ارشيف من : 2005-2008

القضاء يصفع "الشباطيين" بإظهاره حقيقة جريمة عين علق ويبرئ ساحة سوريا

القضاء يصفع "الشباطيين" بإظهاره حقيقة جريمة عين علق ويبرئ ساحة سوريا

تلقّت قوى 14 شباط/ فبراير، صفعة قويّة وجديدة، من حيث لم تحتسب، ولم تكن تتوقّع وتنتظر، ومن القضاء اللبناني ممثّلاً بالنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا بالذات، بشأن محاولتها استثمار دماء الأبرياء الذين قضوا في جريمة عين علق المزدوجة، واتهام سوريا بتنفيذها بغية استثمارها سياسياً، فإذا بالحقيقة تظهر ناصعة وتؤكّد بأنّ الطرف الفاعل هو تنظيم "فتح الإسلام" الذي قيلت روايات كثيرة عن قربه من قوى 14 شباط/ فبراير ومخابرات دول عربية تدعم هذه القوى، قبل أن يتقرّر التخلّص منه لخروجه عن القواعد المرسومة له.
فقد أصدر القاضي ميرزا "مطالعته بالأساس" وهي المقدّمة الفعلية للقرار الاتهامي وترسم حدوده ومعالمه، في جريمة تفجير حافلتين لنقل الركّاب في بلدة عين علق قرب بكفيا في قضاء المتن الشمالي في جبل لبنان يوم الثلاثاء في 13 شباط/ فبراير من العام 2007، واتهم بالأدلّة والقرائن، تنظيم "فتح الإسلام" بارتكابها، وذلك في إطار مخطّطه التخريبي القائم أساساً لضرب الساحة اللبنانية وخلق مناخ التوتّر فيها والإخلال بأمنها، وليس المخابرات السورية كما أشاع وزير الداخلية والبلديات العميد المتقاعد حسن السبع، فور توقيف عدد من الضالعين في هذه الجريمة، مستبقاً نتائج التحقيق القضائي صاحب الحقّ الوحيد في تحديد المسؤوليات وتعيين الجهة الفاعلة وكلّ من ساهم وخطّط وشارك فيها.
ولم يكن السبع وحيداً في هذا المضمار التضليلي والخارج عن المألوف والتعاطي مع ملفّات وجرائم إرهابية منظّمة، واتخذ من منبر مجلس الوزراء غير الشرعي بعيد اجتماعه في 13 آذار/ مارس من العام 2007، مطيّة لإطلاق اتهامه السياسي، ما يعني أنّ حكومة فؤاد السنيورة كانت تريد أن تفتعل إشكالاً جديداً مع سوريا، وأقلّه فإنّها متورّطة مع السبع في سلوك طريق التضليل والافتراء، فهل كان المقصود تجهيل المجرمين الفعليين والتعمية على الحقيقة؟
اتهامات تضليلية
وتلقفت قيادات شباطية ومنها الرئيس أمين الجميل، والنائب سعد الدين الحريري، وسمير جعجع، إشارات الوزير السبع، وهي المستعدة دائماً للانخراط في مشروع الاتهام السياسي ضد سوريا، وتعمّدت توجيه أصابع الاتهام إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بالوقوف خلف هذه الجريمة الواقعة في منطقة مسيحية لها خصوصيتها، وسعت إلى إرباك "التيّار الوطني الحرّ"، وذلك بغية التحريض عليهما في منطقة تشهد على حضورهما الحزبي والسياسي منذ سنوات وسنوات، ما عرّض حياة مناصريهما للاعتداء والقتل، وكلّ ذلك لكي تنعم القوى الشباطية باستفادة إضافية من هذه الجريمة.
وقد اعتاد اللبنانيون مع مرور الأيّام، وتكشّف الكثير من الحقائق في غير ملفّ وقضية في مختلف أوجه الحياة، على سماع معزوفة قوى 14 شباط/ فبراير المملة باتهام سوريا في كلّ شيء، ضمن منهجها الخاطئ في استباق التحقيقات القضائية، ومسارعتها المقصودة إلى ممارسة الاتهام السياسي في كلّ حادثة أو جريمة أو اغتيال تشهده الأراضي اللبنانية، وتفصيله على مقاس الجسد السوري، أو محاولة الغمز من قناة المعارضة الوطنية بالإيحاء بأنّها تعرف وتسهّل وتتغاضى، حتّى ولو كان الأمر إشكالاً طفيفاً بين زوجين على زيارة عائلية مفاجئة.
