ارشيف من : 2005-2008

«حملة التحشيد»: استكمال «ثورة الأرز»... أم توازن للتسوية؟

«حملة التحشيد»: استكمال «ثورة الأرز»... أم توازن للتسوية؟

كتب خضر طالب
من غير المتوقع أن تحمل خطابات ساحة الشهداء غداً أي «قيمة مضافة» على النبرة المرتفعة لخطابات يومي السبت والأحد، والتي كانت أعلى سقف يمكن بلوغه في المواجهة السياسية اللبنانية. بل إن بعضاً من تلك الخطابات لامس «خط النار»، ثم سرعان ما ارتد مطلقوها عن ذلك الخط بعد أن «لفحتهم» حرارتها وهم الذين كانوا يبحثون عن الدفء بجوار ذلك الخط المتأجّج.
في المبدأ، توحي حملة التجييش، التي يراد لها أن تكون ضخمة جداً وأقرب ما يمكن إلى مهرجان 14 آذار ,2005 بواحد من أمرين:
الأول، أن يكون فريق الموالاة يمهّد لاستراتيجية هجومية جديدة توجّه ضربة حاسمة للمعارضة بما يتيح له الإمساك بزمام الأمور بالكامل في لبنان، استكمالاً لما حققه مهرجان 14 آذار 2005 عندما تبعه خروج القوات السورية من لبنان وانطلاق ورشة تغيير صورة السلطة ومكوناتها. ولهذه النظرية أنصارها ومؤشراتها الجدية التي من أبرزها:
السلوك العام لفريق الموالاة خلال الأيام الماضية والذي لم يظهر أي دليل بأنها على استعداد للتراجع خطوة، ولو واحدة، إلى الوراء في العناوين الأساسية لمشروعها السياسي الذي تتبناه.
تصريحات القادة في هذا الفريق التي حملت تأكيدات على أن مشروعها سيكمل حتى النهاية للإمساك بكل مقاليد الحكم، وبعضها كان جازماً بأن أوان «الانتصار» بات قريباً جداً.
ما يردده بعض أولئك في مجالسهم عن دعم كبير لهم من المجتمع الدولي سيترجم قريباً في لبنان، وعن تطمينات وضمانات بالاستمرار في دعم فريق «ثورة الأرز». (جاءت رسالة بوش للسنيورة لتعزز هذا المنحى).
"المعلومات" التي يسوقها أحد أركان فريق 14 آذار لعدد من المقربين عن ضغوط هائلة «بوسائل متعددة» ستتعرض لها سوريا خلال الأسابيع المقبلة، وقبل القمة العربية، بما يؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وفق منطق فريق الأكثرية النيابية فلا يكون « ثلث معطل ولا من يحزنون...».
تسريع تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي وتأمين التمويل اللبناني والخليجي لأكلافها.
عودة قوى الموالاة إلى اعتماد التكتيك ذاته الذي تعتمده منذ ثلاث سنوات، والقائم على الهجوم الصاعق الذي يربك فريق المعارضة فيعطّل ردة فعله بما يسمح لها بتحقيق إنجازات متتالية ومحاصرة الفريق المعارض الذي يضطر للانكفاء المتكرّر بفعل اضطراره دائماً إلى خيار الدفاع لتبرئة نفسه من التهم السياسية والجنائية التي تساق إليه.
أما الأمر الثاني المحتمل من أهداف حملة التحشيد، فيرجح أن يكون فريق الموالاة قد شعر بأن الدفة تميل لمصلحة خسارة ما حققه خلال السنوات الثلاث الماضية، فلجأ إلى تطبيق استراتيجية الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، من باب الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر طالما أن الحفاظ على كل المكتسبات بات صعباً. ويمكن توظيف مجموعة عناصر في خدمة هذا الرأي من أبرزها:
مضمون كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي بدا أنه دفاعي بنبرة هجومية شرسة، فأوحى بأنه مستعد لتطبيق قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»، وهي قاعدة يلجأ إليها «المحشور» الذي حاصره هجوم خصومه في بيته.
إطلاق الرصاص في مناطق متعددة مساء السبت، والذي سبق كلام جنبلاط الناري، لكنه بدا أنه يؤمن له «الذخيرة» اللازمة لـ«تهديداته»، وبالتالي شكلت «الرسائل المسلحة» محاولة لرسم «توازن ناري» يخفف من وطأة التراجعات الاضطرارية والتنازلات الضرورية.
«غياب» رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبعض الوزراء المقربين منه أو المحسوبين في سلته عن ورشة التصعيد السياسي.
لجوء رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري إلى «الاحتياط الاستراتيجي» لديه، والذي «انتصر» به في انتخابات العام ,2005 فبدا أنه يريد استنهاض «جمهوره الوفي» في طرابلس والضنية والمنية وعكار للاحتماء به والاستقواء بـ«عديده» لاستعراض القوة في 14 شباط.
الانكفاء «العاجل» عن التهديد والتصعيد والعودة خطوات إلى الوراء، بعد أن تردّد أن جواب المعارضة جاء عليها حازماً وحاسماً «إعملوا ما شئتم... نلتقي بعد 14 شباط... نحن في الانتظار».
في محصلة الاحتمالين المطروحين لأهداف «حملة التجنيد والتحشيد» القائمة على قدم وساق، فإن خلاصة واحدة يمكن الخروج بها ومفادها أن مهرجان يوم غدٍ مفصلي في تبيان مرحلة ما بعد 14 شباط 2008 وفي رسم معالم الأيام الآتية. خصوصاً أن هذه المعالم يرتبط وضوحها بمحطة موعد جلسة الانتخاب المقررة في 26 شباط غير البعيدة، والتي في ضوئها يمكن فهم ما أنتجه مهرجان الذكرى الثالثة غداً، وما إذا كان يرتبط باستراتيجية الهجوم للإطباق على كل مقدرات البلد وإنتاج سلطة يديرها فريق 14 آذار بالكامل، أم أنه استعراض قوة لاستعادة توازن بدأ بالاختلال ويمهّد لشرب كأس التسوية المرّة لما تشكله من تنازلات: «اضطرارية» بالنسبة للبعض حفاظاً على الوحدة الوطنية وإنقاذاً للبلد من الانهيار الحادّ، و»انتحارية» لأولئك الباحثين عن «كسرة خبز في نعيم السلطة»...
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 13 شباط/ فبراير 2008

2008-02-13