ارشيف من : 2005-2008
"الحرب المفتوحة"... ووثيقة التفاهم
كتبت ليلى نقولا الرحباني
لا شك في أن القسم المعلن من "تقرير لجنة فينوغراد" وحده يكفي لتظهير الصورة التي آل إليها المستويان العسكري والسياسي في "إسرائيل"، فقد أعلن عضو الكنيست عن حزب العمل إفرايم سنيه أثناء لقاء له مع نشطاء الحزب في تل أبيب: "إن أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر قد تحطمت". وكتب المحلل العسكري زئيف شيف في هآرتس "إنه محظور الوصول إلى وضع ينشأ معه توازن استراتيجي بين إسرائيل وحزب الله".
من هذا المنطلق وجدت "إسرائيل" نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى أساليب أخرى، للفصل بين المقاومين ومجتمعهم، وذلك لتطبيق نظرية الفصل بين السمك والمياه التي تحيط فيه من أجل موت السمك المقاوم أو قتله بواسطة ضغط المحيط عليه، لذلك حاولت خلال حرب تموز وما تلاها الدفع باتجاه زرع بذور الخلاف بين المقاومة والفئات المكونة للمجتمع اللبناني، سواء بتحريض بعض الفئات اللبنانية على المقاومة، واتهامها باحتكار الحرب والسلم وتعريض لبنان لحرب مدمرة، أو من خلال زرع بذور الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله من خلال التصويب على ورقة التفاهم الموقعة بين الطرفين، بتحريض الابواق والاقلام ضدها واعتبارها تصب في خانة المحور السوري الايراني، او من خلال محاولة زعزعة شعبية التيار الوطني الحر بتصوير التيار وكأنه يخرج على جميع مبادئه السيادية من خلال تحالفه مع حزب الله.
وفي هذا السياق نفسه أتت عملية اغتيال الشهيد المجاهد عماد مغنية، في محاولة لتطبيق استراتيجية جديدة تكسب "اسرائيل" الحرب القادمة، اقترحها أحد الباحثين الاسرائيليين رون بن يشاي مبنية على أسس أربعة هي:
1- إيجاد حالة صراع أو تضارب في المصالح السياسية والمادية بين "الارهابيين" (المقاومة) من جهة والسكان غير المقاتلين من جهة أخرى.
2- تغيير طبيعة النشاط العسكري، بحيث تكون الأجهزة الاستخبارية الاسرائيلية مسؤولة عن المعركة ضد "الإرهاب"، فتدير العمل الميداني وتوجه العمليات العسكرية/ الأمنية من أجل الحدّ ما أمكن من احتمال تعرّض السكان غير المقاتلين للأضرار النفسية والمعنوية والمادية. وهذا النشاط يمكن تسميته بالنشاط الاستهدافي الموضعي والاستباقي، ما يستوجب توفير موارد بشرية كافية في السلك الأمني ووسائل تكنولوجية متطورة لجمع المعلومات.
3- تعزيز منظومات الدفاع المدني المضادة للإرهاب في "إسرائيل" والمناطق المحتلة.
4- تقويض الشرعية التي يسبغها الرأي العام على الممارسات التي تعتبرها "إسرائيل" إرهابية.
ويبدو أن ما يحاول الموالون تطبيقه وتسويقه في لبنان، بعد حادثة اغتيال الشهيد مغنية واعلان السيد حسن نصرالله استعداد حزب الله للحرب المفتوحة التي أرادتها "اسرائيل"، يصب في خانة تطبيق البند الاول من هذه الاستراتيجية، اذ ذهب الموالون الى زرع الشكوك في مدى تقبل أنصار التيار الوطني الحر لمواقف قائدهم العماد ميشال عون الذي أعلن أن من حق حزب الله الدفاع عن النفس، فبدأوا يطلقون السهام على البند العاشر من وثيقة التفاهم ويعلنون سقوطه تمهيداً لسقوط الوثيقة.
ولكن يبدو ان كل الضغوطات، وكل السهام التي أطلقت، لا يمكن ان تهز التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وخاصة ان هذا التفاهم استطاع خلال سنتين أن يتخطى كل الضغوطات الدولية والمحلية لإسقاطه، وها هو رئيس التيار الوطني الحر يستند في تصريحه ـ الذي قال فيه: "لا يمكن أن تقول لأحد لا يمكن أن تدافع عن نفسك إذا اعتدي عليك" ـ الى مبادئ القانون الدولي الذي ينص على حق الدفاع المشروع عن النفس، والى ميثاق الامم المتحدة الذي ينص في مادته 51 على حق الدول فرادى وجماعات في الدفاع عن النفس، والى القانون اللبناني الذي كرّس حق الدفاع المشروع في المادة 184 من قانون العقوبات التي نصت على أنه: "يعدّ ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرّض غير محقّ ولا مُثار على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي".
نتمنى أن تصل الموالاة في لبنان الى القناعة بأن فك التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله هو هدف غير واقعي، تماماً كالقناعة التي وصل اليها القادة العسكريون والمسؤولون السياسيون الإسرائيليون من أن سحق قوة حزب الله وإبادة نموذج أمينه العام نصر الله يمثلان هدفين غير واقعيين. ومن هؤلاء الدكتور رؤوفين أرليخ المتخصص في الشأن اللبناني الذي قال: "كل من يفكر بإزالة قدرات حزب الله هو غير واقعي. يجب التفكير بمصطلحات: ماذا يمكن إنجازه؟ المتاهة اللبنانية تشدّنا مراراً وتكراراً إليها، نحن نريد إخراج لبنان من داخلنا أيضاً، ولكن لبنان لا يدعنا نخرج، لأن الهدوء الذي ساد في السنوات الأخيرة بعد الانسحاب، كان نسبياً وضئيلاً، وتمّ خرقه عدّة مرات، وأدى إلى تمركز منظمة مسلحة قبالة الحدود الشمالية، جعلتنا ندفع ثمن ذلك اليوم غالياً".
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008