ارشيف من : 2005-2008
«المخلص جورج بوش» وصيحات الحرب الأهلية
كتب طلال سلمان
أبى «المخلص جورج بوش» أن يترك اللبنانيين يتلاقون من حول ذكرى شهيدهم الكبير وأحد العاملين الكبار من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية الرئيس رفيق الحريري، فيحيونها بالحزن الذي يليق بافتقاده، خصوصاً وقد أدى اغتياله إلى تدمير الكثير من مشروع بناء «لبنان الجديد»، الذي كاد يطاول الأحلام.
لقد تذكّر «المخلص جورج بوش» لبنان، أمس، وكلّف رسول الحضارة الجديدة، وكيل وزارة الدفاع السفير إريك إدلمان، الذي جاءنا من قبل فحدثنا علناً عن موقع لبنان على خريطة الاستراتيجية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط، أن ينقل «رسالة دعم لحكومة لبنان الشرعية المنتخبة ديموقراطياً» في وجه الضغوط للتخلي عن مبادئها.
كذلك فقد استذكر «المخلص جورج بوش» الأكثرية البرلمانية المنتخبة ديموقراطياً، وأكد أنه سيدعم جهودها للوقوف بحزم في وجه الضغوط للتخلي عن مبادئها...
لا يحتاج أي قارئ «طبيعي» لنص هذه الرسالة إلى كثير من إعمال الفكر والاجتهاد في التفسير لكي يدرك أنها قد طوت صفحة «المبادرة العربية» لإعادة صياغة الحكم في لبنان، رئيساً للجمهورية وحكومة وبرنامج عمل، بما يتجاوز حالة الخصومة التي شطرت البلاد وعطلت الدولة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في 12 تموز ,2006 والتي تفاقمت خطورة منذرة بفتن لا تبقي ولا تذر من هذه الجمهورية الصغيرة التي تحكمها معادلات داخلية وخارجية غاية في التعقيد.
تحسباً لنقص في الفهم أو في التقدير فقد حدد «المخلص جورج بوش» من يرى فيهم مصدر الخطر على «مؤسسات لبنان الدستورية»: سوريا وإيران وكل من حالفهما..
ما يعنينا في لبنان أن نستنقذ وطننا الصغير هذا، وأن نحيّده عن «صراعـات الكبار» إذا استطعنا إلى ذلك سبيلاً..
لكن الخطاب السياسي لقوى الموالاة قد اكتسى في الأيام القليلة الماضية حدة لم تكن فيه، بل هو تطرف حتى بات أقرب إلى «لغة الحرب» في حين أن سياق الأحداث لم يكن يوحي بأن «الحوار» قد انقطع، وبأن مشاريع الحلول المطروحة والتي كادت تتكامل في الجولة الأخيرة من ماراتون التفاوض الذي يقوده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد طُويت وقُضي الأمر..
حدث هذا في وقت اجتهدت فيه قوى المعارضة المختلفة على تهدئة خطابها السياسي احتراماً لذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والتمني بأن يكون الإحساس المشترك بالفقد، والقلق العام على الغد، والرغبة المعلنة بقبول مبدأ التسوية كقاعدة للشراكة في الحكم، كل ذلك بين ما يعزز احتمالات النجاح لمهمة عمرو موسى..
وليس ممّا يقلّل من تأثير الخطاب الحربي الذي ارتفعت الأصوات به في الأيام القليلة الماضية، أن يقال إن ذلك من لزوم التعبئة لحشد الأنصار في مهرجان الذكرى التي يحترمها عموم اللبنانيين... فلقد أُطلقت «صيحات حرب» ودعوات إلى «الانفصال» تتجاوز مخاطر التقسيم إلى «القطيعة» الكاملة بين شركاء المصير الواحد، لم يسبق أن اندفعت أية قيادة سياسية إلى تبني مثلها حتى في أسوأ أيام الحروب الأهلية التي عبرها لبنان مستنقذاً وحدته.
الأخطر من هذا كله أن يصح تقدير بعض الأوساط السياسية المطلعة من أن لبنان قد يكون مرشحاً ليتحوّل إلى أرض حرب عربية ـ عربية، وإن اتخذت من إيران «عدواً معلناً» لاستنفار خليط من العصبيات القومية والطائفية والمذهبية، يسهل معه طمس الدور الأميركي المتداخل مع الدور الإسرائيلي، خصوصاً أن الخلافات العربية ـ العربية قد وسّعت لهما المساحة حتى باتا «بعض الداخل».
وأكثر ما يحزن اللبنانيين، في هذا اليوم بالذات، أن يتم استغلال الذكرى العزيزة على قلوبهم، والتي سيحييها الجميع في بيوتهم، وإن لم يشاركوا في المهرجان السياسي الذي سيقام غداً تحت صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي غياب الكثير لما بشّر به وعمل له حتى يكون لبنان وطناً لجميع أبنائه، معتزاً بهويته العربية، مقاوماً من أجل حماية أرضه وإرادته، وعاملاً من أجل حقه في غده الأفضل بكفاءة أبنائه وعون أشقائه والانفتاح على كل القوى الصديقة في العالم.
وليس تكريماً لذكرى شهيد الوطن أن نحتفل بها تحت هتافات التقسيم والانفصال والتبشير بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
ولقد خبرنا إخلاص «المخلص جورج بوش» في تجارب سابقة كلّفتنا الكثير من هناءة عيشنا ومن وفاقنا الداخلي، وهذه الحرب الإسرائيلية على لبنان شاهد وشهيد.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 13 شباط/ فبراير 2008