صفعة مقبرة عنجر
وهذه هي المرة الثانية التي يسدّد فيها القضاء وميرزا نفسه، ضربة موجعة لقوى 14 شباط/ فبراير خلال عامين تقريباً، بعدما كانت المرّة الأولى في محاولتها الفاشلة، المتاجرة بالرفات التي عثر عليها في مقبرة واقعة على تلّة النبي عزير في بلدة عنجر، حيث سارعت فور اكتشاف هذه المقبرة إلى اتهام المخابرات السورية بالوقوف وراءها واصطنعت بفعل مخيّلتها الواسعة، وهماً قائماً على أنّ الرفات تعود لأشخاص تعرّضوا للتعذيب حتّى الموت في زنازين هذه المخابرات، قبل أن ينجلي الغبار وبالعلم الجنائي البحت والمضمون، وتسطع الحقيقة بأنّ هذه الرفات تخصّ مواطنين عاديين قضوا بشكل طبيعي قبل أكثر من خمسين عاماً على الأقلّ، أي قبل مجيء القوات السورية ومخابراتها إلى لبنان.
وأضاءت مطالعة القاضي ميرزا على جوانب مخفية وأخرى معروفة، من سيرة "فتح الإسلام" منذ تأسيسها على يد الفلسطيني الأردني شاكر العبسي، وكيفية استقدام مواطنين ذوي توجّهات متطرّفة من المملكة العربية السعودية للانضمام إليها، بداعي "نصرة المسلمين السنّة ومقاومة الاحتلال الأميركي في العراق"، وقيام "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي بمراقبة تحرّكاتهم وتنقّلاتهم من وإلى مخيّم نهر البارد الذي استقرّوا فيه.
ومع ذلك، فإنّ مطالعة ميرزا تروي، بأنّ عناصر "فتح الإسلام" كانت مرتاحة في حركتها على الأراضي اللبنانية، بدليل استئجارها شققاً في مناطق قرنة شهوان والدورة والأشرفية، تمهيداً لارتكاب جرائم متنقّلة تزعزع الأمن في لبنان، وهذا ما يطرح تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة عن جدوى رصد "فرع المعلومات" لها، وهي التي استطاعت تنفيذ جريمة عين علق، ونقل موادها التفجيرية، وتصوير سفارتي روسيا وبريطانيا في لبنان لاستهدافهما، وتحضير عبوات ناسفة لوضعها في ميدان اعتصام المعارضة وخيمها في ساحة رياض الصلح في بيروت، لكنّها اصطدمت بالمراقبة اللصيقة الموجودة في الاعتصام فعدلت عنها لئلا يفضح أمرها، كما أنّها خطّطت للقيام بجرائم إرهابية أخرى تهدف إلى إثارة النعرة الطائفية والمذهبية ودفع اللبنانيين إلى الاقتتال.
وراودت شاكر العبسي أفكار تخريبية لزيادة الشرخ بين اللبنانيين منها زرع متفجّرات في حسينية يرتادها شعب المقاومة وحزب الله، ودسّ عبوة في مركز لحزب الكتائب في بكفيا.
وأعربت مطالعة ميرزا عن اعتقادها بأنّ مرتكب جريمة اغتيال رئيس القسم الفني في "فرع المعلومات" الرائد وسام عيد، هو  تنظيم "فتح الإسلام"، والسبب الرئيسي هو أنّه كانت للشهيد عيد اليد الطولى في إماطة اللثام عن منفّذي جريمة عين علق من خلال تتبعه ورصده حركة الاتصالات الهاتفية بين عناصر هذا التنظيم الذين كانوا مولجين بالتخطيط والتنفيذ.
 وطلب ميرزا في ختام مطالعته، عقوبة الإعدام لكلّ من شاكر العبسي، والسوريين مصطفى إبراهيم سيو، وهو الذي دسّ عبوة في إحدى الحافلتين، وكمال فريد نعسان وياسر محمّد الشقيري، والأشغال الشاقة المؤبدة للسوري مبارك غازي النعسان، مع الإشارة إلى أنّ واضع العبوة الثانية في الحافلة الثانية هو السوري عمر محمّد نصر الحجّي الذي قتل لاحقاً في الاشتباكات مع الجيش اللبناني في مخيّم نهر البارد.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008

2008-02-22