لمؤتمر علماء المسلمين في العراق يتألف اضافة الى الامانة العامة التي تضم في عضويتها علماء دين من الشيعة والسنة، من القوميات العربية والكردية والتركمانية، ومن مختلف مناطق العراق، ومن عدة لجان للإعلام والعلاقات العامة والدعوة والإرشاد، ومن المفترض ان تتولى هذه اللجان متابعة تنفيذ وترجمة مقررات وتوصيات المؤتمر.
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008

2008-02-08