ارشيف من : 2005-2008
”ما بعد 14 شباط“ والشقق السكنية المفروشة بالشباب يُقلق بيروت
أشاع اللقاء الذي عقده مدير المخابرات في الجيش اللبناني جورج خوري مع ممثلين عن تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله جواً من الارتياح العام انعكس تراجعاً في التجمعات الشبابية الاستفزازية في الأحياء الداخلية لمدينة بيروت، لكنه لم يبدد المخاوف من عودة الفوضى التي انتهت قبل لقاء اليرزة باستخدام قنابل المولوتوف خلال قيام مجموعة محلية تابعة لتيار في السلطة بمحاولة فاشلة لحرق مركز تابع للمعارضة الوطنية.
وفي جولة مسائية قامت بها "الانتقاد" بعد 24 ساعة على لقاء اليرزة، شملت شوارع في رأس النبع وبشارة الخوري والنويري والبسطة مروراً بالزيدانية ومار الياس، لاحظت انحسار التجمعات الشعبية، والتزام الناس منازلهم بناء لتوجيهات قيادة الجيش، وأكد بعض أصحاب المحلات القليلة التي كانت تستعد للإقفال "ان وجود الجيش عند مفارق الطرق يبعث على الارتياح، لكنه لا يطمئن، لذلك فإننا نقفل محلاتنا باكراً خشية تجدد الاشكالات، اننا نعيش حالة من منع التجوال غير المُعلنة".
واتهم عدد من الأهالي في منطقة البسطة تيار المستقبل باستقدام العناصر وتكديسها في شقق سكنية، وتوزيع الأسلحة على أنصاره، ونشر نقاط مراقبة وقنص على أسطح الأبنية العالية، في محاولة للسيطرة على الشوارع من الأعلى، وطالب الأهالي الدولة بالتدخل لوقف عملية التسليح في بيروت.
قيادة الجيش التي دعت الى لقاء اليرزة، شعرت بعد ثلاثة أيام من الفوضى المنظمة في شوارع بيروت، بخطورة الأحداث التي قد تؤدي الى تدهور كبير في الأمن العام، في حال استمرت على الوتيرة المتصاعدة نفسها منذ ما قبل 14 شباط، خصوصاً بعدما تطورت الاشتباكات المسائية من استخدام العصي والحجارة الى اطلاق النار واستخدام قنابل المولوتوف، ونشر القناصة فوق البنايات العالية، وبعد ان انتقلت الاشكالات من شارع الى شارع، وكانت تتوسع في اللحظة نفسها في أنحاء بيروت كافة الى حدّ بات من الصعب السيطرة عليها، أو حتى حصرها في بقعة معينة. لذلك أعلنت قيادة الجيش في بيان لها انها تشعر بأن هناك من يريد خلق خطوط تماس جديدة بين الأحياء الداخلية في بيروت، وهو أمر لن توافق عليه، لذلك قامت بحركة اتصالات واسعة شملت سياسيين وفعاليات دعتهم فيها الى التعاون من أجل وقف الاستنزاف اليومي للأمن في لبنان.
قيادتا حركة أمل وحزب الله أبدتا تعاوناً كبيراً مع قيادة الجيش، وأعلنتا وقوفهما الى جانب الإجراءات الميدانية التي يتخذها الجيش لضمان الأمن، ومنع التعديات.
وفي الوقت الذي رحب فيه ممثل تيار المستقبل خالد شهاب بإجراءات الجيش أصر على ان تتولى القوى الأمنية الأخرى ولا سيما فرع المعلومات مسؤوليات أمنية في ضبط الشارع، إلا ان النقاش انتهى الى حصر مهمة تطويق الاشكالات بالجيش اللبناني وحده.
ولم يكتم مدير المخابرات في الجيش قلقه من تصاعد المشاكل التي بلغت مع حوادث السبت الفائت (بعد الاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري) وتيرة خطيرة، ولاحظت قيادة الجيش أن مهاجمة المقار راحت تقترن بحشد مئات الشبان وبإطلاق نار وبتنقّل المطاردات والمواجهات من حيّ إلى آخر، فتخرج عن سياق حادث فردي لتمسي نزاعاً مذهبياً حقيقياً.
لم ينكر ممثل تيار المستقبل في لقاء اليرزة أمام مدير المخابرات جورج خوري ان عددا من عناصر تيار المستقبل حاولوا مهاجمة احد مراكز المعارضة، كما انه لم ينف قيام تيار المستقبل باستقدام عناصر من مناطق لبنانية عدة واستحداث مراكز تجمعات بعضها مكشوف والكثير منها مستور في تجمعات سكنية. إلا انه نفى ان تكون هذه المراكز معنية في الاشكالات التي حدثت مؤخراً في العاصمة، واتهم بدوره المعارضة بأنها تسعى الى فتح مراكز حزبية وتستفز سكان الأحياء.
وبعد اللقاء قالت مصادر أمنية مقربة من قيادة الجيش ان مهاجمة المقار الحزبية ترمي، على ما يبدو، إلى مباشرة خطة طرد متبادل للمراكز الحزبية في هذا الحيّ أو ذاك. وأضافت ان النقاش الذي جرى في اليرزة عبّر عن هواجس مشتركة ومتطابقة لدى كلّ منهما حيال الآخر. وتبادلوا الجميع الاتهامات بنشر مسلحين واستفزاز المشاعر المذهبية وحشد الشبان وإطلاق الهتافات والشعارات المعادية والتحرّش وتوسّل العنف، وصولاً إلى مهاجمة المقار الحزبية.
المهم في لقاء اليرزة ان قيادة الجيش سعت الى نشر مظلة واقية فوق عناصر وضباط الجيش اللبناني، وأكدت على حياديتهم، ووضعت القوى السياسية أمام المسؤوليات الكبيرة، وحذرت من ان استمرار التجاوزات في الشارع من شأنه ان يُحرج قيادة الجيش التي لن تتمكن أبداً من وقف الفتنة المذهبية إذا ما وقعت، لأن السلم الأهلي تصنعه السياسة ويحميه الجيش.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008