ارشيف من : 2005-2008
السفيرة سيسون تطل: مرحبا!
بلادها في بلادنا، مستهلة خطابها بتحية شببلكية فيها قدر واضح من رفع الكلفة: مرحبا!
وشكرا لها انها طمأنتنا انها استهلت نشاطها «بمناقشة العلاقة الحميمة والمستمرة والقوية بين بلدينا»، وأن الرئيس بوش والوزيرة رايس قد طلبا منها، قبل مغادرتها واشنطن، ان تنقل «الى رئيس الوزراء أن التزام الولايات المتحدة العميق بلبنان مستقل وسيد ومزدهر سيبقى ثابتا ولن يتغير».
بعد هذه المقدمة العاطفية اطلت لهجة الأمر: «ينبغي على القوى الخارجية ان تتوقف عن عرقلة المسار الديموقراطي في لبنان. على مجلس النواب ان ينتخب رئيسا الآن من دون اية شروط»... وكأن السفيرة الجديدة «قوة داخلية» بل ومن داخل الداخل!
ولان من يعطي له حق الإمرة فهي تذكر، من دون منّة، ان الكونغرس الاميركي خصص ـ منذ شهر أيلول ,2006 اي مباشرة بعد توقف الحرب الاسرائيلية ـ
«اكثر من مليار دولار من المسـاعدات الى لبـنان وعلينـا ان نضمـن أن قرارات مجلس الأمن، خاصة القرار ,1701 سـتنفذ بشـكل كامل (!!)».
ولانها سفيرة مجرّبة، وتحمل خبرة ممتازة من افغانستان ما بعد الاحتلال الاميركي، ومن ساحل العاج ما بعد تسبب الصراع بين المستعمر الفرنسي السابق وبين مشروع الهيمنة الاميركية على افريقيا، في تدمير تجربتها الناجحة وتركها نهبا للفوضى.
...لان السفيرة ميشال سيسون المتحدرة من اصول فيليبينية، والتي كانت الى ما قبل اختيارها للمهمة الصعبة في لبنان سفيرة لبلادها في دولة الامارات العربية المتحدة، قد «عاشت» حالة التحول التي شهدتها تلك الدولة القليلة السكان والغنية بثروتها، بعد رحيل مؤسسها الطيب الذكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي اشرك «أهله» العرب ليس فقط في خير بلاده، بالمعونات والمساعدات التي قدمها لهم في دولهم، بل أساساً بدوره الذي لا ينسى في مصالحة من اختلف منهم مع اخيه، وفي السعي لتعزيز التضامن في ما بينهم في مواجهة المخاطر التي تتهددهم وهي كثيرة...
وأعظمها الهيمنة الخارجية (اي الاميركية) المعززة للاحتلال الاسرائيلي في فلسطين.
ولعل السيدة السفيرة قد عاشت نشوة النجاح وهي تشهد النتائج الكارثية للاحتلال الاميركي للعراق على مجمل الواقع العربي، وتحديداً في فلسطين ثم في لبنان بعد الحرب الاسرائيلية عليه.
وبين المصادفات السعيدة ان تكون السفيرة ميشال سيسون قد وصلت بيروت مباشرة بعد اذاعة تقرير لجنة فينوغراد الاسرائيلية التي حسمت، ومن داخل المصلحة الاسرائيلية، في امرين خطيرين: اولهما ان حرب تموز انما تمت بقرار اسرائيلي كان متخذاً من قبل عملية خطف الجنديين، وثانيـهما ان القرار 1701 الذي اصدره مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب، من دون اي التزام بوقف النار انما كان مطلباً اسرائيلياً في صياغته، ولم يكن بإمكان لبنان ان يطلب اكثر منه، في ظل الذعر العربي الرسمي من تهديدات المندوبين الاميركي والفرنسي في مجلس الأمن.
وليس ضروريا التوكيد او اعادة التوكيد على ان هذه الحرب الاسرائيلية التي بدأت بقرار اسرائيلي انما تمت إطالتها والتمديد لها اسبوعاً بعد اسبوع بقرار اميركي معلن، ويفترض أن السفيرة الجديدة قد قرأت في محفوظات الخارجية الاميركية، او سمعت مباشرة من وزيرتها التي لعبت دوراً لا يقل خطورة عن دور اي مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى في اطالة امد الحرب... ولعلها قد تسببت في زيادة الخسائر الاسرائيلية، وهي ما يعنيها، اما خسائر لبنان في الإنسان واسباب العمران فهي اعظم بكثير من ان تغطيها التبرعات السخية التي قدمها الكونغرس، والتي يتابع اللبنانيون وجوه صرفها بكثير من الدهشة، بما فيها تلك التي خصصت للجيش، والتي تحتل السيارات منها الطليعة!!
وختاماً، ومع الترحيب بالسفيرة الجديدة التي أحنت رأس رتبتها لتكون في خدمة لبنان، فإننا لا نطمع كثيراً في «تغيير» سياسة الادارة التي اوفدتها، خصوصاً وهي قد بدأت حديثها من حيث انتهت التوجيهات التي أملاها سلفها الصالح السفير جيفري فيلتمان (الذي كاد تعبه من اجل لبنان يذهب بنور عينيه) والتي جرى تعميمها بعد «جلائه» عن بلادنا لتكون خريطة طريق للمرحلة المقبلة، التي نتمنى الا تكون اسوأ من سابق ما تجرّعناه من مرارات في وطن الأرز الذي يدمر التدخل الاجنبي أمنه وأمانه ويهدد وحدته الوطنية... وعهده الجديد!
المصدر: صحيفة "السفير"