ارشيف من : 2005-2008
لقاءات عباس ـ أولمرت: علامات استفهام وراء مداولاتها
غزة ـ "الانتقاد"
المزيد من علامات الاستفهام الكبيرة انطلقت على ألسنة كل المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني اثر اللقاء الجديد الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس وزراء العدو الصهيوني ايهود اولمرت في القدس المحتلة، وعلامات السؤال الأكبر تتمحور حول عدم رشح معلومات عن نتائج اللقاء الذي يعتبر الخامس الذي يجمعهما منذ مؤتمر انابوليس في الولايات المتحدة الأميركية، واللقاء العشرين الذي جمع رئيسي طاقمي المفاوضات في الجانبين احمد قريع وتسيفي ليفني منذ ذلك المؤتمر..
ومن وجهة نظر المراقبين فإن علامات السؤال تكبر كلما جرى الحديث عن تأجيل طرح موضوع القدس في هذه المفاوضات إلى نهايتها، وتنصل الكيان الصهيوني علناً من أية مسؤولية عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، سواء في الشتات أو في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، أو في الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين.. وأمام علامات السؤال هذه اجتهد المحللون في تفسير اللقاءات قبل أن تستقر على انها تسير باتجاه واحد اتفق عليه الرجلان في أروقة هذه اللقاءات من دون الإعلان عن هذه الوجهة حتى للغالبية العظمى من المسؤولين من الفلسطينيين والصهاينة، خشية التخريب على هذه الوجهة بالتصريحات أو بالإجراءات العملية.. وعلى الرغم من التصريحات الصادرة عن مسؤولين كبار في الجانبين إلا أن الرأي الأرجح لدى غالبية المحللين ان عباس واولمرت يسيران نحو هدف وضع في نهاية نفق المفاوضات من دون الإعلان عنه أملا في الوصول إلى هذا الهدف والإعلان عنه في وقت يكون ملائما لاحتضان هذا الإعلان الذي يشمل إعلانا نهائيا لدولة فلسطينية يتم الاتفاق على حدودها وعاصمتها في وقت لاحق، وتكون ملجأ لجميع الفلسطينيين اللاجئين الراغبين بالعودة إليها.. على أن عدم طرح القدس للتفاوض الجدي في اللقاء الأخير ينعش الذاكرة لدى محللين آخرين ويدفعهم إلى القول ان هذا الرأي وان كان راجحا إلا أن الظروف الميدانية والسياسية لا تخدم مصلحة الطرف الفلسطيني في تحقيق أهدافه المعلنة، والتي تتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين حسبما يحددها الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية. فهو من جهة يواجه طرفا متعنتا هو الطرف الصهيوني مدعوما إلى ما لا نهاية من الولايات المتحدة الأميركية، ومن جهة أخرى تدخل الانتخابات الأميركية حيز التنفيذ وبالتالي تتلاشى شيئا فشيئا إمكانية تحقيق الرئيس بوش لوعوده وآماله، إن صح التعبير، في إقامة دولة فلسطينية على الأرض مقابل الأزمات وسياسة تبادل الأدوار التي تطفو إلى السطح كلما أراد العدو الصهيوني التنصل من أية مسؤوليات نحو الطرف الفلسطيني، وهو الأمر الذي يعني بشكل شبه واضح أن مآل هذه الجولة من المفاوضات وإن تظاهرت بالجدية، إلا أن مآلها هو نفس مآل مفاوضات كامب ديفيد والقاهرة إبان حكومة وزير الحرب الصهيوني الحالي ايهود باراك الذي تراجع عن كل ما تم التوصل إليه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كي لا يتم البناء عليها من أية حكومات لاحقة وهو ما تم حتى الآن..
على أن العامل الأهم ربما في ضعف الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات وفي غيرها من الميادين هو حالة الانقسام والتشرذم التي يعاني منها المعسكر الفلسطيني.. وهي الحالة التي ما زالت مستمرة حتى الآن، بل هي تتعمق يوما بعد يوم.
ومن قبيل الانقسام أيضا قضية الحدود المصرية الفلسطينية في قطاع غزة، فبعد إغلاقها ما زال الخوف من فتحها من جديد هاجسا مصريا، وهو ما دفع إلى اجتماع المصريين بوفد قيادي من حماس مرتين في العريش وفي المعبر نفسه، وذلك لضبط الأوضاع وترتيبها على هذه الحدود وفي نفس الوقت مواصلة مصر بالقيام بدورها الوسيط كطرف مسؤول أدبيا عن قطاع غزة كملف امني يتبع للمخابرات المصرية، وفي هذا السياق تم طرح قضية الحصار والحدود ومعبر رفح إلى جانب قضية شاليط والتهدئة، وفي هذه اللقاءات وكذلك في اللقاء البديل الذي استضاف فيه عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية رئيس جهاز الموساد الصهيوني في القاهرة، وقد تطرق الجانبان إلى آخر المواقف بخصوص تبادل الأسرى خصوصا والتهدئة بشكل عام، إلى جانب قضية الحصار والحدود وغيرها..
وفي ظل هذه الأجواء فإن الوضع الميداني ظل ملتهبا وساخنا في قطاع غزة بفعل السياسة التصعيدية الصهيونية التي تمثلت باستمرار القصف وارتكاب مجزرة في مخيم البريج وسط قطاع غزة بحجة استهداف احد ابرز قادة سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي ما أدى إلى استشهاد ثمانية وإصابة العشرات وتدمير منزله وعدة منازل مجاورة أخرى، فضلا عن أضرار جزئية بالعشرات من المنازل المجاورة، وهذه اكبر عملية قصف تنفذها القوات الصهيوينة في القطاع منذ عملية اغتيال صلاح شحادة مسؤول الجناح العسكري لحماس في حي الدرج بمدينة غزة قبل عدة سنوات، كما استشهد أربعة من المواطنين في منطقة الشوكة التي اعتبرت في الآونة الأخيرة مسرحا للعمليات الصهيونية الخاصة خلال ساعات الليل، وأصيب عدد آخر من المقاومين الفلسطينيين في المواجهات التي دارت بين الجانبين، كما اعتقل عدد من سكان هذه المنطقة.. المنطقة الوسطى شهدت استشهاد مقاومين من كتائب أبو الريش، وإصابة آخر من الجبهة الديمقراطية، خلال اشتباك بالقرب من معبر كيسوفيم جنوب شرق دير البلح وسط القطاع..
هذا إلى جانب التصعيد الحاصل في تقليص كميات الوقود والكهرباء إلى قطاع غزة، ما خلق أزمات عديدة حتى لسيارات الإسعاف التي تحاول نقل المرضى والجرحى في المعارك مع الصهاينة، كما حرم الكثير من المرضى من الخروج للعلاج في المستشفيات العربية والدولية، وجعل حياة الناس أكثر قساوة في ظل البرد القارس في الشتاء.
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008