ارشيف من : 2005-2008
كوسوفو: استقلال متفجر!
أخيراً، وبعد فشل الترويكا الروسية الأميركية الأوروبية في التوصل إل تسوية مرضية، أعلنت كوسوفو استقلالها من طرف واحد عن صربيا، وحصلت حتى الآن على اعتراف البلدان التي شجعتها على هذه الخطوة وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. إضافة بالطبع إلى ألبانيا وتركيا المعنيتين بالموضوع لأسباب تاريخية وقومية. وهنالك أفغانستان، في آخر القائمة. أما منظمة المؤتمر الإسلامي المجتمعة في السنغال، فقد أعربت عن تأييدها ودعمها واعتبرت بلسان أمينها العام، إحسان الدين أوغلو، أن استقلال كوسوفو خطوة هامة على طريق نهضة الأمة الإسلامية. وقد يفتح هذا التأييد باب الاعتراف واسعاً أمام حشود البلدان الإسلامية ليصح وعد رئيس الوزراء الكوسوفي، هاشم تاجي، الذي أعلن قبل أيام عن استعداد أكثر من مئة دولة للاعتراف باستقلال كوسوفو. وفي الوقت نفسه، بدأ الاتحاد الأوروبي بإعداد قوة من 2000 شرطي لإرسالها إلى كوسوفو لتوفير الأمن فيها وسط الضبابية التي تحيط بوجود ومهمة القوات الدولية التي تضطلع فيها بهذه المهمة منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 1244 في العام 1999. كما شرع صندوق النقد الدولي بالعمل على جمع الدول المانحة لتأمين الدعم المالي والاقتصادي اللازم، مع تلميحات وتصريحات بتسريع استيعاب كوسوفو في الاتحاد الأوروبي، وهو الإغراء المطروح أيضاً أمام صربيا على أمل دفعها إلى تليين موقفها الرافض. هذا لجهة الجانب السهل من المشكلة.
أما من جانبها الصعب، فقد فجر إعلان الاستقلال سيلاً من المشاكل. أولاً، داخل البيت الأوروبي. فقد أعلنت كل من إسبانيا وقبرص واليونان ورومانيا وبلغاريا وتشيكيا معارضتها لهذه الخطوة، وأعربت عن نيتها في عدم الاعتراف بكوسوفو المستقلة، حيث تعاني جميع هذه البلدان من مشكلات مع أقلياتها القومية، وتخشى من أن يتحول استقلال كوسوفو إلى ورقة رابحة في يد الحركات الانفصالية. وكان الروس قد حذروا مسبقاً من هذا الخطر الذي يهدد أيضاً بلداناً كبلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا. وللتخفيف من التأثيرات السلبية على تماسك الاتحاد الأوروبي الذي تتخذ قراراته عادة بإجماع الأعضاء، أعلن وزراء خارجيته الذين اجتمعوا في بروكسل أن بإمكان كل دولة أن تقرر موقفها على حدة من موضوع كوسوفو. وهكذا كان، مع ما في ذلك من خطورة على التماسك الذي سبق وتلقى ضربة مؤلمة من خلال التصويت السلبي في فرنسا وهولندا على الدستور. وقريباً جداً من البيت الأوروبي، ردت صربيا ذات التوجه المعلن نحو الانتماء إلى الغرب بمنتهى العنف على الخطوة الكوسوفية، ووصفت إعلان الاستقلال بأنه إقامة دولة وهمية فوق الأراضي الصربية. ثم بادرت إلى سحب سفيرها من واشنطن، ومن المنتظر أن تعمم هذا الإجراء على جميع البلدان التي قد تعترف باستقلال كوسوفو. وفي بلغراد، رشقت السفارة الأميركية بالحجارة وطالب المتظاهرون روسيا بالتدخل. أما في الجيب الصربي من كوسوفو والذي يعيش فيه خمس سكان الإقليم، فقد ألقيت القنابل على مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع برز التهديد بإمكانية الانفصال داخل الانفصال، وهو الأمر الذي قد يدفع صرب البوسنة إلى إجراء مماثل، إضافة إلى مشكلات مشابهة قد تثار في مقدونيا حيث ترتفع نسبة السكان الألبان. أما في مجلس الأمن، فقد طلبت روسيا إصدار قرار بإلغاء إعلان الاستقلال في كوسوفو واتخاذ إجراءات مشددة بحق كوسوفو باعتبار أن خطوتها تشكل خرقاً للقرار 1244 الذي وضعها تحت إشراف الأمم المتحدة. وأيدت الصين الموقف الروسي وأعربت عن قلقها العميق، وهو الأمر الذي فسره الغربيون بخشيتها من أن تعمد تايوان إلى احتذاء مثال كوسوفو. وبالطبع، قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رؤية مختلفة في تفسير حيثيات القرار، ما يعني تعمّق الشرخ داخل مجلس الأمن بشكل غير مسبوق، كما يعني مزيداً من تنحية المنظمة الدولية عن موقع القرار نتيجة لموقف الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي اللذين أعلنا أنهما يتحملان مسؤولية الاستقرار الإقليمي. وكان الروس قد حالوا في السابق دون تبني مجلس الأمن للمطلب الكوسوفي، وهددوا بالويل والثبور في حال أعلنت كوسوفو استقلالها وحصلت على اعتراف من قبل القوى الكبرى الغربية. أما وقد حصل ذلك، فإن عقارب الساعة باتت تتجه نحو جورجيا حيث تتوافر في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كل شروط الانفصال عن تبليسي، وربما نحو المقاطعات الشمالية الشرقية في أوكرانيا، وهي مقاطعات تسود فيها الثقافة الروسية وتعتمد أحزابها سياسات معلنة تدعو إلى التقارب مع موسكو. لكنها تتجه أيضاً نحو كوسوفو بالذات حيث هدد الروس بالرد على أية محاولة لقمع صرب كوسوفو في حال قرروا عدم الانصياع للسلطة الجديدة. بذلك تكون منطقة البلقان قد وقفت مجدداً على حافة الاضطراب وسط تصاعد التوتر بين روسيا والغرب بسبب الدرع الصاروخية الأميركية وتمدد الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي باتجاه الحدود الروسية.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008